الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 05:02

أين نحن من الأيام - بقلم: فؤاد خوري


نُشر: 08/09/08 13:32

أين هي السعادة من واقعنا المسربل بالدموع والآهات، الزاخر بالأعاصيف التي تُولّد في النفس نيرانًا من الغضب، ومنّا من ينعم بالسعادة، يتحلّى بالجذل، وهنالك من لا يعرف النوم إليه سبيلاً، فلكم هي مُرةٌ عذابات الدهر التي لا تلبث أن تغيّر الحال والوجدان!!
  ألا تُؤثر النفس أن تبقى في لحظات هدوئها، ألا يروق لها هواءٌ يبعث النشوة، أدومًا سننتظر الخبر المأساوي، فيستحيل الفرحُ بكاءً ونحيبًا، وتتلوّن المفردات بآهات الذكرى، يا لها من ذكرى، وإن شئنا فلن نذكر تعاسات الماضي، أوَ ليسَ في الحزنِ مبعثُ سرور؟
خاطئٌ من يظنُّ أنَّ السعادة مثلها كأيّ حلةٍ تزدان بها أجسادنا، أو مثلها مثل حقائب السفر تُقاس بما بداخلها ، الإنجاز، النابعُ عن مثابرةٍ، المكلّل بجهدٍ، هو من يغمرنا بالسعادة.
عندما تسير بنا الذاكرة عبر أحيائها، لا شكَّ أنّنا سنُجنبّها مشقة الماضي وهوانه، لماذا، دومًا تساءلت، ألأنّنا بطبيعتنا نصبو إلى نيل السعادة؟ ومّن منّا لا يتمنّى التنعّم بها، لكنَّ الذكرى حينها ستحمل لنا معها ألمًا، فما دفعنا إليها هو افتقادنا السعادة في وقتنا الراهن، وإنْ كان في الأمرِ مبالغةً....
  في مسيرتنا وعبر المزالق التي تلقانا في دروب الحياة، والتي تنصاع لها شهوات الفؤاد، ونحن، وروتين الحياة الراسم أبدًا مسارًا لحياتنا، فنجعله يقودنا بدلاً من أن نقوده، إلا أن نجد أنفسنا على مشارف النهاية...
  فأيُّ مجدٍ صنعنا، لذواتنا، قبل الآخرين، فعلاً هل تألمنا، هل شعرنا بالعذاب، أم أنّنا كمن أولئك الذين يؤمنون أنَّ القدر يُسيّر لنا حياتنا، فتغدو النفس في سبات، والروح والعقل، فتمّر السنوات، والسبات عينهُ، فنقول " هكذا شاء القدر " فتضحى هذه عبارةً لكل أزمةٍ نواجهها، فنحن لا حول ولا قوة، والعقل مسلوب الإرادة، رهين القدر!!
  فأقول، وإن هذا هو القدر، يا لنا من ضعفاء، فالعلم ندحضه، والآخر نجردّه ممّا لديه، وكلُّ ذلك بإرادتنا، ولكنَّ الفاجعة عندما تحّل لا نكون نحن، بل القدر!!
  ومنهم من يدعّي أنَّ الزواج قسمة ونصيب، فعندما أحبَّ رجلٌ امرأة وتزوجها فالنصيب شاء ذلك، ألم يكن الرجل بكامل إرادته عندما تزوجها، وهي كذلك، فما محلُّ النصيب من الموضوع إذن؟!
  أكُتِبَ له ومُذ أن كان في بطن أمّه أن يتزوج بفلانة، ألكي نُجنّب أنفسنا حديثًا وتأويلاً نلجأ إلى القسمة، أليسَ للإنسان رأيٌ وعقلٌ وحرية اختيار ومبادئ، أم ماذا تقول دراسات سيكولوجيا علم النفس؟!
  عندما نبدأ بتوجيه النقد لذاتنا، عندها سنتغلب على شتّى المعايير المحيطةِ بنا، عندها نستطيع أن نُحسّن، أن نطوّر ونبدّل، دون أن ننتظر من القدر أن يصنع معجزةً، فنحن بشر، ولدينا ما لا يملكه غيرنا من الكائنات، فلماذا نسمح لآرائنا وحرياتنا أن يُسدل الستار عليها، وتصبح في الهامش؟
  جميعنا، وإن ابتدأ كلُّ واحدٍ بنفسه سيُحسّن ويُجمّل، وإن اعتقد العكس، وإن لم يُغير في المجموعة، يكفي أنّه بعثَ تجددًا بذاته، وبهذا يستطيع أن يُبدع ويتألق!
كم تكون فرحتي كبيرة عند رؤيتي لرجلٍِ فشل في مهمّةٍ وعاود المحاولة مرة ومراتٍ عديدة،إلى
أن ينجح، فبكلِّ محاولةٍ هو اكتسب قدرةً، اكتسب خبرةً ومهارة، ونحن، ومَن منّا لم يذق الألم، ولم يعصر الحزن قلبه، كلّناٌ معرضٌ للصعوبات، لكنَّ الجدير بالتقدير ذلك الذي يقع في نفس الحفرة مراتٍ عديدة، ويخرج في النهاية منها ليبلغ ذروة المجد.
  يجدر بنا أن ننزع ميولنا ونسلخ أهواءنا التي تقودنا قبل كلِّ شيء إلى الابتعاد عن ربّنا، خالق الأكوان، عن أعرافنا، التي ورغم معارضة الكثيرين لها، وأيضًا أنا لا أنكر أنني في جانبٍ من التأييد لهذه الفئة، ولكنّي لا أستطيع أن أجزم أنَّ هذه العادات وُجدت لتحمينا، لتحافظ علينا، لتتماشى ومع ما يطلبه الله منّا، لتكون حارسًا أمينًا لحياتنا، وإن كانت ثقيلة بعض الشيء علينا، فكيف استطاع من سبقونا ومنذ سنوات طويلة أن يتحملّوا أعباءها، لكم احتملوا من مصاعب، فلماذا تُرانا نوّد أن نغيّر، أنْ نسهّل الحياة، مع أنّها ليست كذلك، وننسى أنَّ العلوم ازدهرت في زمنهم، والثقافة والحضارة، فما بالنا نسعى لمظاهر خداعّة، هدفها فقط لجم الشهوات التي نستطيع سدَّ ثغرها بالإيمان والصلاة، والعلم والكتب في حياتنا أين أضحت ؟، هل نحن مطّلعون عليها بما يكفي، أم أنّنا نبدّل مجرى الحديث عندما نسمع عن عالم اللامرئيات أو عن كاتب قدير أو......، ولا يتوقف لساننا عن الحديث عن الحياة اليومية والقال والقيل والتفاهات التي تسير بنا إلى الحضيض.
  ألا يكفينا تمتعًا طوال الوقت الذي مرَّ منها وهي غارقة في دوامة المغريات، ألمْ يحن بعد الوقت لأن نثور على النفس، ونستيقظ من سباتنا العقيم والعميق؟!!

مقالات متعلقة