فادي أبو بكر في مقاله:
منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها فلسطينياً من قبل الشهيد القائد ياسر عرفات كانت الإستراتيجية الفلسطينية يمكن فهمها من قراءتنا لمبادئ حركة فتح بصفتها رائدة المنظمة والمشروع الوطني الفلسطيني
الشهيد القائد خالد الحسن كان يرى التعاطي العربي مع الثورة الفلسطينية بارداً وبذلك فإنه لا يمكن إتباع الإستراتيجية المباشرة التي تتعامل مع الهدف مباشرة ولا تقف حتى تحقيق أهدافها
هناك مساعٍ حثيثة من أطراف داخلية وخارجية في سبيل ضرب مسار التوافق الفلسطيني وعلى الجميع أن يعتبر لهذه المسألة وأن تحارب بالعمل وليس بالكلام والخطابات والتصريحات الصحفية ، بل بالتكتيك و العمل الجاد
هناك تناقض واضح في الممارسة والخطاب في المرحلتين وهذا ما جعل الفلسطيني غير قادر على فهم ماهية الإستراتيجية الفلسطينية ولكن في الحقيقة هو أنه حتى القيادة الفلسطينية لا تملك إستراتيجية ثابتة واضحة
الإستراتيجية هي فن إدارة الحرب، وبما أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو صراع غير متكافئ القوى فإنه من الطبيعي أن تكون هناك خصوصية للإستراتيجية الفلسطينية المتبعة في مواجهة الاحتلال، أما الإستراتيجية الإسرائيلية فهي واضحة لا غموض فيها ، ثابتة مهما تغير الحكام ، فالسياسات وإن تغير شكلها إزاء الفلسطينيين ، إلا أن لها هدف واحد يكمن في السيطرة والتوسع أكثر وأكثر وإفشال أي محاولة فلسطينية للاستقلال مهما كان شكله.
منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها فلسطينياً من قبل الشهيد القائد ياسر عرفات ، كانت الإستراتيجية الفلسطينية يمكن فهمها من قراءتنا لمبادئ حركة فتح بصفتها رائدة المنظمة والمشروع الوطني الفلسطيني ، حيث كان مبدأ " العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد" يصف طبيعة الإستراتجية الفلسطينية ، وبما أن الثورة الفلسطينية آنذاك كانت في أوجهها ، فإن لا أحد كان يجرؤ على أن ينطق كلمة "السلام" إلا إن كان مقاتلاً مثل عرفات ، فلا يعرف قيمة السلام إلا من يدرك حقيقة الحرب ويعيشها بتفاصيلها . وفي هذا السياق فإن مقولة عرفات "الحرب تندلع من فلسطين، والسلم يبدأ من فلسطين" تؤكد هذه الحقيقة ، وتعطينا فهم أوضح لشكل الإستراتيجية الفلسطينية القادمة.
الشهيد القائد خالد الحسن كان يرى التعاطي العربي مع الثورة الفلسطينية بارداً ، وبذلك فإنه لا يمكن إتباع الإستراتيجية المباشرة التي تتعامل مع الهدف مباشرة ولا تقف حتى تحقيق أهدافها . البديل عند خالد الحسن كان يتمحور حول اعتماد الإستراتيجية الغير مباشرة، وهي تقسيم النضال إلى مراحل بشكل سلسة تتجه نحو الهدف ، أي أن الشعار المرحلي يجب أن يخضع لشرط أساسي هو أن تبقى هذه الشعارات وأهدافها المرحلية أجزاء متكاملة متلاحقة باتجاه الهدف الأساسي الذي هو تحرير فلسطين، مميزاً بين الحركة السياسية وبين البحث عن تسوية سياسية وهو تمييز بين عقليتين مختلفتين تماما ، الأولى تمارس الحركة السياسية بهدف إبقاء حيوية القضية وحيوية النضال من أجل الأهداف، الثانية تعني التعب والبحث عن المضامين التي ترضي العدو ليوافق على تسوية سياسية، الأولى تنطلق من رفض الواقع والعمل على تغيره ،الثانية تنطلق من الاستسلام للواقع ، والبحث عن صيغة لحفظ ماء الوجه .
منذ توقيع أوسلو وحتى اليوم ، فإنه يتضح بأن العقلية السياسية الفلسطينية هي العقلية الثانية والتي تطرق إليها الحسن ، والتي تنطلق من الاستسلام للواقع ، وأبسط مثال على ذلك اعتبار أمريكا مصدر الحل والربط مع إسرائيل مما جعل الإستراتيجية الفلسطينية مرتبطة إلى حد ما برؤيتنا للسياسة الأمريكية.
اجتياح الضفة الغربية الذي بدأ في أواخر آذار 2002، وما تلى ذلك من اجتياحات مؤقتة أو طويلة الأمد، شكل نقطة تحول على الصعيدين الميداني والسياسي. ولم يعد من الممكن الاستمرار بنفس الطريقة العرفاتية المرتجلة في إدارة الصراع ، ولكن هذا لا يعني أن تغيب الإستراتيجية ، وإنما تغييرها بما يتوافق مع إبقاء القضية والأهداف حيوية .
في مقال للدكتور صائب عريقات في بداية عام 2015، يتحدث فيه عن الإستراتيجية الفلسطينية المتبعة حالياً، ومن أبرز ركائزها تدويل القضية والإسراع في إزالة الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية إضافة إلى الاستمرار في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني، وتعزيز وتقوية المقاومة الشعبية السلمية.
يأتي هذا الكلام بعد صولات وجولات من المفاوضات ، التي لم تجلب شيئاً سوى إضاعة الوقت وازدياد عدد المستوطنات ونقصان حجم الأرض. ولكن حتى هذا الكلام أين صداه على أرض الواقع؟!
الانقسام يتكرس أكثر فأكثر ، وأبناء الشعب الفلسطيني يضيق بهم الحال أكثر يوماً بعد يوم سواء كان ذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي أو بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. إضافة إلى ذلك فإنه حتى المقاومة الشعبية لا يوجد لها تكتيك واضح وإدارة وتنظيم وإشراف مباشر من قبل أي أطر قيادية سواء كانت في السلطة أو منظمة التحرير. فأين هي الإستراتيجية الفلسطينية ؟!
علينا أن نعتبر جيداً من مسار المفاوضات الطويل الذي مررنا به ، وأن نتعلم كيف نرسم إستراتيجية فلسطينية ثابتة تستطيع أن تقف قبالة الإستراتيجية الصهيونية الثابتة . إستراتيجية تكون مرتكزة على الوقائع والحقائق التي هي بصالحنا ، وليست بصالح أحد آخر.
لقد أخذنا درساً قاسياً بعد المفاوضات ،و تأكدنا بأنها بلا جدوى ، فلماذا لا نأخذ درساً من أعدائنا فيما يتعلق بإستراتيجية ثابتة ، فلم يعد لدينا ما نخسره أكثر مما خسرناه .
إن كنا حريصين على تدويل القضية وعلى الرأي العالمي ، فلماذا لا نكون حريصون على إبقاء الإستراتيجية في إطار القوانين الدولية التي هي لصالحنا ؟ ولنبتعد عن الفردية والمحاولات المتخبطة لتسويات سياسية لا قيمة لها ..
إن بقت الإستراتيجية الفلسطينية متخبطة وغامضة بهذا الشكل ، فإننا سنكون أكثر عرضة للمجازر الصهيونية أرضاً وشعباً . وعليه فإننا بحاجة ماسة إلى إستراتيجية على مقاسنا لا هي واهمة ولا مستسلمة . وخير إستراتيجية تلك التي تستنزف أعدائنا وتبقينا في حالة نشاط نضالي ، فالصقيع إن ضرب فينا سيقتلنا.
من جانب آخر فإن الإستراتيجية بحاجة إلى إعلام جديد .. إعلام يقوم برفع الضبابية وإيصال الفكرة الوطنية للشعب ، حتى يلتف الشعب حول قيادته ويواصل معه المسيرة النضالية ، فخصوصية القضية الفلسطينية تحتم على القيادة أن ترسخ إستراتيجية فلسطينية ثابتة في الذاكرة الجمعية لمحاولة سد بعض الثغرات الناجمة عن اختلال ميزان القوى لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
الحرب القادمة هي حرب استراتيجيات ، وسينتصر بها من إستراتيجيته أقوى وأثبت . ولا يمكن إحراز أي تقدم أو نتيجة دون أي يسبق ذلك إستراتيجية وطنية شاملة لا تقتصر على تدويل القضية أو استجلاب اعتراف هنا أو هناك ، بل تشمل كل السياقات المتعلقة بالقضية الفلسطينية .
هناك مساعٍ حثيثة من أطراف داخلية وخارجية في سبيل ضرب مسار التوافق الفلسطيني، وعلى الجميع أن يعتبر لهذه المسألة ، وأن تحارب بالعمل وليس بالكلام والخطابات والتصريحات الصحفية ، بل بالتكتيك و العمل الجاد .
أي إستراتيجية لا بد أن تكون مرتكزة على وفاق وطني حقيقي وبما أن مجتمعنا متعدد الأحزاب والفصائل ، فإن الإستراتيجية يمكن استنباطها من الإستراتيجية السياسية والتنظيمية لمختلف فصائل العمل الوطني الفلسطيني من أجل إضفاء طابع توافقي عليها .
لا يوجد إنسان ضد فكرة السلام وإقامة دولة فلسطينية ينعم فيها أبناء الشعب الفلسطيني بالحرية والأمان ، ولكن لن ننعم بذلك بالمجان ، ولهذا فإن علينا الإسراع اليوم قبل الغد في رسم خريطة توصلنا إلى مرحلة نستطيع فيها أن نطالب بذلك ونحن واثقين شامخين لا خانعين مترجين.
إن هناك علاقة جدلية ما بين الحرب والسلام وموازين القوى ولهذا فإن إستراتيجية تشتمل على كل ما ذكرنا ستجعلنا أكثر وعياً وفهماً لهذه العلاقة ، و ستكون كالشعاع بلا نهاية ، وستبقينا واقفين كشجر السنديان في وجه أي مؤامرات يقصد من ورائها تصفية القضية الفلسطينية .
لا يمكن تحقيق التحرير من الاستعمار قبل أن يكون هناك إستراتيجية وتكتيك لمواجهة هذا الاستعمار ، ومهما فعلنا وأنجزنا فكل ذلك سيضيع هباءً دون تكون هناك إستراتيجية توظف فيها هذه الإنجازات ... هذه هي الشجاعة الحقيقية وليست الإنجازات بحد ذاتها.
نحن نعاني من فراغ سياسي ، ثقافي ، اجتماعي ، اقتصادي وحتى ثوري ، والشجاعة الحقيقية تكمن في ملء هذه الفراغات ..
إن مقولة الشهيد القائد ياسر عرفات التي كان دوماً يرددها "على القدس رايحين شهداء بالملايين" ليست مقولة والسلام ، بل كانت تقلق مضجع إسرائيل لأنها إستراتيجية بحد ذاتها ، إستراتيجية استنزاف كان العدو قلق منها ودفع ثمنها ياسر عرفات شهيداً .
الكلمات التي صرح بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ما انفك يشدد على أن الشعب الفلسطيني يريد السلام أولا، لا المقاومة بحد ذاتها، هي أيضاً إستراتيجية دبلوماسية مئة بالمئة.
هناك تناقض واضح في الممارسة والخطاب في المرحلتين ، وهذا ما جعل الفلسطيني غير قادر على فهم ماهية الإستراتيجية الفلسطينية ، ولكن في الحقيقة هو أنه حتى القيادة الفلسطينية لا تملك إستراتيجية ثابتة واضحة ، فهي تتعامل مع الواقع والمتاح و لا تقوم سوى بمحاولة تحقيق إنجازات هنا وهناك دون توظيفها ضمن إطار محدد وإستراتيجية وتكتيك واضح.
إسرائيل تحاول ضرب الذات الفلسطينية، بحيث تصبح لا تقوى على رفع العلم الفلسطيني ، فمن سيعيد للذات الفلسطينية اعتبارها ويخرجها من درب الآلام؟؟
القضية الفلسطينية كلفت الشعب والمقاومة كثيرا من التضحيات ولا مجال لتركها لأولئك الذين ليسوا على استعداد بأن تمس ألسنتهم شيئاً من المرارة .. نريد إستراتيجية وطنية شاملة وتكتيك يقوم به أولئك الذين لا يخافون على مصالحهم الشخصية من التأثر ، أولئك الذين أكلوا من خبز هذا الوطن وذاقوا الحلو والمر وعاشوا وترعرعوا على شعار "تحرير فلسطين" ..
نحن بحاجة إلى قادة يخرجونا من حالة التخبط والغموض التي نعيشها ، وأن يكونوا صادقين مع الشعب وعلى صلة مع الجماهير ، لأنه كما يقول خالد الحسن " عندما تنقطع صلة القيادة مع الجماهير تنقطع الصلة فوراً مع القضية القومية " . وأنا أقول أن انقطاع صلة القيادة مع الجماهير يعني غياب الإستراتيجية متفقاً مع ستالين ولينين في أن التلاحم المعنوي بين الجيش والشعب في حرب شاملة هو أحد المبادئ الرئيسة للإستراتيجية.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net