الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 26 / نوفمبر 12:01

ليدي - مريم مشتاوي: تربتنا المسمومة تنتج الاٍرهاب والحروب

أجرت اللقاء :
نُشر: 29/08/16 18:58,  حُتلن: 22:47

مريم مشتاوي تسكنها طفلة الحرب والانكسار أنثى تبدو ممتلئة بهجة، لكن داخلها ندوب ذكريات جماعية وفردية

في رواية مريم "عشق" رائحة أنثى تناسب المساء الانيق والصباح الطازج والظهيرة الساطعة

الكاتبة اللبنانية مريم مشتاوي:

تربتنا مسمومة تنتج الاٍرهاب والحروب... زمن لم يسبق له مثيل في انحداره

 لم أستطع زيارة فلسطين الحلم ... فلسطين تلك الأرض الطاهرة المقدسة وهذا البعد حرقة في قلبي

لا أغتال الوقت حين أكتب بل على العكس تماماً الكتابة تمنحني عمراً آخر وزمناً مختلفاً عن الزمن الواقعي
 

تعشق ابواب جنة وهمية تعاودها الذكريات وقعا متجددا، كلما قررت الحياة. تستحضر قوافل الماضي، ملائكة حراسة في ليل عاتٍ، تتقمص البهجة وعند أول جُرح تسقط شفافة الدمع، تسكنها طفلة الحرب والانكسار، أنثى تبدو ممتلئة بهجة، لكن داخلها ندوب ذكريات جماعية وفردية، تصلي لصغيرها كبائر حُلمها، ليكون يومها أفخم مُستحضر تجميل لواقع يابس بليد، لا يسع قلبها الشاسع، تدور مثل الدولاب مرة للأسفل ومرة للأعلى، وبين طبقات الانحدار تعلو غصتها غشاوة المجهول، تروي مريم مشتاوي، قصة عشق كمن يروي الزهر البري وسط الاشواك، تتناول مناديل الفراق من جارتها روز لحبيبها كريم، لولدها جاد، لصديقتها نور، لحبيبها هادي، تلوح بالوداع بغية حياة تضمر ابتسامة وقت، للمرور تذكرة دخول للزمن من جديد لا تقمع الرغبة للبهجة، لكن بهجتها مصابة بالتوحد، أحادية النظام، صاخبة البدء ضبابية الرؤية.


لعشق في رواية مريم مشتاوي رائحة أنثى تناسب المساء الانيق والصباح الطازج والظهيرة الساطعة، لعشق في الرواية مآخذ طيبة ومرونة تشبه المرأة الأصيلة المتمرسة القيامة بعد كل موت، لعشق الرواية، ماء غزير في طقس صحراوي تروي كل من يقرأها حباً سخيا متفاوت الأعمار، ناضج وطفولي، لا تسترخي الاحداق في قراءتها تبقى مشدوهة لما بعد، استطاعت مريم مشتاوي التقاط ريق اللهفة عند القارى من البداية حتى النهاية، مشروطة باللانهاية، لتكون رواية تالية، تستوقف القارئ في بعض العِبارات، عَبرات حبيسة الشهقة، مثل "دخلت عشق ورمت بذكرياتها فوق السرير واستلقت فوقها علها تقطع نبض الايام الماضية ولكن وجه كريم تسلل من تحت المخدة والتصق بالسقف فرأت عينيه تتسعان لتصبحا بحجم الغرفة وباتت هي نقطة صغيرة تائهة فيهما ،وحين تبكي تتساقط دموعها من عينيه فوق خديها فتهبط مشاعرها دفعة واحدة" كم أخذتني هذه الفكرة لأبعد من بُعد، شديدة الحس وممتلئة الشجن، حتى في توبيخها لكريم حبيبها المتخاذل نجدها صفعة مبطنة بالقبلات،" أنا عشق يا كريم، أنا ابنة الشمس والريح والمطر،" تنهي توبيخها بكلمة المطر، والمطر في مفهومه البشري، النعمة والبركة، يبقى الوداع عند عشق مشرع النوافذ، موت نور صديقتها وموت جاد وروز كموت أي حي يرزق بنعيم جنتها، لا احد يموت عند عشق كلهم أحياء يرزقون، حتى حالتها المرضية من فوبيا الفراق لا تداويها الأدوية، تربت عليها كلما ارتفع صوت الحنين، عشق مريم مثل أيقونة من لحم ودم تنزف نور ودمعا.

ومريم مشتاوي وجه من نور تكتب باللون القاتم، تُسمد الحزن بدمعها وتقطفه رزم حب، تُسقط القارئ في فخين، فخ الفقدان وفخ التلاقي مع الحياة سلاما لا استسلاما، لا تؤذي بكتاباتها لكنها تؤدي الى اللاوعي برمته، تواجهنا وفطرتنا بالحب، داخلها ألم أم فقدت ابنها وخارجها قضية امرأة تتحدى الصعاب بأنوثة مرنة لا تفكر في من يلغي نصفها في المجتمع، صوتها الداخلي يوازي صمتها الظاهري، كالرغيف الابيض غزيرة الشفافية، تستثني الجمال من الحطام وترفعه قصيدة، ومقال، وفصول رواية، هي انا وانت حين نصطاد من الرحيل متعة الطريق ومن الصراع بقاءنا، هي انا وانت حين نحتضر كتابة، لنمارس الحياة بقوة خارج النص، هي شبكة تواصل الميتيفزيك والمرسى الآني، وجود مصاب بالانفصام حياة وذكرى مقيمة بسلام في قلبها، هي عقل مسكون بالحدس والتكهنات، جاهزة للخسارات وحاضرة لكل بداية... وجاهزة أيضا لهذا الحوار:

ليدي : هل اصداراتك المتتالية تمنحك الاحساس بالوقت ام تغتالين الوقت بالكتابة ؟
مريم:
لا أغتال الوقت حين أكتب بل على العكس تماماً الكتابة تمنحني عمراً آخر وزمناً مختلفاً عن الزمن الواقعي... وكأني أعيش زمنين مختلفين في الوقت نفسه... حياتي الطبيعية حين أكون مع أسرتي وأصدقائي أو في عملي... وحياة أخرى أعيشها في روايتي مع شخصيات خيالية وأحداث خيالية رغم أن بعضها مستمد من الواقع الذي نعيشه... أبكي معها وأفرح معها... أصادقها وأحياناً كثيرة أتقمص دور الشخصية.. بعد صدور رواية "عشق" وانتشارها سكنتني "ياقوت" برواية جديدة ستكون بين أيديكم قريباً ... وأذكر أني بكيت بحرقة حين ماتت إحدى الشخصيات في رواية "ياقوت"... فالكتابة ليست مجهوداً فكرياً فقط وإنما مجهودا عاطفيا وانفعاليا يستنزف كل طاقات الكاتب... فنعيش بين النصوص... خلف الكواليس.. مواقف وجودية وعاطفية قد لا تنعكس بالضرورة على الورق وإنما تأخذنا نحن الكتاب إلى عوالم أخرى.

ليدي: كم الكآبة عامل مرافق للقلم ..وهل هي انانية الكاتب ليشغل القارئ بهمه ..في حين تنصله من الحالة لأرض الواقع ؟
مريم: حزن الكاتب مولود فيه ومعه لا يفارقه حتى في الفرح.. وكأن في هذا الحزن الإيجابي وليس السلبي المختلط بالعمق وبالتأمل نافذة يطل منها الكاتب على الآخرين وعلى العالم لسبر أعماق الشقاء الإنساني من أجل التغيير نحو الأحسن.

ليدي: لمن تكتبين وما هي منابع الكتابة عندك ..اهي حالات شغف لتحقيق ذاتك ام حالة وجدانية ترغبين ان تكون مستريحة على الورق؟
مريم: أكتب لأرحل... وفي رحلاتي أنتشي... الكتابة تساعدني أن أعيش حالة من النشوة الروحية... فأنا أميل بطبيعتي إلى كل ما هو روحي لأني أشعر أنني به أرتفع فوق المادي..

ليدي: ما هي المساحة المتبقية للإنسان في عصرنا؟
مريم: المَساحة المتبقية للإنسان ضيقة جداً، فتربتنا مسمومة تنتج الاٍرهاب والحروب... زمن لم يسبق له مثيل في انحداره. وشريحة المثقفين هي الشريحة الوحيدة المسؤولة عن إحداث تغيير إيجابي في المجتمع إذا أتيحت لها الظروف الملائمة وخاصة الحرية الفكرية. الثقافة بمعناها الشامل هي التي تجعل الإنسان أقرب إلى إنسانيته لأنها هي التي تشذب النوازع البدائية كالعدوانية والهمجية ولكنها لا تكفي كفعل منفرد وإنما يجب إشاعتها في كل مناحي المجتمع وخاصة بين فئة الشباب السريعي التأثر بالأفكار العنيفة والمشوهة. وهذا يتطلب جهداً هائلاً من قبل المثقفين والجهات المسؤولة غير الملوثة والمترهلة بأجندات داخلية وخارجية، التي لم تفعل شيئاً طوال هذه السنوات لتفادي الهوة التي وصلنا إليها إذا لم نقل أن بعضَها قد يكون سبباً من الأسباب الرئيسية في تفشي الجهل وهو أم وأب الإرهاب. بهذا المعنى فإن تكريس ثقافة حقيقية تحترم الإنسان وتنفتح على الآخر يشكل مساهمة فعالة في ثقافة إنسانية تنويرية.

ليدي: هل تطمحين بزيارة فلسطين وخاصة "الحرم الدرويشي" قصر الثقافة في رام الله الذي استضاف مؤخراً عدداً من المبدعين في العالم العربي؟
مريم: حتى الآن وبسبب الظروف الصعبة لم أستطع زيارة فلسطين الحلم ... فلسطين تلك الأرض الطاهرة المقدسة... وهذا البعد حرقة في قلبي .. ولكن لكل غروب شروق... وحتماً سيأتي هذا اليوم وإن غداً لناظره قريب.

كاتبة لبنانية تقيم في لندن

مقالات متعلقة