عدنان حسين:
التسوية التاريخية بين الشيعة والسنة، أو بالأحرى بين الاحزاب والجماعات السياسية الشيعية والسنية، لا يمكن إنجازها الآن
ما يجري الآن على هامش مشروع التسوية الذي يتبناه البعض من قوى التحالف الوطني ( الشيعي) المستأثر بالحصة الاكبر من السلطة هو عرض المشروع على القوى ذات الحصة الأصغر
ليس من الواضح لماذا اختار الذين أعدّوا وثيقة مشروع " التسوية التاريخية" في العراق هذا الاسم بالذات لمشروعهم، فالوثيقة تتضمن نصّاً لمشروع مصالحة وطنية بين قوى سياسية تتشارك في حكم البلاد، لكنها كانت مختلفة منذ البداية قبل ثلاث عشرة سنة، وبسبب مطامعها في السلطة والنفوذ والمال وتدني الوعي السياسي وانعدام الخبرة الإدارية لديها تطوّر خلافها السياسي الى صراع مسلح واحتراب دامٍ ، مباشرةً أو بالواسطة، جرياً تحت يافطات طائفية ( شيعية، سنّية) زيد من مساحاتها يوماً بعد يوم لزوم الكسب الانتخابي.
التسوية التاريخية بين الشيعة والسنة، أو بالأحرى بين الاحزاب والجماعات السياسية الشيعية والسنية، لا يمكن إنجازها الآن وليس مقدّراً تحقيقها حتى بعد نصف قرن، إذ يلزمها توافق فقهي شيعي سنّي يضع التاريخ البعيد جانباً ويتطلّع الى المستقبل، كالتوافق الذي حصل بين المذاهب المسيحية في أوروبا.
في العراق، كما في سائر الدول الاسلامية، لم يكن ثمة خلاف بين عموم الشيعة وعموم السنة. ظل الخلاف فقهياً في الغالب بين رجال الدين، أما الخلاف السياسي فانحصر بين الجماعات السياسية التي بقي تأثيرها على العامة محدوداً. فقط بعد الثورة الايرانية التي رفعت قيادتها شعار تصدير الثورة، زحف الخلاف والصراع الى المجتمع وصارت الصراعات الدامية في إطار هذا الخلاف تستقطب جمهوراً من الطرفين يشحنه خطاب الكراهية وفتاوى التكفير.
إذا كان العزوف عن تسمية المصالحة الوطنية ناجماً عن الفشل الذي لحق بمشاريع المصالحة الكثيرة السابقة، فالأمر لا يتطلب اللعب بالكلمات واعطاء ترجمة مضللة للمصالحة، انما يكون بطرح مشروع جدّي للمصالحة الوطنية ووضع خريطة طريق عملية لتنفيذه.
السبب الحقيقي الكامن وراء فشل مشاريع المصالحة السابقة هو أن الذين طروحوها والذين ناقشوها والذين وقّعوا على المواثيق والعهود لتحقيقها لم يكونوا جميعاً معنيّين بالمصالحة الحقيقية ولا راغبين فيها. كانوا بأجمعهم تقريباً يمارسون لعباً سياسياً ومناورات لكسب الوقت.
مشروع " التسوية التاريخية" المطروح الآن ليس مقدّراً له أن يتحقق حتى لو أُطلقت عليه تسمية المصالحة الوطنية، فالمشروع الجدّي للمصالحة الوطنية يتطلب أول ما يتطلب أن تعدّه أطراف مقتنعة بالمصالحة ومؤمنة بها ومتحمسة لها، والاطراف من هذا النوع لابدّ أن تفكّر أولاً بطرح مشروعها على النقاش العام لضمان أن يجري التوصل الى صيغة للمشروع تحظى بالقبول العام، وهذه الصيغة لابدّ ألا تستثني أحداً سلفاً.. الصيغة السليمة تنطوي على مبادئ وأحكام محددة تترك الباب مشرعاً لمن يقبل بها ويلتزم بتطبيقها.
ما يجري الآن على هامش مشروع التسوية الذي يتبناه البعض من قوى التحالف الوطني ( الشيعي) المستأثر بالحصة الاكبر من السلطة هو عرض المشروع على القوى ذات الحصة الأصغر، وهذا لن يفضي الى مصالحة وطنية حقيقية وإنما الى إعادة إنتاج وتدوير صيغة الحكم التحاصصية القائمة وبالتالي اعادة انتاج وتدوير الخلافات والمشاكل والصراعات الدائرة منذ ثلاث عشرة سنة.
*نقلاً عن "المدى" العراقية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net