الشيخ محمد محاميد في مقاله:
هناك أيادٍ خفية تساهم بانتشار هذا الفكر "الداعشي" بين المسلمين في اوروبا لا سيّما من هم حديثي العهد بالإسلام
لن اتعجب من الذي اباد المسلمين في العراق وأفغانستان والجزائر وأفريقيا وفلسطين وسوريا.. وهم في بلادهم من أن يقوم بإبادتهم على أرضه وفي بلده
إن العيون ثلاثة، الأولى عينٌ ضريرة عمياء لا ترى فلا يعرف صاحبها من الحقيقة إلا ما يُحكى له وقد يكون ما قيل له صدق أو كذب، والثانية عينٌ يعيبها الحَوّل فالمشهد الذي يصل صاحبها قد لا يكون كاملًا بل قد يكون معكوسا، وأما العينُ الثالثة فهي العين السليمة التي تصور لصاحبها المشهد كاملًا بشتى زواياه وأركانه فيعرف صاحبها حقيقة الأمر وله يرجع الأمر بأن يعمل حقًا أم يبطل الحق الذي رأى بباطلٍ ككثير من الناس..
فإن كل عين أبصرت الواقع المعاصر وأتقنت الألاعيب السياسية التي تُمارس على دوائر صنع القرار بالسر والعلن، أدركت أهمية دور جماعات الضغط اليهودية "اللوبي" في التأثير على سياسات الأنظمة الغربية وعلى رأسها النظام الأمريكي، فقد شكلت الجاليات اليهودية في العواصم الغربية كتل ضغط مستغلة نفوذ بعض ابنائها في بعض المؤسسات الحكومية والمدنية والإعلامية بالإضافة لاستثمار الثروات المالية الضخمة التي يمتلكها بعض الارستقراطيين اليهود الذين يمولون الحملات الانتخابية للمرشح الأوفى لهم ولأجندتهم، هذا بالإضافة لسيطرتهم على شبكات الإعلام المركزية التي تُسيّر الشارع عبر ما تنشره من مواد مختلفة، ولا يمكن تجاهل الدور الفعّال للبارون "إدموند جيمس روتشيلد" بالمساهمة بإقامة الوطن القومي لليهود على الأراضي الفلسطينية.
كذلك لا يمكن تجاهل الدور الذي يلعبه رجل الأعمال اليهودي الأمريكي "شيلدون ادلسون" في تثبيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي "بنيامين نتنياهو" على كرسيه عبر وسائل مختلفة منها الخفي ومنها الجلي كدور صحيفة "إسرائيل اليوم" اليومية المجانية بتوجيه الشارع الإسرائيلي!، فبناء على هذه الحقائق الواضحة كفلق الشمس في كبد السماء لا يمكن لمن يملك التأثير الأكبر على المطابخ السياسية التي تؤثر بشكل مباشر على العالم بأسره أن يفتح مجالًا لغيره بأن يشاطره بالإمساك بالخيوط التي يحرك خلالها مسرح الأحداث في عالمنا، ويضعف نفوذه ومدى تأثيره!.
وبالجهة المقابلة لا يمكن للقاصي والداني أن ينكر مدى النمو الديموغرافي الإسلامي في أوروبا، وذلك عبر أمواج الهجرات المتتابعة في العصر الحديث والتي بدأها المسلمين الأفارقة العرب والعجم على حدٍ سواء والتي تركزت على بلاد المغرب العربي وأفريقيا الوسطى، والتي تبعتها لاحقا موجات أخرى من مسلمي شرق ووسط اسيا والتي تختتم بالهجرات الأخيرة للمسلمين العرب المنكوبين في العراق وسوريا على وجه التحديد، بالإضافة لنجاح الدعوة الإسلامية في أوروبا باستقطاب أعداد لا يمكن لأي عاقل أن يتجاهلها ويمر عليها مرور الكرام، ومن الجدير ذكره في هذا السياق أن معهد "بيو" أحصى عدد المسلمين الذين يعيشون بأوروبا ب44 مليون نسمة طبعًا باستثناء المسلمين المتواجدين بالجانب الأوروبي من تركيا ويجب أن أنوه أن هذا الإحصاء تم عام 2010م مما يشير إلى أن عدد المسلمين الحالي في اوروبا اليوم أكبر من هذا العدد، وبناء على هذا العامل المهم لا يمكن إنكار أي دور مستقبلي مؤثر للجاليات الإسلامية في اوروبا عبر استثمار اعدادها للتأثير على دائرة صنع القرار بالانتخابات ونشر وجهة نظر العالم الإسلامي والعربي في اوروبا بأواسط المجتمع الأوروبي بالذات بما يتعلق بملف الصراع على القدس خاصة وفلسطين عامة، فعلى فكرة لم تأتي حملات المقاطعة لإسرائيل في اوروبا من فراغ!.
للعامل الكمي إسقاطات كثيرة على أي واقع اجتماعي كان او سياسي او حتى اقتصادي، منها التأثير على وجهة نظر الشارع الغربي بتنظيم المظاهرات الضخمة التي أبرزت وجهًا آخر للصراع ما عرفه المواطن الغربي البسيط من ذي قبل، بل نجاح بعض المسلمين من الوصول لمناصب حكومية في العديد من الدول الأوروبية سواء كأعضاء برلمان او رؤساء بلديات وإن كانت الخلفية الأيدلوجية لتلك الشخصيات ليبرالية أوروبية ولكن بمجرد وصولها إلى تلك الأماكن ستجعل وصول المسلم الإسلامي لاحقًا أمرًا عاديًا، أضف لذلك نجاح بعض المسلمين في أوروبا بإقامة إمبراطوريات اقتصادية كبيرة فعلى سبيل المثال لا الحصر الملياردير المصري الشهير محمد الفايد في بريطانيا.
فوسط هذه العوامل المتنوعة وغيرها أضف عليها الصراع المستمر الأزلي بين الحق والباطل بين أصحاب الفضيلة وأصحاب الرذيلة سيجد المد الإسلامي المتنامي في أوروبا خصوم وأعداء كثر موزعين على اللوبي اليهودي والأحزاب اليمينية المتطرفة النصرانية والقومية على حدٍ سواء، ومن دائرة الحقد هذه تم حظر بناء المآذن في سويسرا والنقاب في فرنسا وغيرها من القوانين التي تقيّد حريات العبادة عند المسلمين والتي تم فرضها باسم الديمقراطية!، هذا بالإضافة لسياسة إقصاء ملايين المسلمين من الحياة اليومية في قلب المدن الاوروبية إلى ضواحي الإهمال على أطراف تلك المدن الصاخبة حيث ينتشر الفقر وما يتبعه من عواقب وسلوكيات اجتماعية مختلفة لا مجال لسردها وطرحها هنا.
ومن تلك الظواهر التي الآخذة بالانتشار في صفوف الشبان المسلمين في تلك الأحياء الفقيرة في أوروبا هي ظاهرة تبني الفكر "الداعشي" الدموي الذي سفك دماء المسلمين قبل غيرهم والذي لا يمت للعقيدة والشريعة الإسلامية والتي هي رسالة الرحمة للعالمين تصديقًا لقوله تعالى في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 107] إلا بالاسم، مع وجوب التشديد هنا أن الإسلام دين جهاد وقوة تمامًا كما هو دين رحمة ومحبة - فالبيان بحاجة لبنان يحميه- ولكن للجهاد أحكام وضوابط شرعية يعرفها المسلمين منذ أكثر من اربعة عشر قرنًا.
فمن الملاحظ أن هنالك أيادٍ خفية تساهم بانتشار هذا الفكر "الداعشي" بين المسلمين في اوروبا لا سيّما من هم حديثي العهد بالإسلام وذلك عبر وسائل شتى وعلى رأسها شبكات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية المختلفة، والمثير هنا هو عجر تلك الآلة الرقابية الغربية من الوقوف بوجه هذه المواد التي تتسبب بإنخراط بعض شباب المسلمين في اوروبا بصفوف داعش تنظيميًا أو فكريًا مما يدفعهم في أي وقت لاحق بتنفيذ عمليات قتل بالجملة للأوروبيين كما يحصل الآن في فرنسا على وجه الخصوص والمانيا وغيرها..
وعند نظرنا للحال الراهن علينا أن نبحث عن المستفيد الأكبر من هذه العمليات التي تألب الشارع الأوروبي على الأقليات المسلمة في أوروبا، وتدفع بالأروبيين خاصة والغربيين عامة إلى أقصى اليمين المتطرف فليس استفتاء بريطانيا الأخير والانتخابات الأمريكية علينا ببعيدة والتي سطع خلالهما بريق العنصرية والتطرف، فحال استمرار هذا الحال ستزداد قوة القوى المناهضة للوجود الإسلامي أصلًا في اوروبا والتي هي أيضًا لا تطيق وجوده في بلاده، مما سيدفع بدفعات من الملاحقات والتضيّيقات على أبناء المسلمين في أوروبا والحد من هجرتهم إليها سواء كطلاب عمل أو لجوء.
وأخشى ما أخشاه أخشاه أن تلك الأيادي العابثة الخبيثة تقود المجتمع المسلم في القارة العجوز إلى محاكم تفتيش كتلك التي أقيمت باسم الكنيسة في الأندلس عقب خسارة المسلمين وتم خلالها ذبح وتهجير نحو ثلاثة ملايين مسلم حسب تقديرات بعض المؤرخين ولا زالت أثارهم بقرطبة وأشبيلية وغرناطة شاهدة..، فلن اتعجب من الذي اباد المسلمين في العراق وأفغانستان والجزائر وأفريقيا وفلسطين وسوريا.. وهم في بلادهم من أن يقوم بإبادتهم على أرضه وفي بلده، فقد لا تكون هذه هي الحقيقة، فيا ليتنا نستيقظ من سباتنا وننهض مجددًا.
يافا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net