1. كلَّ عام وأنتم بخير. أسأل الله لكم فرح الميلاد وصفاءه، والطمأنينةَ والسلام للجميع. يوافينا عيد الميلاد في هذا العام أيضا في بيت لحم، في ظروف الموت والقهر نفسها. يأتي مع الأسوار والحواجز على الأرض وفي القلوب. الاحتلال وانعدام الحرية من جهة، والخوف وانعدام الأمن من جهة أخرى، كل هذا ما زال مستمرا. وغزة باقية سجنا كبيرا ومكان موت ومخاصمة فلسطينية في الوقت نفسه. حتى الأطفال فيها قُتِلوا. وما زال الجميع، بما فيهم الأسرة الدولية، عاجزين عن العثور على طرق السلام والعدل الصحيحة. بل الخوف من المستقبل والمصير يخيم على المنطقة كلها: العراق ولبنان وسوريا ومصر والأردن. للجميع تبدو الساعة ساعة مصير. ومع هذا كله، ظاهرة الإرهاب العالمي تتغذّى في جميع الجراح المفتوحة.
2 . هذه هي الرؤية من بيت لحم في عيد الميلاد. مع أن رسالة بيت لحم والميلاد هي رسالة حياة وسلام وعدل. قال إرميا النبي: "فِي تِلكَ الأيَّامِ أُنبِتُ لِدَاوُدَ نَبتًا بَارًّا فَيُجرِي الحُكمَ وَالبِرَّّ فِي الأرضِ... وَتَسكُنُ أَورَشَلِيمُ فِي الطُّمَأنِينَةِ" (إرميا 33: 15-16). وقال أشعيا: "كَذَلِكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنبِتُ البِرَّ وَالتَّسبِحَةَ أمَامَ جَمِيعِ الأمَمِ" (أشعيا 61: 11). والقديس بولس يدلّنا على طريق العدل والسلام، فيقول: "عَسَى أَن يَزِيدَ الرَّبُّ وَيُنمِي مَحَبَّةَ بَعضِكُم لِبَعضٍ وَلِجَمِيعِ النَّاسِ عَلَى مِثَالِ مَحَبَّتِنَا وَيُثَبِّتُ قُلُوبَكُم فِي القَدَاسَةِ" (1 تسالونيقي 3: 11).
ومنذ أوَّل أحد من زمن المجيء وضعت الكنيسة أمامنا صورة المعمدان، سابقِ المسيح، يدعو إلى التوبة، وكانت فئاتُ الشعب تُقبِل إليه وتسأله عن طرق التوبة والحياة الجديدة. حتى الجنود أنفسهم في ذلك الزمن سألوه هم أيضًا ماذا يجب أن يعملوا ليخلصوا: "وَسَأَلَهُ أَيضًا بَعضُ الجُنُودِ: وَنَحنُ مَاذَا نَعمَلُ؟ فَقَالَ لَهُم: لا تَتَحَامَلُوا عَلَى أَحَدٍ، وَلا تَظلِمُوا أَحَدًا وَاقنَعُوا بِرَوَاتِبِكُم" (لوقا 3: 14).
3 . أصبحت الحياة في بيت لحم وحولها لا تطاق، بالرغم من مبادرات التضامن العديدة من الخارج والداخل. نعم نحن بحاجة إلى تضامن ونشكر رسائل الأخُوّة التي ترد إلينا من العالم كله. ولكنَّ حاجتنا الأساسية هي السلام والعدل والحرية ونهاية الاحتلال. ويبدو العالم تجاه ذلك عاجزا. ومع ذلك، فإنّنا نقول إنَّ في كلِّ واحد طاقاتٍ للمحبة والخلاص والحياة، حتى لدى الجنود ولدى القادة. ولكنْ هناك توبة لا بدَّ منها، وارتداد لا بدَّ منه، من الموت إلى الحياة، من رؤية الآخر خصما وقاتلا إلى رؤيته أخا ومانحًا الحياة.
قادتنا السياسيون يجب أن يسألوا هم أيضا المعمدان: ماذا نعمل لنجد الخلاص لأنفسنا وللناس الذي وضعوا بين أيدينا أمرهم ومصيرهم، وعليهم أن يسمعوا الجواب نفسه: " لا تَتَحَامَلُوا عَلَى أَحَدٍ، وَلا تَظلِمُوا أَحَدًا وَاقنَعُوا بِرَوَاتِبِكُم" (لوقا 3: 14). ليصغوا إلى صوت المظلومين والمقهورين في هذه الأرض المقدسة، صوتِ من قضَوا وصوتِ من لا يزالون معرَّضين للموت والإهانة، صوت من يظنون أنه يجب أن يفرضوا الموت والمظالم عليهم ليوفروا الأمن للفئة الأخرى.
بيت لحم مدينة السلام. ولكنها ما زالت مع الأسف، عكس ذلك، مدينة المخاصمة والموت. مع أنّ الخلاص ممكن وسهل، لو كان لدى المسؤولين إرادة صادقة وحازمة. الخلاص هو في التقريب بين الشعبين لا في فصلهما: في هذا فقط خلاص الفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة كلها. نعم، الشعبان قادران على أن يعيشا بسلام وطمأنينة معا. وطاقة الموت والقتل والانتقام والرفض والتطرف سوف تزول شيئا فشيئا إذا ما انقطع عنها غذاء الظلم والاحتلال والفقر والإذلال.
4 . عيد الميلاد عيد فرح للبشرية. عيد خلاص للجميع، ولا سيَّما لمن يعيش في بيت لحم وحولها، فلسطينيين وإسرائيليين. "لنذهب إلى بيت لحم"، ونرى ماذا جدث وماذا يحدث فيها؟ (ر. لوقا 2: 15). ماذا يقول لنا السور؟ ماذا يقول سكان بيت لحم اليوم؟ لنذهب إلى بيت لحم لعلنا نسمع نحن أيضا صوت الملائكة يبشرون بالسلام على الأرض، سلام لكل ذي نية صالحة، لكل أُخُوَّة صادقة متحدِّيةٍ لكل مخاصمة وعداء، وواجدةٍ في الأخوّة والتقريب بين الشعبين الأمن من جهة وعودة الأرض والحرية من جهة أخرى.
لجميعكم، أيها الإخوة والأخوات، أسأل الله أن يمنحكم نعمته لتسمعوا وتعيشوا رسالة الميلاد، رسالة سلام وفرح وحياة جديدة. وكل عام وأنتم بخير.
البطريرك ميشيل صباح
بطريرك القدس للاتين
القدس، 20 كانون اول 2006