الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 06:02

رسالة أيمن عودة..رسالة بناء المستقبل/ بقلم: د. لؤي زريق

كل العرب
نُشر: 20/04/16 04:15,  حُتلن: 10:25

د. لؤي زريق في مقاله:

هذا الخطاب وهذا الاسلوب في طريقة طرح القضايا والمواقف السياسية هو الوحيد القادر على اختراق الشارع اليهودي واحداث تغيير جوهريّ

الفكر الاممي الموجه للحزب الشيوعي والجبهة القطرية يرى في الانسان وحقوقه القومية والوطنية وكل حق نابع من الانتماءات المختلفة حقًّا يتوجب الدفاع عنه

لا يستطيع احد أن يشكك بصدق وفاعلية النضال الذي خاضه الحزب الشيوعي الاسرائيلي والتضحيات غير المتناهية التي قدمها رفاق الحزب من اجل الدفاع عن المبادئ التي آمن بها الحزب وفي مركزها النضال من اجل حقوق الجماهير العربية في اسرائيل

لم يكن من السهل ان تحافظ الجبهة القطرية فيه على التوازن في التعامل مع ايمانها وقناعاتها ونظرتها الاممية في التعامل مع القضايا خصوصا بعد ظهور الدكتور عزمي بشارة كمسوق للفكر الوطني وكانه صاحب الامتياز على هذا الفكر

لقد أن الاوان للجبهة ان تجدد تميزها وطرحها المنطقي الانساني، المبني على مبادئ ثابتة وواضحة لتقود الجماهير العربية ولا تنجر وراء تنافس لا طائل منه

مرة تلو المرة استمعت الى الخطاب المنطقي والجذاب الذي امتاز به رئيس قائمة الجبهة والقائمة المشتركة الاستاذ ايمن عودة وشعرت أنه لزومًا علي أن اكتب للجمهور رأيي في هذا الخطاب، الذي طالما انتظرت سماعه من قادة الجماهير العربية، ايمانا مني أنّ هذا الخطاب وهذا الاسلوب في طريقة طرح القضايا والمواقف السياسية هو الوحيد القادر على اختراق الشارع اليهودي واحداث تغيير جوهريّ أو على الاقل ايجاد رد متوازن للمحرضين الذين يرقصون على الخطاب الناري، غير الموزون، الذي يطلقه قسم من اعضاء الكنيست العرب والذي، باعتقادي، ترك اثرا سلبيا على مكانة الجماهير العربية عامة في اسرائيل.

إنّ هذا الاسلوب وهذا الطرح ليس غريبا على الحزب الشيوعي والجبهة بل ينسجم انسجاما تاما مع المبادئ والافكار التي حددت طريقهم واوضح. اقيمت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة – الجبهة اليهودية العربية بقرار من الحزب الشيوعي الاسرائيلي وهي في الواقع تجسيد لفكر انساني اممي يتعالى عن الانتماءات الاخرى للإنسان كالانتماء العائلي والطائفي، والديني، والقومي او اي انتماء اخر يجعلك تتعصب لفئة ضد أخرى.

ان الفكر الاممي الموجه للحزب الشيوعي والجبهة القطرية يرى في الانسان وحقوقه القومية والوطنية وكل حق نابع من الانتماءات المختلفة حقًّا يتوجب الدفاع عنه. ومن هذا المنطلق كان الشيوعيون سباقين في الدفاع عن شعبهم من الاضطهاد والمضطهدين. محبة حقيقية للإنسان لوطنه لا تعني التعصب فهي من المفروض الا تمس بأحد. على مر التاريخ، كان الشيوعيون سباقين في خدمة شعوبهم وفي الدفاع عن حقوقهم من الظلم والظالمين وكانوا طلائعيين في النضال من اجل التحرر والديمقراطية ومن أجل سعادة شعوبهم، فهم وطنيون وأمميون. لقد استطاع الشيوعيون بفضل رؤيتهم الثاقبة ان يدركوا ان مصالح الشعوب مشتركة ، فمصلحة الشعب اليهودي في السلام العادل الحقيقي لا تقل عن مصلحة الشعب الفلسطيني في ذلك.

لا يستطيع احد أن يشكك بصدق وفاعلية النضال الذي خاضه الحزب الشيوعي الاسرائيلي والتضحيات غير المتناهية التي قدمها رفاق الحزب من اجل الدفاع عن المبادئ التي آمن بها الحزب وفي مركزها النضال من اجل حقوق الجماهير العربية في اسرائيل واحقاق حقوق الشعب الفلسطيني عامة، خصوصا في فترة الحكم العسكري البغيض الذي فرض على المواطنين العرب في اسرائيل دون سواهم.

لقد تميز الحزب الشيوعي الاسرائيلي كحزب اممي يهودي - عربي مبني على شراكة حقيقية ورفاقه اليهود هم مناضلون حقيقيون قلَّ مثيلهم ، وهذا التميز حوله الى بوصلة الى الطريق الصحيح وانارت دربه ، وصدق شاعرنا الشيوعي الراحل سميح القاسم حين قال "...ولدنا في وطن يملأنا بالتيه وما تهنا..."

منذ قيام الدولة وحتى ثمانينيات القرن الماضي، قاد الحزب الشيوعي، بشكل مطلق، النضال الوطني للجماهير العربية في اسرائيل واعضائه ، قدموا الغالي والنفيس دونما حساب دفاعا عن الجماهير العربية ، وكان القوة الوطنية الرئيسية وتقريبا الوحيدة على الساحة النضالية للعرب في اسرائيل وهو الذي حدد النغمة والوتيرة في ادارة هذا النضال.

في الثمانينيات بدأت الصورة تتغير وظهرت احزاب وقوى جديدة في الوسط العربي، احزاب غير مرتبطة بالأحزاب الصهيونية وتميزت بوجودها احزاب عرقية او دينية ، بدءا بإقامة القائمة التقدمية، التي قامت ايضا كقائمة عربية يهودية وتلتها قوائم اخرى.

من الناحية الجوهرية لا يوجد فرق في مواقف الاحزاب العربية والحزب الشيوعي من الصراع العربي الاسرائيلي. في حقيقة الامر هذا الوضع صعّب على اعضاء الكنيست العرب البروز، فالتشابه في المواقف في الامور الاساسية المطروحة بين الاعضاء العرب حتّم تنافسا في هوامش الامور ، في النبرة وفي الشكل. الاعتقاد الذي ساد بين بعض الاعضاء العرب كان ان الذي "يرفع صوته" اكثر و"يزايد" اكثر بشعارات براقة هو الافضل ، ومن يتكلم الى الفضائيات العربية اكثر فهو وطني اكثر. رويدا تحولنا جميعا الى عبدة الفضائيات. من المهم التنويه هنا الى ان الانفتاح نحو الفضائيات التي تبث برامجها لكل ناطقي العربية في العالم، خلق وضعا جديدا فيه لم يعد المتحدث يُسمِع صوته لجمهوره فقط ، بل لكل العالم العربي الذي يختلف جمهوره اختلافا تاما عن جمهورنا من كل ناحية وشكل ، إذن نحن نعيش في واقع يصعب جدا على من يسكن في الخليج مثلا او اي دولة عربية فلسطينيا كان او غير فلسطيني ان يتفهمه. اقول هذا ولا اقصد ابدا التقليل من قيمة واهمية الفضائيات.


على الرغم من هذا الواقع حافظ مندوبو الجبهة القطرية وقيادتها على رؤيتهم الاممية للأمور. لم يكن من السهل ان تحافظ الجبهة القطرية فيه على التوازن في التعامل مع ايمانها وقناعاتها ونظرتها الاممية في التعامل مع القضايا خصوصا بعد ظهور الدكتور عزمي بشارة كمسوق للفكر الوطني وكانه صاحب الامتياز على هذا الفكر.

من السهل ان تسوق افكارا مبنية على فكر فئوي ان كان قوميا عربيا او اسلاميا، فكر يشجع النزعات والغرائز المختلفة ، دينية كانت ام قومية، "لا يهمني سوى شعبي ولا احد سواه" وان ترى الامور من منظار واحد ووحيد كما هو الوضع عند العائلي والطائفي الذي يرى بانتمائه هذا المذكور فوق كل اعتبار وفق مبدأ انصر اخاك ظالما او مظلوما.

بعكس المذكورين اعلاه، الشيوعيون ومن بعدهم الجبهويون مطالبون بالتعامل مع الامور بمنظار اوسع وارقى فالفكرة الاممية الانسانية التي ترى علوية الانسان كانسان كفكر ملهم تحتم على الجبهة القطرية رؤية اخرى للامور.

لا شك ان الفكر الشيوعي هو فكر اعلى وارقى من الانتماءات الشتى للانسان ،فمنذ نعومة اظافري تتلمذت على ان الانسان اليهودي ليس عدوا بل هو ضحية للسياسة الاسرائيلية ولواقع صعب ومموه. ليس من السهل ان تكون شيوعيا وان تترفع عن انتماءاتك وان ترى الامور من منظار كبير فترى العالم كتلسكوب وليس كميكروسكوب فهذه رؤيا شمولية واسعة تصادق الشعوب ولا تعاديها.، رؤيا تضع الانسان فوق كل شيء.
ان الازمة الايديولوجية التي مر بها الحزب الشيوعي والجبهة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام التجمع احدثت بلبلة حتى داخل مؤيدي وقياديي الجبهة ودونما انتباه ، خلق صراع من هو وطني اكثر ومن محب لشعبه ووطنه اكثر!

في تلك الفترة ساد الشعور بان هناك تراجعا ما في مواقف الجبهة واصرارها على مبادئها بكل ما يتعلق بموضوع النضال المشترك اليهودي العربي، الذي تجلى في مناصب كثيرة كانت تشغل من قبل رفاق يهود من اروع وافضل البشر وبات واضحا ان هناك نوعا من الانجرار وراء منافسة مع من هم ليسوا متكافئين للمنافسة.

كشيوعيين، كنا دائما نرفع شعار النضال اليهودي العربي ، وآمنا ايمانا كاملا وبقناعة تامة بصحة وبصدق هذا النضال وفاعليته ونحن نرى الامور من المنظار الطبقي الانساني، فليست قومية الانسان هي التي تحدد موقعه بل مواقفه. ان مواقف رفاقنا اليهود على مر السنين منذ قيام الدولة وقبل قيام الدولة كانت اروع واشرف من ملايين القادة والملوك والزعماء العرب ،أضف الى ذلك المنتفعين والخونة. لا يسعني هنا سوى ان اتذكر قول شاعرنا الاممي الكبير ابي سلمى
اهلا بعمال البلاد يحاربون من استبدا
لم يعرفوا كيف المبادىء تشترى عدا ونقدا
حمر الصحائف سطروها باللظى بندا فبندا
هذي المطارق والمناجل تحصد الظلام حصدا
وتحرر الانسان حتى لا يرى في الكون عبدا

على الرغم من كل شيء، حافظ الحزب الشيوعي والجبهة القطرية على تميزه كجسم سياسي يضع قضية الدفاع عن حقوق الجماهير العربية المظلومة والتي تعاني التمييز وهضم الحقوق كموضوع رئيسي لنشاطه السياسي ولكن ليس فقط. الجبهة القطرية كجسم يهودي عربي ترى نفسها مدافعة عن كل المظلومين ايا كانوا واينما كانوا. هذا الموقع الذي اختارته الجبهة القطرية كان من المفروض ان يحتم عليها وعلى قيادتها ان ترسل رسالة عامة مقنعة مبنية على الحجة والمنطق اتجاه كل مستمع عربيا كان او يهوديا، فقادة الجبهة مطالبون بالحكمة والدراية. وليس اعتبار استفزاز الشارع الشعبي اليهودي هدفا بل اكاد اجزم انه فشل، فالمعركة على الراي العام اليهودي هي جزء من عملنا ومن مصلحتنا كجماهير عربية.

اليوم بوركنا بانتخاب الرفيق ايمن عودة كرئيس لقائمة الجبهة ورئيسا للقائمة المشتركة فيما بعد. انا استمع بسعادة شديدة الى هذا الانسان المثقف، الواعي، الذي يعرف كيف يطرح الامور دون ان يستفز احدا ودون ان يتنازل قيد انملة عن قيمه وقيم حزبه. بمحبة، بفكر نير، بحكمة عبقرية وبتلقائية رائعة يستحوذ جميع مستمعيه. لم اعتقد يوما ان الجمهور العربي الذي يستمع الى ايمن عودة سيصوت في الانتخابات القادمة للجبهة، لكن يكفيني انتصارا اذا خففنا من حدة الاستقطاب الموجود بين العرب واليهود في هذه البلاد. اقولها وبأعلى صوت، لا يهمني ماذا يقولون في لبنان وكيف ينظر عرب دمشق الينا فنحن من نعيش هنا ونحن من يبني حياته هنا ولا يوجد عربي واحد ينافسنا على وطنيتنا من المحيط الى الخليج. انا اعتقد جازما ان الاسلوب الخاص الانساني المقنع الذي يستعمله ايمن عودة لا يقود المستمع الاسرائيلي الى زيادة الكراهية ولا يعمق الهوة بين شعبي هذه البلاد.

انا استغل فرصة كتابتي لهذه الكلمات لكي اعبر عن رأيي انه لا يمكن الفصل بين كفاحنا كأقلية عربية فلسطينية في هذه البلاد ومطلبنا ببناء مستقبل سعيد نحقق فيه المساواة في الحقوق المدنية وكذلك في المكانة والاهمية السياسية والثقل في اتخاذ القرارات، وبين الرسالة التي من المفروض ان نوصلها الى الجمهور اليهودي في هذه البلاد. ان القاء التهمة على السياسة والسياسيين الاسرائيليين فقط، دون بذل مجهود حقيقي لتغيير الوضع الموجود لهو تقصير خطير تجاه الجماهير العربية وعدم القيام بالدور المتوخى من القيادة.

لا شك ان ايمن عودة يقوم بدوره بأمانة، بإخلاص وبحكمة ويتصرف كقائد يتحمل مسؤولية النتيجة ولا يكتفي بألقاء اللوم (العادل) على حكام اسرائيل. نحن نطالب بحقوقنا لكن نيل الحقوق منوط اولا واخيرا بالطرح الصحيح، المنطقي والمقنع. رسالة متطرفة تضر اولا وقبل كل شيء بالجماهير العربية وهي لا تتلاءم مع تطلعات الجمهور للعيش الكريم والسعيد في هذه البلاد.

اضافة الى ما ذكرته اعلاه، انا اعتقد أنّه من المفروض على القادة أن يقودوا الجماهير بحكمة ودراية وان يتحملوا مسؤولية ما يقومون به للأجيال القادمة ولا يسمح لهم ان ينقادوا وراء شعارات رنانة وهبات آنية، زد على ذلك أن الأغلبية في مجتمعنا ضد أسلوب الجعجعة الذي يسبب فقط الضرر للعلاقات الحساسة بين العرب واليهود.

لقد أن الاوان للجبهة ان تجدد تميزها وطرحها المنطقي الانساني، المبني على مبادئ ثابتة وواضحة لتقود الجماهير العربية ولا تنجر وراء تنافس لا طائل منه. انا ارى بايمن عودة اليوم وبرفاقه مندوبي الجبهة بالكنيست كمن يقود هذه الجماهير الى شط الامان. وكل المنتقدين، غير مدركين للمسؤولية التاريخية، المصيرية، الملقاة على عاتقهم. المواقف التي يعبرعنها ايمن عودة ورفاقه لم تتنازل عن الخط المبدئي، فهو لم يتخاذل في أي موقف بل على العكس، دعم مواقفه بالحجة والمنطق دون اثارة واستفزاز الآخر بل بأسلوب حكيم ، اثبت انه محام بارع يدافع عن شعبه ويعرف كيف يعرض مواقفه بحكمة وموضوعية.

* كاتب المقالة هو محام ودكتور في القانون

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة