الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 22:02

رسالة إلى أحفادي وكل حفيد/ د.محمد حبيب الله

كل العرب
نُشر: 18/01/17 08:17,  حُتلن: 08:40

د.محمد حبيب الله:

ما يزعجني يوميًا يا أحفادي سيطرة البيلفون على حياتكم والغرق في الشاشة الصغيرة وعدم الانتباه لما يجري حولكم وعدم مشاركتكم لنا في جلساتنا اليومية

يجب عليكم اتباع المقولة "من علمني حرفًا كنت له عبدًا" وهذا النوع من العبودية شيء أخلاقي ومطلوب ويتحوّل مستقبلاً إلى مصدر اعتزاز لكم واعزاز لهذا المعلم

نريدكم أن تؤمنوا بقيمة "المحبّة" محبة الآخرين في مجتمع متعدد الثقافات والانتماءات. نريدكم أن تكونوا متميّزين في دولة لا مكان فيه لأبناء الأقلية الفلسطينية إلا إذا كانوا متميّزين

كما هي العادة في كل يوم، نجلس في حديقة البيت لنَحْتَسِي قهوة الصباح وننتظر إطلالكم البهيّة وإلقائكم تحيّة الصباح علينا ثم ضمّكم وَتقْبيلُكم والدعوة لكم بيوم جميل ومفيد في مدرستكم.
هذا الصباح رأيت حفيدتي "رين" وأحفادي "سريّ" و "عمرو" يضعون حقائبهم الثقيلة على ظهورهم، ورأيت "رين" الصغيرْ وهي تتوء بحمل حقيبتها على ظهرها الذي بدا مُنحَنِيًا إلى الأمام، فأقول لها، هل جميع ما في الحقيبة يا "سيدو" مطلوب منك هذا اليوم... فتقول "نعم" أنا أحمل كتب العربية والإنجليزية والحساب وجميع الدفاتر والملحقات، فقلت في نفسي وأنا غير مصّدق، "لا يُعقل هذا" ان هذا الحِمل اليومي يسبِّب لهؤلاء الأحفاد وأمثالهم أَلمًا في الظهر ويؤثر على سلسلة الظهر مستقبلاً، وفكّرت: لماذا لا تقوم المعلمة بدور هام في انتقاء الكتب لكل يوم، فنمنع بهذا حملاً يوميًا ينوءُ به الكبار، فالولد لا يقتنع ولا يمتثل لكلام سوى كلام المعلمة. لذا وجب عليكن أيتها المعلمات عمل ذلك وتعليم الطلاب ماذا يحملون لكل يوم.. فالحقيبة تحوي كل يوم جميع ما لدى الطالب من مواد مطلوبة لكل الأسبوع أي ما يقارب السبع كيلو غرامات، ولا يُعقل ان كل ما تحويه الحقيبة يلزم لهذا اليوم بالذات..
هذا هو الأمر الأول الذي تتضمنُه رسالتي إليكم. أما الأمر الثاني يا أعزائي... فهو آفة البيلفونات وسيطرة هذا الجهاز عليكم، فإياكم والبيلفون الذي أصبح رفيقًا لكم ليل نهار..

إن ما يزعجني يوميًا يا أحفادي سيطرة البيلفون على حياتكم والغرق في الشاشة الصغيرة وعدم الانتباه لما يجري حولكم وعدم مشاركتكم لنا في جلساتنا اليومية والإفادة منها اجتماعيًا من أجل إعدادكم الصحيح للحياة المجتمعيّة الحَقّة مستقبلاً.
ان ما يجري يوميًا في جلساتكم معنا هو الالتصاق بجهاز البيلفون والذي أصبح عادة عند الكبار أيضًا، فتتحولون بهذا إلى إنسان آلي (רובוט)، تكونون فيه معنا وليس معنا، تكونون معنا في أجسامكم وبعيدون عنا في وجدانكم وعقولكم فلا تشاركونا الحديث ولا تتفاعلوا معنا اجتماعيًا، مما يضرّ مستقبلاً بإعدادكم للحياة اجتماعيًا. لقد تحوّلتم يا أحفادي إلى عبيد للبيلفون فقلّما أجد حفيدًا لي ولغيري يمسك كتابًا أو قصّةً بدل هذا الجهاز وإذا حدث فيكون نادرًا. لقد حَلّت الغربة يا أحفادي بينكم وبين الكتاب الذي هو خير جليس لكم، وأصبح الكسادُ في المطالعة ظاهرة خطيرة تُؤثر على بنائكم المستقبلي فكريًا وثقافيًا ووجدانيًا، وأصبحتم فقراء في اللغة ومفرداتها وفي المعلومات العامة والقدرة على التعبير عَمّا يجول في خاطركم. وللمعلمين أقول دوركم كبير في هذه الناحية، فعليكم أيها المعلمون إجبار الأولاد على المطالعة، لأن طلباتكم من الأولاد مُطاعة وكلماتكم مقدّسة والطلاب يمتثلون لها، يجب أن يُعطي المعلم نسبةً مُعيّنة من العلامة النهائية في اللغة العربية (وكذلك اللغات الأخرى) للمطالعة. فمن تجربتي فإن إِجبار الطالب بالمطالعة وان لم يكن ذلك طوعًا يُحوِل المطالعة مستقبلاً إلى عادة.

أما الناحية الثالثة التي أَوَدّ التطرّق إليها فتتعلق بِحُبّ اللّعب وبممارسة الحياة بِحُريَة، انكم يا أحفادي توافقونني ان الانتظام المدرسي فيه تقييد لحريّاتكم وفيه الالتزام الذي يجعلكم تنتظرون بفارغ الصبر الاستراحات بين الدروس والانتهاء من اليوم المدرسي من أجل تنفس الحرية، نحن نعرف أنكم تحبون الانطلاق وتحبون عمل أشياء كثيرة وَبِحُريّة وفي الوقت الذي تريدونه.. نحن نعرف انكم ترفضون ما يَقيّد حُريتكم، خاصة عندما تعودون للبيت لِتَسْرحوا وتمرحوا ما طاب لكم ذلك في البيت والحارة... وعندها يحدث التصادم معكم من قبل الأهل بسبب القيام بكل ما هو ممنوع وهكذا تبدأ حياتكم بَقيّة اليوم بين نهي وأمر ومدّ وجزر... تواجهون ذلك مع الكبار الذين يحرصون على تنشئتكم اجتماعيًا، أضف إلى ذلك ما تواجهونه من المعلمين من أمور لا ترضون عنها، وتحتجون على المعلم لأنه فعل كذا وكذا معكم، وغالبًا ما يكون المعلم على حق في كل ما يفعل، لذا وَجَب عليكم أيّها الأحفاد احترام وتقديس كلام المعلم والوالدين والعمل بروح ما قاله الشاعر أحمد شوقي:

قم للمعلم وفّه التبجيلا    كادَ المعلمُ أن يكون رسولا
يجب عليكم اتباع المقولة "من علمني حرفًا كنت له عبدًا" وهذا النوع من العبودية شيء أخلاقي ومطلوب ويتحوّل مستقبلاً إلى مصدر اعتزاز لكم واعزاز لهذا المعلم.. نحن لا نريدكم عبيدًا إلا في هذا وفي شيء آخر عبّر عنَه الشاعر الجاهلي المقنّع الكندي حين قال:

واني لعبدُ الضّيف ما دام نازلاً
وما شيمةُ لي غيرها تُشبه العبدا


أي أن اطلاق كلمة عبد على المضيف كانت وستبقى شعارًا لنا ما دمنا نؤمن ان "للضيف مفتوحة منازلنا". هكذا نريد ان نعلمكم يا أحفادي وهكذا نريد أن نعدّكم للحياة، نريدكم ان تتّصِفوا بجميع القيم الخلقية والاجتماعية والدينيّة والإنسانيّة فإذا ما أردتكم ذلك فعليكم الإقلاع عن هذه العادة البذيئة التي تُسيطر على هذا الجيل، عليكم التخفيف من استعمال البيلفون وفقط عند الحاجة وعليكم الامتثال للوالدين وللمعلم. أضف إلى ذلك اننا نريدكم أن تطالعوا وتطالعوا وتطالعوا فخير جليس في الزمان كتاب وبالقراءة والمطالعة تَتسِع مدارككم وتتعلمون كلّ شيء. نريدكم أن تكونوا مُتفائلين ومحبّين للحياة واتباع ما قاله الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي:

أيّهذا الشّاكي وما بك داءٌ
كن جميلاً تَرَ الوجودَ جميلا


نريدكم أن تؤمنوا بقيمة "المحبّة" محبة الآخرين في مجتمع متعدد الثقافات والانتماءات. نريدكم أن تكونوا متميّزين في دولة لا مكان فيه لأبناء الأقلية الفلسطينية إلا إذا كانوا متميّزين. ان الحياة أيها الأحفاد الأعزاء لكم أينما كنتم، فاجعلوها مفيدة ومشرقة وحلوة وجميلة... قوموا بواجبكم واستمتعوا بحياتكم وأحبوا لغيركم كما تحبّون لأنفسكم. ولتكن القواعد السلوكية التي وضعها الإمام الشافعي نبراسًا لكم من أجل حياة سعيدة حيث يقول:

إذا شئْتَ أَنْ تَحْيا سَليمًا منَ الأذَى   لسَانُكَ لا تَذْكُرْ به عَوْرَةَ امْرئ
وَعَيْنُكَ إنْ أَبْدَتْ إلَيْكَ مَعايبًا      فَعَاشرْ بمَعْرُوف وَسامح مَن اعْتَدَى
وَحَظُّكَ مَوْفورٌ وَعْرضُكَ صَيّنُ    فَكُلُّكَ عَوْراتٌ وَللنَّاس أَلْسُنُ
لقَوْم فَقُلْ يا عَيْنُ للنَّاس أَعْيُنُ     وَفارقْ وَلكنْ بالّتي هيَ أَحْسَنُ


وليكن ما قاله الشاعر بشار بن برد شعارًا لكم فتهنئون:

إذا أنت لم تشرب مرارً على القذى
ظمئْت وأي الناس تصفو مشاربُه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة