روزانا بومنصف في مقالها:
المخاوف من تنازلات كبيرة قدمها الاميركيون من اجل ارساء هدنة عسكرية تطلق العمل للقضاء على تنظيم الدولة الاسلامية من اجل ان يسجل ذلك في ارث الرئيس اوباما على انه طرد تنظيم داعش من المدن الاساسية وقضى على وجوده فيها في كل من سوريا والعراق
من سيأتي كخلف لاوباما في البيت الابيض سيكون لديه مشكلة لان الروس سيكونون قد ثبتوا اقدامهم عبر اقرار اميركي سابق لوصول هذا الخلف الى الرئاسة
سعي الروس الى ابقاء الاسد فهو محوري في المرحلة الراهنة على الاقل في انتظار ثمن التخلي عنه ربما في مرحلة مقبلة لكنه مهم لروسيا راهنا ومهم اكثر لايران من اجل ان يكون هذا البقاء مديدا قدر الامكان
في الوقت الذي تثير فيه الولايات المتحدة قلق الدول الحليفة من عدم كشفها مضمون الاتفاق الذي عقدته مع روسيا حول سوريا على نحو يخشى كثر ان يكون متضمنا تنازلات كبيرة قدمها وزير الخارجية الاميركي جون كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف او وعودا لا تريد واشنطن التصريح عنها، وفي الوقت الذي تعلن فيه موسكو ان لا مصير بشار الاسد يندرج من ضمن الاتفاق ولا كذلك المرحلة الانتقالية، فان مراقبين ديبلوماسيين يخشون من ان تكون موسكو حصلت على الاقل على جملة امور. اولها الاقرار بان روسيا عادت لتلعب دورا ثنائيا جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة كدولة عظمى وهي اضحت لاعبا مهما لا يمكن تجاوزه في الشرق الاوسط. ثانيها الاقرار بموطئ قدم مهم لها على البحر المتوسط وهو حلم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يضاهي عشرات المرات السيطرة على القرم. ثالثا وهو امر لا يقل اهمية عن الاعتبارين السابقين تقييد يدي الرئيس الاميركي المقبل ايا يكن من سيفوز بالانتخابات الاميركية في الموضوع السوري حتى الان على الاقل. وهذا التقييد ينطلق من أن أي إتفاق يعقد على هذا المستوى إنما يفترض الاستمرارية والالتزام خصوصا اذا كانت الإدارة المقبلة ديموقراطية كما ادارة الرئيس باراك اوباما وبرئاسة هيلاري كلينتون.
المخاوف من تنازلات كبيرة قدمها الاميركيون من اجل ارساء هدنة عسكرية تطلق العمل للقضاء على تنظيم الدولة الاسلامية من اجل ان يسجل ذلك في ارث الرئيس اوباما على انه طرد تنظيم داعش من المدن الاساسية وقضى على وجوده فيها في كل من سوريا والعراق يخشى ان تحمل معها تساهلات ازاء المرحلة الانتقالية وبقاء الاسد خلالها وفقا لما كان قدم الاميركيون على هذا الصعيد في الآونة الاخيرة. من سيأتي كخلف لاوباما في البيت الابيض سيكون لديه مشكلة لان الروس سيكونون قد ثبتوا اقدامهم عبر اقرار اميركي سابق لوصول هذا الخلف الى الرئاسة. اما سعي الروس الى ابقاء الاسد فهو محوري في المرحلة الراهنة على الاقل في انتظار ثمن التخلي عنه ربما في مرحلة مقبلة لكنه مهم لروسيا راهنا ومهم اكثر لايران من اجل ان يكون هذا البقاء مديدا قدر الامكان. ومع ان الوضع ليس بهذه البساطة لجهة اعادة تمكين الاسد من السيطرة على كل سوريا خصوصا ان روسيا لن ترغب على الارجح في الغرق في اي مسؤولية تضعها وحدها في الوحول السورية وتود الولايات المتحدة الى جانبها في المسؤولية، فان الانطباعات المتراكمة عن الاتفاق الاميركي الروسي توحي بأن الوضع السوري اضحى من مسؤولية روسيا بنسبة كبيرة جدا. كيف ينعكس ذلك في المنطقة ؟ هذا يشكل سؤالا كبيرا يشغل المراقبين انطلاقا من ان الاتفاق الاميركي الروسي قد يحمل متغيرات لن تكون واضحة في المدى القريب جدا وربما يأخذ الامر بعض الوقت.
لكن تبعا لذلك يسأل المراقبون الديبلوماسيون اذا كان ما يجري من تصعيد في الداخل اللبناني خصوصا من جانب "التيار الوطني الحر" هو على صلة ما بما يجري في الجوار وليس محصورا فقط بالاعتبارات الداخلية. والسؤال يستند الى واقع ان يكون التصعيد مبنيا على قراءة هذه التطورات او استباقا لها انطلاقا من اعتقاد انه اذا كان الاتفاق الاميركي السوري سيتيح امكان بقاء الاسد في فترة انتقالية او ابعد من ذلك بقليل بغض النظر عن امكان سيطرته على سوريا او تحولها الى عراق آخر في احسن الاحوال، فان الحسابات قد تختلف الى حد بعيد. اذ ان السؤال سيتصل على الارجح بحسابات الربح والخسارة التي تبنى على اساسها معطيات المرحلة المقبلة انطلاقا من ان ضمان بقاء الاسد سيكفل ارتياحا ايرانيا يوفر ظهرا قويا مستمرا للحزب خصوصا ان هذا الاخير اصبح من اعمدة بقاء الاسد واستمراره ووجوده في سوريا كما وجود ايران ليس موضوع بحث. فهل يبقى مهما ان يأتي رئيس الجمهورية في لبنان على النحوالذي يتشدد في شأنه الحزب اي ضمان موقعه وقوته والدفاع عنه او ان هذا الامر لن يعود مهما خصوصا ان الحزب سيسجل لنفسه انتصارا عبر بقاء الاسد ولو انه ليس هو صاحب هذا الانتصار الوحيد بل يعود هذا الانتصار لروسيا. لكنه سيكون قويا بهذا الانتصار خصوصا ان اي رئيس للجمهورية من اي موقع كان لن يتخطى سقوفا معينة باتت معروفة خصوصا في ظل سيطرة الحزب على الوضع ككل. والمفارقة في هذا الاطار ان ضمان بقاء الاسد قد لا يضمن فوز حلفائه بالرئاسة اللبنانية على عكس الانطباعات السائدة. ويستعيد هؤلاء المراقبون ما سبق ان قاله رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في هذا الاطار لجهة سعي ايران الى تثبيت رئاسة الاسد مقابل الافراج عن رئاسة لبنان برئيس توافقي. فهذه الفكرة قد تجد صدى ايجابيا لها في ضوء التطورات الاخيرة المتصلة بالاتفاق الاميركي الروسي وان كانت ايران ليست في الواجهة لكنها يمكن ان تقطف من ثمار التعاون مع روسيا وتلاقي اهدافهما حول ابقاء الاسد. واذا كانت روسيا ثبتت اقدامها في سوريا فان ذلك لم يكن فقط بموجب الاتفاقات التي عقدتها مع النظام السوري بل ايضا بموجب اتفاقات مع الادارة الاميركية التي تساهلت في جملة امور تتعلق بسوريا من اجل التركيز على هدف التخلص من تنظيم الدولة الاسلامية.
نقلا عن صحيفة النهار
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net