الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 05:01

"أخرجوا واحرقوا الكنائس..." هل هناك من يحميها؟/بقلم: د. جوني منصور

كل العرب
نُشر: 06/08/15 21:44,  حُتلن: 11:02

جوني منصور في مقاله: 

لم يبد الحاخام ونائب رئيس بلدية العاد المذكورين أعلاه أي معارضة من طرفيهما أو نفيهما واستنكارهما لمثل هذه التصريحات الصادرة عن غفشتاين

الحكومة الاسرائيلية وأذرعها الأمنية ليست عاجزة عن اعتقال مثل هؤلاء العنصريين والمتزمتين إنما تتعامل معهم بكفوف حريرية

التصريحات الصادرة عن رسميين في اسرائيل ليست في خانة الشفقة والعطف على العرب الذين تعرضوا بأجسادهم وممتلكاتهم لعمليات ارهابية إنما لكيفية سعي هؤلاء للحفاظ على هيمنتهم الصهيونية على السلطة والأرض والثروات

نشرت وسائل الإعلام الاسرائيلية خبرا قبل نهاية الاسبوع مفاده أن بنتسي غفشتاين زعيم التنظيم الارهابي اليهودي "لهافا" (اختصار للحروب ل.هـ . ڤ. ا بالعبرية وتعني "لمنع الانصهار في الأرض المقدسة") قد دعا في ندوة مغلقة نُظمت مؤخرا في إحدى المستوطنات في الضفة الغربية إلى حرق كنائس لكونها تعبد آلهة وثنية. وشارك في هذه الندوة كل من الحاخام موشي كلاين، وهو محسوب على التيار المتدين الصهيوني ويشغل منصب حاخام مستشفى هداسا، ونائب رئيس بلدية العاد تسوريئيل كريسبل وغيرهما من قيادات ومؤازري وداعمي النشاط الاستيطاني الارهابي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد أُحيطت الندوة بالكتمان مدة ما، إلى أن نشرت تفاصيلها على صفحات جريدة هآرتس وتناقلتها وسائل إعلام أخرى مضيفة تفاصيل تم جمعها للغاية نفسها.

لا يقتصر الأمر عند عقد ندوات كهذه، أو محاضرات وايام دراسية وغيرها من الأنشطة التي يعبر فيها ومن خلالها زعماء الاستيطان والارهاب اليهودي عن آرائهم بصراحة. إنما الأمر في المضامين التي ترشح عن هكذا ندوات. والانكى من هذا ان غفشتاين ابدى استعداده للدخول إلى السجن مقابل تنفيذ عمليات حرق وتدمير كنائس في اسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. ولن أخوض في هذه المقالة إلى الأدبيات التي يقرأها اعضاء لهافا، فهذا امر مهم وجدير بالدراسة لمرات قادمة.

ومن جهة أخرى لم يبد الحاخام ونائب رئيس بلدية العاد المذكورين أعلاه أي معارضة من طرفيهما أو نفيهما واستنكارهما لمثل هذه التصريحات الصادرة عن غفشتاين. وهذا يعني انهما غير معارضين لقيام ارهابيين يهود بعمليات احراق وتدمير كنائس ومساجد ومقابر مسيحية واسلامية...

ماذا يمكننا ان نستنتج من هذه التصريحات الخطيرة؟
1. أن الحكومة الاسرائيلية وأذرعها الأمنية ليست عاجزة عن اعتقال مثل هؤلاء العنصريين والمتزمتين، إنما تتعامل معهم بكفوف حريرية. والتصريحات التي رشحت عن رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس دولة اسرائيل ريفلين ما هي إلا ضريبة كلامية تصب في خانة رفع العتب محليا ودوليا، وحفاظا على ماء الوجه لنظام يدّعي الديموقراطية، والديموقراطية بعيدة عنه بعد الأرض عن السماء. التصريحات الصادرة عن رسميين في اسرائيل ليست في خانة الشفقة والعطف على العرب الذين تعرضوا بأجسادهم وممتلكاتهم لعمليات ارهابية، إنما لكيفية سعي هؤلاء للحفاظ على هيمنتهم الصهيونية على السلطة والأرض والثروات. وما الاستيطان في الضفة الغربية بكافة اشكاله الاجرامية إلا أدوات فعلية لبسط المزيد من الهيمنة الصهيونية على الأرض الفلسطينية.

2. لقد بلغت التنظيمات الدينية الصهيونية – اليهودية الاستيطانية درجة من التغول بحيث لم يعد يهمها القانون في اسرائيل، بل تعتبر نفسها فوق القانون. ولقد سمعنا اعضاء برلمان ينادون بزحف جرافات على محكمة العدل العليا في اسرائيل والتي يعتبرها النظام السياسي في اسرائيل قلعة العدالة. فإذا كان ممثلو الحركة الصهيونية بكافة اجنحتها يعبرون كلاميا ولفظيا عن مواقف كهذه، فما هي إلا تغطية لأفعال جحافل المستوطنين في الضفة الغربية، ولا من رقيب أو محاسب لهم.

3. إن التعاليم التي تبثها حركة لهافا وغيرها من الحركات والمؤسسات الصهيونية المؤسسة على الفعل الاقتلاعي للفلسطينيين من أراضيهم، هي في عينها العنصرية والكراهية والمس بالحرية الدينية والمدنية والسياسية والانسانية لسكان البلاد الاصليين، اي الفلسطينيين. إن التعاليم والتعليمات التي تصدر عن مثل هذه الحركات ما هي إلا سموم تنتشر في أجسام وعقول الشباب اليهودي في اسرائيل الذين باتوا مشبعين بها حتى النخاع، بحيث انهم يقومون بأعمال تخريبية وارهابية ضد كنائس ومقابر واديرة وهم في قمة السعادة والفرح والاقتناع بأنهم يفعلونها برضى سماوي.

4. إن عدد الحركات والتنظيمات الدينية والسياسية والتعليمية العاملة في المستوطنات كبير هو، ومنها ما هو متزمت للغاية ولا يختلف كليا بأفكاره وطروحاته عن أي تنظيم ارهابي تكفيري في العالم، سواء اقليميا او عالميا. وهذه التنظيمات تعتبر خطرة في الدرجة العليا لأنها تستبيح الآخر بجسده وفكره وممتلكاته...

5. إن إلقاء القبض على منفذي عملية حرق كنيسة الخبز والسمك في الطابغة من قبل الشرطة الاسرائيلية يبين خطورة المنفذين ويكشف النقاب عن تنظيمات متطرفة جدا. ووفق تصريحات المتحدث الرسمي باسم الشرطة وتحليلات بعض كاتبي المقالات فإن سرعة التحقيق ناتجة من كون دير وكنيسة الطابغة تابعة لمؤسسة اجنبية وفي هذه الحالة المانية. وهذا صحيح جدا، إذ ان اسرائيل لا تريد التورط في علاقاتها مع المانيا ودول أخرى في العالم. لكن يبقى السؤال المركزي هنا وماذا بشأن عمليات ارهابية اخرى كتدنيس مقبرة كفر برعم قبل عدة شهور؟ وكتابة شعارات مناوئة للمسيحية على جدران أديرة وكنائس في مواقع مختلفة من البلاد؟

6. وإزاء هذه العمليات الارهابية والتخريبية التي وقعت منذ سنوات وعلى ما يبدو انها لن تتوقف مستقبلا، هل قامت حكومة اسرائيل بتوفير حماية مثلا على الكنائس والمساجد؟ هل قامت شرطة اسرائيل بتقديم لوائح اتهام ضد منفذي العمليات الارهابية بحق مقدساتنا العربية الاسلامية والمسيحية؟ دولة سليمة تعمل وتسهر على سلامة جمهورها ومواطنيها ومقدساتهم ومعابدهم المختلفة...!

7. لكن بالمقابل، ولأن الأوضاع الحالية متأزمة جدا، فإنني أوجه هذا النداء إلى رجال الدين المسيحيين على وجه الخصوص في أعقاب تصريحات غفشتاين وغيره، وليتمعنوا فيه جيدا. أصبح من الضروري جدا الدعوة إلى عقد مؤتمر شعبي واسع يجمع ابناء البلاد واصحاب الشأن من المسيحيين العرب لتدارس السبل الكفيلة بحماية المقدسات وحماية البيوت والمؤسسات، والتصدي لكل محاولات التدنيس والتكفير الحاصلة اليوم... إن المقدسات المسيحية ليست ملكا لرجل الدين هذا او ذاك... إنها ملك للشعب كافة... ومن المفروض الخروج من القوقعة وعرض القضية بوضوح. وأكثر من ذلك، على رجال الدين المسيحيين العرب بوجه خصوصي العودة إلى الإجماع الوطني، العودة إلى التعاطي مع الشأن اليومي والوطني. هذه هي رسالتهم الانسانية والعادلة... وألا يكتفوا بتأدية مهام مكتبية يمكن لأي موظف القيام بها... لقد لعب رجال الدين المسيحيين العرب عبر العصور، وبخاصة في القرن العشرين أدوارا بارزة على الصعد المختلفة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ما يشهد عليه مجتمعنا كافة ولا يمكن انكار ذلك. لكن في العقود الثلاثة الأخيرة شهدنا نأيا بالنفس عما يجري في البلاد من أفعال غير انسانية وغير اخلاقية وغير قانونية فكيف لرجل الدين أن يبقى صامتا في وجه الجلاد والعنصري؟

8. هذا هو أوان العمل للتصدي للممارسات السياسية والعنصرية سواء من المؤسسة الحاكمة او من أذرع اخرى تابعة أو مدعومة من قبل الحكومة. لا خوف علينا لأننا اصحاب حق، ونعرف كيف نطالب بحقوقنا، ولن نتنازل عنها قيد أنملة.

9. لهذا، يتوقع الناس في هذه الظروف المزيد من التحرك الديني والحزبي والسياسي والاجتماعي في سبيل حماية المقدسات الدينية والمؤسسات، كي لا يأتي وقت نذرف فيه الدمع على كنيسة وجامع ومدرسة ودير وغيرها... هؤلاء المستوطنون مجرمون بامتياز ومدعومون من عصابات ارهابية مجرمة ذات عقائد تفكيرية تكفيرية لن ندع لهم موطئ قدم في ساحاتنا وديارنا.

10. لذا، كثيرون ينتظرون تحركا كنسيا شعبيا واسعا يرقى إلى مستوى المسئولية، وبالتالي لتشكيل قوة ضاغطة على الحكومة لتكون ملزمة بتوفير الحماية المطلوبة وفق القانون، وبالتالي لإلقاء القبض على الفعلة الأثمة، وإخراج مثل هذه التنظيمات خارج القانون، كما تفعل مع المؤسسات الفلسطينية لأي ذريعة كانت... الأزمنة صعبة وحساسة وتتطلب اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة... فهل من مجيب؟

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة