الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 17:02

قاهر ومقهور/ بقلم: رائدة عكاشة

كل العرب
نُشر: 03/07/17 11:57,  حُتلن: 17:33

أرسلت الشمس خيوط أشعتها على الشاطئ الهادئ، ونشرت السماء زرقتها الصافية، بينما راقص الهواء العليل أوراق الشجر، وداعب الوجوه بنسماته اللطيفة، ولم يكن يكسر الهدوء سوى أصوات تتعالى لفتية يمرحون ويستمتعون بأجواء البحر الجميلة.

عند الأصيل جاء ثلاثة شبّان مفتولي العضلات، تمشّوا على الشاطئ، وهم ينظرون إلى البحر الهادئ الراكد، قال أحدهم: لا يليق بنا أن نأخذ رحلة بحرية اليوم، قال الثاني ساخراً: البحر يشبه أرملة حزينة يطمع فيها الجميع، ألا ترياه يمنح شاطئه للجميع بمن فيهم الأطفال. أضاف الثالث: ولكن لا بأس من أن نجرّب هذه الأرملة اليوم، فقد وصلنا إلى الشاطئ على كل حال، وقارِبُنا "القاهر" الذي لا يُقهر ينتظرنا.

اعتلى الشبّان الثلاثة "القاهر"، وانطلقا إلى عمق البحر، وبدأت حركة الرياح تنشط وتتعالى الموجات، وما زال الجميع في فرح يداعبون الأمواج في مدّها وجزرها، غير أنهم حين انتبهوا إلى غضب البحر انسحبوا إلى شاطئه الأمين، بينما بقي "القاهر" العنيد يتراقص مع الأمواج في قلب موجة غاضبة، قبل أن يغوص فيها جميع من كانوا على متنه. وراح البحر الذي كشّر عن أنيابه يجرهم إلى الأعماق، وضاع صراخهم، وتلاشى صدى أصواتهم في الهدير الصاخب.
دبّ الرعب في قلوب الجميع، وارتسم الوجوم على الوجوه المترقبة، فيما راحت الدموع تغسل عيوناً أرهقها الفزع. والكل يتساءل:ماذا يمكن أن يكون مصير أولئك الذين صارعوا الأمواج واختفوا لساعات ربما تطول إلى أيام في عرض البحر.
الظلام يخيم على المكان، وبعض الرجال يحملون مصابيح تتجه نحو البحر، الكل يجري الأصوات تتعالى وتتعالى بانتظار حدث ما، حتى قذفت موجة شيئا سرعان ما تبين أنه أحد الغرقى وقد اصطبغ بلون الموت الأزرق الداكن.. ولم تجد نفعاً كل المحاولات التي جرت لإسعافه، ولم يبق في المشهد إلا صدى الصرخات وصوت الأمواج العاتية، وصورة مأساوية حفرت نقوشها فوق الرمال، ووقت يمر بطيئاً مشوباً بمرارة انتظار جثتين أخريين.
في الصباح التالي أرسلت الشمس خيوط أشعتها على الشاطئ الهادئ، ونشرت السماء زرقتها الصافية، بينما راقص الهواء العليل أوراق الشجر... إلخ إلخ إلخ
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net  

مقالات متعلقة