البروفيسور أحمد ناطور في مقاله:
هل تعترف إسرائيل بان حماس وهي منظمة عسكرية صغيرة مسلحة بأسلحة من صنع محلي هي التي تقرر اين يكون مسرح القتال؟
إن كان الجيش يعلم أنّ في المبنى يتواجد عسكري واحد بين عشر عائلات هل يجوز له أن يقتل عشر عائلات من اجل استهداف عسكري واحد؟
في محاولة لاستباق تقرير لجنة التحقيق الأممية في أحداث حرب إسرائيل الأخيرة على غزة، أعدت الخارجية الإسرائيلية تقريرا ادعت فيه أن 44% من القتلى الفلسطينية كانوا عسكريين، وأنّ استراتيجية حماس كانت تهدف إلى جر مسرح القتال إلى الاحياء السكنية، إلى جانب استخدام المدنيين كدروع بشرية. إنّ اقل ما يقال في تقديرهم الهزيل هذا، هو أنّ شر البلية ما يضحك. ترى إن كان 44% من الشهداء عسكريين، ماذا يكون الباقي؟!
معناه انهم يعترفون بعظمة لسانهم أن 56% منهم هم مدنيون، اذا هي حرب على المدنيين! ثم هل تعترف إسرائيل بان حماس – وهي منظمة عسكرية صغيرة مسلحة بأسلحة من صنع محلي، هي التي تقرر اين يكون مسرح القتال، فتجر الجيش "الذي لا يقهر" إلى المسرح الذي تريد ؟ ثم ما هو هذا الادعاء السخيف باستخدام المدينين كدروع بشرية؟! إن كان الجيش يعلم أنّ في المبنى يتواجد عسكري واحد بين عشر عائلات، هل يجوز له أن يقتل عشر عائلات من اجل استهداف عسكري واحد؟ ومع أنّ هذا يعتبر جريمة قي القانون الجنائي المحلي والدولي على حد سواء، فالجواب في عرف الجيش الإسرائيلي إيجابي، فقد حدث هذا يوم تم تدمير البناية التي كانت اسرة صلاح شحادة من بين سكانيها. يومها قال قائد سلاح الجو ثم رئيس الأركان المدعو حلوتس، مجيبا على السؤال: هل هناك حساسية ينبغي على الطيار التحلي بها حين يطلق صاروخا على بيت. فقال: انه لا يشعر الا بهزة خفيفة بجناح الطيارة. ثم قال لطياريه بعد ان سقط 16 شهيدا مدنيا جراء تدمير البيت منهم 8 أطفال: "لقد قمتم بعمل جيد، تستطيعون ان تناموا ليلكم الطويل، فانا انام نوما هادئا ". هذه اذا قيمة أرواح الناس في عرف الجيش "الأخلاقي " كما يحاولون تسويقه دائما، بل يقولون انه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم.
في حرب غزة الثانية سنة 2008 التي استمرت 22 يومًا قتل الجيش الإسرائيلي 248 شرطيا فلسطينيا كانوا يصطفون في ساحة التدريب، وطبيعي ان هؤلاء ليسوا عسكريين يقاتلون. وقالت منظمة "بتسيلم " ان 773 مدنيا قد سقطوا في هذه الحرب، منهم من كان يرفع الراية البيضاء – اما الفلسطينيون فقالوا إنّ عدد الضحايا من المدنيين فهو 961. في حرب غزة الأخيرة اعترف الجيش الإسرائيلي نفسه انه قتل 936 مدنيا منهم 369 طفلا – اما وفقا لاحصاءات الأمم المتحدة، فقد وصل عدد الشهداء من المدنيين 1482. من ناحية أخرى فقد اعترف الجيش الإسرائيلي بالعديد من اعمال السطو والنهب والقتل واطلاق النار على الجرحى بما يعرف بتاكيد القتل. هذا اذا هو الجيش الأخلاقي وأفعاله.
لم تقتصر أفعال هذا الجيش "الأخلاقي" على غزة، بل كان لغيرها من المواطن الفلسطينية نصب كمذبحة دير ياسين، وكفرقاسم وعيلبون والطنطورة وقبيا ويالو. بل امتدت يده إلى العرب أيضا فطالت 1200 من المدنيين في لبنان – في حرب لبنان الأخيرة، منهم مئات الأطفال، وكما جرى تدمير البنى المدنية التحتية في لبنان كعقاب جماعي للشعب اللبناني من اجل دفعه ليقف ضد المقاوم، اضافة إلى اطلاق الجيش وابلا من القنابل الانشطارية على جنوب لبنان تقدر بالالاف، تحوي اربع ملايين قنبلة منشطرة، كل هذا بعد اتفاق وقف اطلاق النار، هذه هي اخلاق جيش الحرب!
ومن ذا الذي ينسى مذبحة قانا اللبنانية سنة 1996 حين قصفت مدفعية الجيش الإسرائيلي بقيادة المتطرف بنيت - وزير التربية الحالي والمسؤول عن تربية الأجيال الان، المدنيين العزّل الذين لجأوا إلى مقر الأمم المتحدة هربا من اهوال النار الإسرائيلية. يومها سقط مئة شهيد منهم الأطفال والشيوخ. قال رئيس الأركان شاحاك يومها ان جيشه لم يكن يعرف ان المكان قاعدة للقوات الدولية مع انه الجيش الذي يدعي انه يعرف كل شيء. عذر اقبح من ذنب!!
في البلدة ذاتها قصفت طائرة إسرائيلية بناية سكنية سنة 2006، بحجة أنّ فيها منصات كاتيوشا، الا أنّ الحقيقة هي أنّه لم يكن فيها الا 28 شهيدا منهم 16 طفلا. اعرب الجيش الاخلاقي بعدها عن أسفه!
في مصر اطلقت طائرات الفانتوم الإسرائيلية في الثاني من فبراير 1970 قذائف تزن خمسة أطنان على معمل مدني في بلدة أبو زعبل في دلتا النيل فقتلت 70 عاملا وجرحت مئة اخرين. طائرات الجيش الأخلاقي لم تكتف بهذا، بل راحت تلقي صواريخها على مدرسة " بحر البقر" شمال القاهرة، فقتلت 30 تلميذا بريئا ارسلتهم امهاتهم باطمئنان إلى مدرستهم ذاك الصباح!
وانك لترى اننا لسنا بمعرض استعراض أفعال هذا الجيش "الأخلاقية" بل هي محاولة للتمثيل لا للحصر واستدلالا على منطقه ومفاهيمه عامة وعلى قيمة الانسان العربي فيها خاصة.
إنّ المفاهيم التي تفتقت عنها عقلية هذا الجيش، تجاه العرب، تدعو إلى الاستهجان، فاليك مثلا مبدا "حنيبال" وهو الامر بقتل وتدمير شاملين للخاطفين ومن وما حولهم بما فيهم المخطوف نفسه اذا ما جرى خطف جندي إسرائيلي، نهجا على المثل القائل، عليَّ وعلى اعدائي ... في حرب غزة الأخيرة دمر الجيش حيا بأكمله على من فيه في رفح بعد خطف جثة ضابط إسرائيلي، فسقط عشرات القتلى ومئات الحرجى المدنيين اثر تدمير الحي. كما أنّ ما اسماه الجيش " التصفية المركزة " هي مخترع خاص بهم، وهو يعني اعداما من غير محاكمة، ومع ان هذا النهج قد صدقته المحكمة العليا في التماس رقم 02769 – اللجنة الشعبية لمقاومة التعذيب ضد حكومة إسرائيل، فان هذا لا يجعله امرا مشروعا وفقا للقانون الدولي خاصة وانه يكفي لقرار الإعدام هذا بناء ملف معلوماتي ضد أي من الناس، قد يكون مبنيا على الوشاية والفتنة. اختراع اخر هو " الشخص المطلوب " – والسؤال هنا مطلوب لماذا ولمن. هل يعني هذا انه متهم، ام انه مدان ؟ - ان كان متهما فهو ليس مدانا بعد، وان كان مدانا فمن ادانه وكيف ؟ ايكفي لقتله ما يقوله عنه موظف المخابرات؟ نهج آخر اتبعه الجيش في اقتحام البيوت هو " نظام الجار" وهو ان يجراالجيش جار البيت ويضعه في مقدمة القوة التي ستقتحم بيت جاره، أي انه يصبح درعا بشريا لهم!
هذا وإن كان تعريف جرائم الحرب التي يعاقب عليها فاعلوها امام العالم بانها الإعدام من غير محاكمة، ومنع علاج الجرحى وقتل المدنيين والاجلاء والتدمير المنهجي للبنى التحتية، فكيف يكون هذا الجيش أخلاقيا، بعد أن صارت هذه الأفعال لديه منهجا رتيبا منذ كان.
هذا هو الجيش "الأخلاقي" بل الأكثر اخلاقا في العالم! ولولا الحياء لقالوا لنا: احمدوا ربكم أن جيشنا أخلاقي، ولو لم يكن كذلك لما اكتفينا بقتل المئات والآلاف منكم كل عام ولأبدناكم عن بكرة ابيكم أيها العرب!!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net