ما بك يا صديقي؟ ما بك؟ اهو نفس الحلم الذي يراودك كل مرة؟ الى متى سيستمر هذا الكابوس؟
لم تكن هذه المرة الاولى التي يستيقظ بها نزيل الزنزانة خمسة، بهذه الطريقة، فقد اعتاد عليه زملاؤه في فندقهم، المكون من ثماني أسر، يرتكز كل اثنان منهما فوق بعضهما البعض، ونافذة صغيرة يكاد يمر منها ضوء الشمس، وجدران متشققة، وذلك السقف المترطب العفن، والارضية معدومة البلاط، ان لم تجد عليها الطحالب ايضا، ودلو ابيض كبير يرتكز في زاوية الفندق، بمثابة حمام لقضاء الحاجة .
لم يكن غريبا عليهم تحدثه وهو نائم باسم ابنه سالم، فكان يتنهد نائما، كيف انت يا سالم، حدثني عنك، اما زلت تحتفظ باللعبة التي اهديتك اياها في عيدك السابع، اما زلت تحفظ آيات القرآن ونصوص درويش التي علمتك اياها، هذه العبارات التي كانت تتراود على لسانه، ولكن الغريب بالامر انه منذ ثلاث اسابيع فصاعدا، اصبح يصرخ قائلا، اهرب يا سالم، تجنب هذا يا سالم، احمي امك يا سالم، تغيرت لهجته، من لهجة تحبب، الى لهجة خوف ورعب، وكأن شيئا يحدث لسالم حقا...
تودد اليه زملائه مرارا ان يحدثهم عن ما يرى في منامه، ولكنه كان يرفض، دائما كان يرفض، كأنه خائف من تفسير حلمه، خائف من ان يصيب سالما مكروه، الا يكفيه فراق ابيه؟، الا يكفيه تيتمه بأب حي؟، الا يكفيه خمسون عام من الانتظار؟، لم يمضي منها الا خمس، ارجوكم الا تطلبوا مني ان احدثكم اياه، يكفيكم ما بكم من هموم، ودعوني احل الامر بنفسي ..
عرض عليه احد زملائه عرضا، او بالاحرى الزميل الذي يقطن السرير السادس مقابله من الجهة الشمالية للزنزانة، قائلا : كنت وانا صغير ارى كابوسا يزعجني، فأبكي الى جدتي، فتضحك!، استغرب من تصرفها، لم تضحكين يا جدتي؟، ما الذي يضحك في هذا؟، كانت تقبلني، وتعيدني الى الفراش، الى ان وصلت سن الخامسة عشرة ...
الى ان وصلت الى سن الخامسة عشرة، قالت لي : يا صدام، اسميناك صدام لكي لا تخاف الواقع، لا بل وتتحداه، تيمنا باسم رئيس العراق صدام حسين، والان تاتيني خائفا من كابوس، احترم اسمك يا بني، احترمه.
ومنذ ذلك الوقت اصبحت اقدم على المخاطر اقداما، لا اهاب الواقع، وعندما يأتيني حلما متحديا لي، كنت ادفعه بقاع قدمي، واردد دائما " لست بصدام ان خفت شيئا***ولت بأخذ من دنياي شيئا"، فلم الخوف؟ خلاصة قولي يا ابا سالم، انصحك بنصيحة جدتي، اترك الخوف، اهجره، لا بل اجعل الخوف يخافك يا اخي، هيا فلتصبح على واقع يخافك لا تخافه، وخلد الى النوم.
دخلت كلمات صدام فؤاد ابا سالم، لم يتوقع ابدا ان تحل عقدته بمثل هذه الكلمات، ولكنها حقيقة، لم الخوف من الاحلام، اسمها احلام وليست واقع، لا بل لما الخوف من الواقع نفسه ما دام واقع ؟ لم لا نواجه الخوف بثقة؟، لمَ الخوف اصلا؟ .
هل سمعنا يوما عن شخص خلد في هذه الارض؟ هل سمعنا عن احد اخذ شيئا من هذه البالية؟ لا احد، اذا لم الخوف؟ نام ابو سالم وهو يردد "لست بابا سالم ان خفت شيئا***ولست بأخذ من دنياي شيئا"،وخلد الى نومه.
في اليوم التالي، استيقظ ابو سالم على احد زملائه وهو يدغدغه بأنامله، ماذا يا صاحبي؟ لم نسمع صراخك هذه الليلة، ما الذي جرى؟ ماذا هل فهمت حلمك يا ابا سالم؟ نظر ابا سالم الى صدام مبتسما، وقال: لا يا صاحبي بل فهمت الواقع.
هكذا نحن، نخاف من كل شيء، اذا فرحنا خفنا، واذا حزنا خفنا، اذا دب بنا الامل خفنا واذا سئمنا خفنا، حتى تكونت لدينا فوبيا تدعى "فوبيا الخوف"، حتما لن نتخلص من هذه الفوبيا حتى نفهم الواقع كما فهمه ابا سالم، ومن قبله صدام.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net