الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 06:01

وأخيرًا بق البحصة بان كي مون/ بقلم: ب.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 27/01/16 14:13,  حُتلن: 17:07

د.جوني منصور في مقاله:

لقد أدرك هذا الرجل بالفعل أن حجر العثرة الرئيس امام طريق أي عملية سلمية هو الاحتلال ومشروعه الاخطبوطي "الاستيطان"

 مهما تسلح نتنياهو بذرائع، فإن المجتمع الدولي عبر خطاب بان كي مون يُحمله كامل المسئولية عما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة

فهل "بق البحصة" في هذا التوقيت بالذات يحمل رسائل سياسية إلى حكام إسرائيل بل شعب اسرائيل بضرورة الاستفاقة والنظر بعينين جديدتين إلى الواقع؟ 

احتاج بان كي مون إلى كثير من الزمن لينطق بهذه الكلمة وليبق البحصة. في حقيقة الامر لم يكن بحاجة إلى كل هذه الفترة ليدرك ما يجري من مضايقات وملاحقات وقمع وطرد وتدمير واقتلاع أشجار

عوّدنا هذا الرجل – بان كي مون – أمين عام هيئة الأمم المتحدة في خطاباته وبياناته ومؤتمراته الصحفية التعبير عن "قلقه" الشديد إزاء ما يجري في الشرق الأوسط، والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني... وفي كل ظهور له نستمع إلى نفس الكلمات والعبارات التي لا تُقدّم ولا تُؤخر.. كان ميالاً إلى نوع من التوازنات التي كان يعتقد أنها صحيحة، أو أنه لا يريد إغضاب إسرائيل وحلفائها، أو بالأحرى رعاة إسرائيل وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية. لكن فاجأنا هذا الرجل بالأمس 26 كانون الثاني 2016 في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الأمن حول أوضاع الشرق الأوسط، إذ، ولأول مرّة، يُعبّر وبصورة واقعية لا جدل فيها عن موقفه من الصراع وما يجري حاليًا في الساحة الفلسطينية – الإسرائيلية بقوله إن الخلفية او الدافعية لقيام الشباب الفلسطيني بعمليات ضد إسرائيليين ناتج عن "إحباط ينمو تحت وطأة نصف قرن من الاحتلال وشلل عملية السلام".

احتاج بان كي مون إلى كثير من الزمن لينطق بهذه الكلمة وليبق البحصة. في حقيقة الامر لم يكن بحاجة إلى كل هذه الفترة ليدرك ما يجري من مضايقات وملاحقات وقمع وطرد وتدمير واقتلاع أشجار، وتجريف أراضي ومزروعات، وبناء وحدات استيطانية واعتقالات ومنع تنقل الفلسطينيين بحرية في وطنهم، وسجنهم في حبس كبير يحيط به جدار العزل العنصري، ومصادرات لأراضي فلسطينية بذرائع مختلفة، والاستيلاء على بيوت مقدسيين، ومنع السفر إلى خارج البلاد، والحكم الإداري على ناشطين سياسيين ودعاة الحرية والتحرر، وفرض غرامات عالية لكل من تراه عين الاحتلال انه مخالف لقوانينها، واللجوء إلى الاعدامات الميدانية لأقل وأتفه سبب يراه جندي الاحتلال أنه يستوجب القتل، ومنع المصلين من الوصول إلى أماكن العبادة في القدس وبيت لحم، وحصار غزة برًّا وجوًّا وبحرًا، ورفض تسليم جثث مقاومين فلسطينيين، والتلذذ على آلام الفلسطينيين... والقائمة طويلة من الأدوات القمعية والعنصرية والاجرامية التي تستعملها إسرائيل عبر احتلالها للأراضي الفلسطينية... كل هذا لم تره عين بان كيمون إلا بالأمس... ولم يُعبّر عنه إلا بخطاب الأمس... ولكن كما يقولون "اليوم احسن من بكرا".. لقد أدرك هذا الرجل بالفعل أن حجر العثرة الرئيس امام طريق أي عملية سلمية هو الاحتلال ومشروعه الاخطبوطي "الاستيطان". وأضاف قائلا: "إن التقدم نحو السلام يتطلب تجميد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. وإن مواصلة الاستيطان هي إهانة للشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي. إنها تثير بحق أسئلة جوهرية حول التزام إسرائيل بحل الدولتين". لننتبه إلى استعمال بان كي مون لكلمة "إهانة". إنها في الحقيقة إهانة وإذلال للشعب الفلسطيني في استمرار الاحتلال ومشروعه الاستيطاني. لكن، غاب عن كيمون أن الشعب الفلسطيني يمتلك من قدرة الصمود ما لم يشهد مثله التاريخ البشري عبر قرون طويلة من احتلالات وإذلالات. لكننا لا نريد ان نفوت فرصة كسب التأييد العالمي لمثل هذه التصريحات التي تصدر ولأول مرة بهذا الزخم عن أعلى هيئة شرعية دولية. نعم، "بق البحصة" أخيرًا، وعبّر عن الواقع والحقيقة. وعبّر عن موقف دولي واسع مثلا بكونه امينا عاما لهيئة الام المتحدة. وهذه دعوة واضحة للشعب في إسرائيل ليعلن بصريح العبارة عن رفضه الاحتلال وكافة اشكاله، وأن يدفع بحكومته هذه أو التي ستخلفها قريبا إلى السير قدما نحو تغيير أنماط التفكير الاسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني.
إن كلمات بان كي مون ليست موجهة فقط إلى الشعب الفلسطيني الذي دعاه إلى الوحدة بدلا من الأقسام، إنها رسالة إلى الشعب في إسرائيل ليستفيق من نومه ويدرك أن العالم مُصِرٌّ على التخلص من الاحتلال وان ينال الفلسطينيون حقوقهم في إقامة دولتهم على أرض وطنهم، وإن كانت أقل بكثير مما يستحقون فيما لو عدنا في أضعف الايمان إلى قرار التقسيم رقم 181 من العام 1947.
إن "بق البحصة" في هذا التوقيت بالتحديد فيه دفع جديد لفتح صفحة جديدة في الشرق الأوسط. لكن غاب عن بان كي مون أن نتنياهو ليساه رجل سلام، إنه رجل حرب وعنصرية وتدمير الطرف الفلسطيني واتهامه بكامل مسئولية ما يجري. وهو نتنياهو رد على كي مون متهما إياه بتعاطفه مع ما اسماه الإرهاب الفلسطيني.
لكن، مهما تسلح نتنياهو بذرائع، فإن المجتمع الدولي عبر خطاب بان كي مون يُحمله كامل المسئولية عما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فهل "بق البحصة" في هذا التوقيت بالذات يحمل رسائل سياسية إلى حكام إسرائيل بل شعب اسرائيل بضرورة الاستفاقة والنظر بعينين جديدتين إلى الواقع؟ وهل اختيار كي مون هذا التوقيت فيه إشارات إلى رياح التغيير الحاصلة والجارية في المنطقة في أعقاب الاتفاق مع ايران بخصوص برنامجها النووي، وإلغاء العقوبات التي كانت مفروضة عليها؟ وهل تصريحه هذا فيه رسالة إلى إسرائيل بأن حلم القضاء على سوريا الممانعة والمقاومة قد اصبح في عداد الماضي؟ فبالرغم من انه "بق البحصة" إلا أن المنطقة النازفة تحتاج إلى محرك سياسي قوي لبق المزيد من البحصات وإخراج العالقين في سفينة هذه المنطقة لتعود السفينة إلى الإبحار في بحر هادئ وأمين.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة