الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

يدًا بيد نحمي ونبني الناصرة/ بقلم: سميح غنادري

سميح غنادري
نُشر: 06/12/18 10:14,  حُتلن: 14:17

سميح غنادري:

طبعًا الجبهة باقية، وهي ثلث البلد والبلدية حسب نتائج الإنتخابات المحلية. لكنها أكبر من ذلك بكثير على صعيد القضايا والمواقف القطرية العامة

كان دورٌ ظاهرٌ أيضًا لما يُسمّى الدولة العميقة وعناصر مخابراتها ولرجال المافيا العرب... دور ظاهر في الإنتخابات خاصة بالقرب من صناديق الإقتراع. 

نرفض تقسيم الناس حسب الإنتماء الديني، فجميعنا بشرٌ عربٌ .لكن هنالك من يُسيّس الدين ويحزبه، مستغلًا كون الناصرة بلدة يقطنها مسلمون ومسيحيون

فاز علي سلّام وقائمته "ناصرتي" فوزًا كبيرًا ومزدوجًا في إنتخابات بلدية الناصرة للرئاسة وللعضوية. هذا ما يجب أن يعيه ويذوّته الطرفان المتنافسان، الفائز والخاسر إنتخابيًا. وأن يعملا معًا بمصداقية وأمانة لعبور ما خلّفته الإنتخابات من آثار إجتماعية سلبية وأحقاد، وبإعتمادها برنامج مشترك للنهوض بالمدينة عمرانيًا ووحدة أهلية وطنية.

تركت الإنتخابات جراحًا عميقة في الجسد النصراوي، لكنها أمست من ورائنا. وتشمخ أمامنا اليوم المصلحة العامة للمدينة وحاضر ومستقبل أجيالها، خصوصًا الشابة. صحيح أن الفائز هو الذي يجب أن يبادر لهكذا نهج مسؤول، وأن وليد العفيفي والجبهة هما اللذان بادرا ولم يجدا آذانًا صاغية. لكن هذا يجب ألاّ يمنع تكرار هذا النداء المسؤول. لأن مصلحة الناصرة الواحدة الموحدة ومكانتها، كعاصمة وطنية لشعب باق في وطن جرت أسرلته وصهْيَنته، تبقى هي الأساس والبوصلة والهدف.

هل كانت الإنتخابات ديمقراطية؟
ما من أحد من الخاسرين إنتخابيًا تنكّر لديمقراطية الإنتخابات. ولم تمنع جهةٌ ما جهةً أخرى من حرية الإدلاء باصواتها. ولم يطعن أحد بمصداقية النتائج أو بتزويرها لا عمومًا، ولا حتى في أي صندوق من صناديقها الـ 88.
لكن تبقى الإنتخابات المحلية في بلداتنا العربية إنتخابات ديمقراطية خالصة بالمعنى "الميكرو" – الضيّق والصغير. أما بالمعنى "الماكرو" – الواسع والكبير فتبقى مشوبة بعدة شوائب. أقصد العصبيات الحمائلية والعائلية والدينية والتحشيد الطائفي وتفسيخ المجتمع، والمحسوبيات وشراء الذمم. وكذلك نشر الإفتراءات والإهانات،والمس بالكرامات والقذف الشخصي والشتائم، وتشويه السُمعات تجاه الآخر، وزرع الكراهية والفتنة. هذا عدا عن اللجوء إلى البلطجيات والإستعراضات للعضلات والعنف الكلامي واليدوي والشراسة وبذاءة الخطاب الإنتخابي – (أوردنا في المقال السابق إستشهادات من ذاك الخطاب الساقط).
شعرنا في الناصرة أننا نعيش معركة، لا حملة اختيار حر للمرشحين. الغوغائية والديماغوغية والإنتهازية وشيطنة الآخر وإلغائه، والتخويف وتجييش المشاعر والعواطف والأحقاد الدفينة البدائية والسيئة، كانت هي سيّدة الموقف. وجرى تقسيم المدينة إلى حارات وأحياء وطوائف وحمائل ومجموعات متصارعة بين "جماعتنا" و "جماعتهم". وعلا صوت الزعيق وصخب الأبواق والشتائم واللجوء إلى العربدة والترهيب بالإضافة إلى جولات الزعرنة في الأحياء، وفراقيع الألعاب النارية. لقد أصبحت هذه المظاهر هي "الثقافة" السائدة، أو قُل اللاثقافة المهيمنة على أجواء الشارع. وكذلك على خيار الإقتراع. أدى كل هذا إلى عزوف الالاف عن التصويت والمئات عن النشاط الإنتخابي الفاعل، مقابل إقبال الوف أخرى على هذا وذاك.

وكان دورٌ ظاهرٌ أيضًا لما يُسمّى الدولة العميقة وعناصر مخابراتها ولرجال المافيا العرب... دور ظاهر في الإنتخابات خاصة بالقرب من صناديق الإقتراع. ويستطيع النصراويون تسمية رجال مافيا عرب من الناصرة ومن بلدات في المثلث والجنوب كانوا يتجوّلون في مناطق بعض الصناديق. صورهم متوفرة في الهواتف النقالة لدى البعض...

لم تبادر الشخصيات الإجتماعية والأهلية، من مثقفين وأكاديميين ورجال دين، ورجال أعمال وتجار وحرفيين، وكتاب وفنانين وصحفيين، وقادة نوادي وجمعيات... إلخ، إلى إصدار بيان تحذير بأن "كفى". بل قام بعض ا"لكتاب والصحفيين" بتسعير هذا الإنفلات اللاأخلاقي واللاديمقراطي في كتاباتهم. وعربد الرداحون في الفيسبوك بشكل يفوق حتى دناءة ما يكتبه الساقطون على جدران المراحيض العامة.
ترافق كل هذا أعلاه مع تسييس الدين وإحالته إلى طائفة، وإحالة الطائفة إلى حزب قبلي، فشرأبت العصبية القبلية وقبليّة العصابات. وغابت مدنيّة المدينة وإستحالت إلى ما هو أشبه بالغابة. وفي ظل هكذا أجواء ما من وجود للديمقراطية، إذ تكون السيادة عندها في غابة "المدينة" لمن حجمه أكبر وعضلاته افتل وأنيابه أطول.
حديث نتائج الإنتخابات
عدد أصحاب حق الإقتراع النصراويين هو 318،58 ناخبًا. إقترع منهم 050،48 ناخبًا بهذا تكون نسبة التصويت قد بلغت 7،81% - (زادت 10% تقريبًا عن نسبة عام 2013). ويكون قد زاد عدد المقترعين 9258 ناخبًا بالمقارنة مع الماضي.
حصلت قائمة "ناصرتي" على 394،26 صوتًا – 1،56% من عموم الأصوات للعضوية. وتمثلت بـ 11 عضوًا من أصل 19 هم عموم أعضاء المجلس البلدي، فزاد تمثيلها بثلاثة أعضاء عن عام 2013. ويُضاف لها عضو حليفتها "الموحّدة"/الإسلامية التي نالت 2375 صوتًا – 5%.
أما "الجبهة" فحصلت على 219،14 صوتًا – 1،30% ،فهبط تمثيلها من ثمانية أعضاء إلى ستة. وخسر التجمع /الأهلية عضويهما ولم يحظيا إلاّ بـ 1605 أصوات – 4،3% لم تكف حتى لعبور نسبة الحسم. وحصل "شباب التغيير" على 2435 – 2،5% كفتهم ليحافظوا على تمثيلهم بعضو واحد.

لكن هذه المعطيات الرقمية والنسبية الواردة أعلاه تعكس الصورة بعموميتها، لا بشتى تفاصيلها وظلالها. لأن كامل الحقيقة يكمن في التفاصيل. ورؤية الغابة بشموليتها لا تكفي لمعرفتها، إن لم نرَ أشجارها ونباتاتها المتعددة والمختلفة والمتشابهة. لذا لجأتُ إلى دراسة النتائج التفصيلية في كل صناديق الإنتخابات.

وأوردتُ في الجدول أدناه نتائج الإنتخابات بمجملها في الـ 88 صندوقًا. لكن آثرتُ جمع وتقسيم الصناديق إلى بضعة قطاعات إنتخابية. نقصد بالقطاع حيٌ كبير فيه العديد من الصناديق الإنتخابية، أو هو مجموعة أحياء وحارات متقاربة ومتداخلة تشكل معًا قطاعًا كبيرًا واحدًا. واكتفيتُ بتركيب جدول لـ 9 قطاعات من أصل 13 هي مجموع القطاعات. لنقرأ الجدول بتمعّن:

• حصل سلّام على 5،62% من الأصوات للرئاسة، والعفيفي على 5،37%. الملفت للنظر أن هاتيْن النسبتيْن تكادان تطابقان نتائج الجولة الثانية لإنتخابات الرئاسة السابقة في آذار 2014. إذ حصل سلّام يومها على 2،61% مقابل 4،38% لرامز جرايسي، أي أنه لم يرفع نسبة فوزه إلا بـ 3،1%. هذا لا يقلل أبدًا من انتصاره الكبير في الماضي والحاضر. لكنه يدل على أن "الجبهة" على مدى خمس سنوات كوْنها في المعارضة في المجلس البلدي السابق، وبالرغم من دعمها لمرشح توافقي في الإنتخابات الحالية، لم تنجح بالمس بشعبية سلّام الإنتخابية. "نجحت" فقط في إنزال تمثيلها من ثمانية إلى ستة أعضاء. فلتفحص ماضيها وحاضرها.
• القطاعات الإنتخابية الأربعة التي لم نتطرق لها في الجدول أعلاه هي قطاع "الورود" – ثلاثة صناديق – نسبة سلّام 6،57%. وقطاع "الفاخورة" – ثلاثة صناديق – 2،79% لسلّام. وقطاع "الميدان" – صندوقان – 8،60% للعفيفي. وقطاع "النمساوي" – ثلاثة صناديق – 5،73% للعفيفي.
• فاز سلّام في 64 صندوقًا من أصل 88. أما العفيفي فلم يفز إلاّ في 24 صندوقًا. ونِسَب الإقتراع الأعلى كانت بالذات في الصناديق والقطاعات التي تغلّب فيها سلّام. هكذا هو الأمر أيضًا بخصوص الأصوات لناصرتي وللجبهة. وعمومًا نستطيع القول إن فوز سلام و"ناصرتي" بارز وكبير في ثمانية قطاعات تميزت بِنسَب تصويت عالية وبأعداد كبيرة من الصناديق. ليس هكذا كان الحال في القطاعات الخمسة التي فاز فيها العفيفي و"الجبهة".
• تعدت نسبة التصويت في غالبية الصناديق التي فاز فيها سلّام "وناصرتي" النسبة العامة لعموم المدينة. مثلًا، هي تراوحت في تسعة صناديق بير الأمير بين 3،80% إلى 9،90%. وتراوحت النسبة في 15 صندوق من أصل 17 في قطاع الحي الشرقي بين 3،80% إلى 3،90%. بينما، في الأحياء "المحسوبة" لصالح "الجبهة" كانت النسبة تتراوح في 18 صندوق قطاعات البلدة القديمة والعمال العرب والروم بين 8،71% إلى 8،75%. هذا يعني أن "الجبهة" لم تنجح في اختراق الأحياء "المحسوبة" كداعمة لسلّام، ولا في رفع نسبة التصويت لصالحها في أحياء "محسوبة" عليها.
• بدراستنا لنتائج الإقتراع للعضوية لكل من "التجمع/الأهلية" و "شباب التغيير" في الـ 88 صندوقًا، وبمقارنتها بالنتائج للرئاسة في الصناديق نفسها، تأكدنا عمومًا أن ما لا يقل عن 45- 50% من المقترعين لعضوية التجمع و 35 – 40% من المقترعين لشباب التغيير صوّتوا لصالح سلّام.

هل كان للإنتماء الديني
تأثير على الخيار الإنتخابي؟
أولًا، نرفض تقسيم الناس حسب الإنتماء الديني، فجميعنا بشرٌ عربٌ .لكن هنالك من يُسيّس الدين ويحزبه، مستغلًا كون الناصرة بلدة يقطنها مسلمون ومسيحيون، وكانت قد لُدغت بافتعال التوتير الطائفي على خلفية ما عُرف بمسألة "شهاب الدين". وثانيًا، الأمر الأخطر بهذا الخصوص هو وجود حركات سياسية تسعى لإستغلال الدين خدمة لأجندتها الفكرية والإجتماعية والسياسية. وظهر هذا في الإنتخابات الأخيرة، تلميحًا وصراحةً أيضًا، في خطابات مرشحين ونشطاء إنتخابيين. أما عن التعبئة في الأحياء وداخل البيوت فحدث ولا حرج...
ثالثًا، لا أتهم أي ناخب عادي بالطائفية الإسلاموية أو المسيحوية، بل أتهم أشخاصًا – "قادة"- غرسوا وعمموا هذه الآفة وغذّوها خدمة لأجندتهم، واستعملوها مطية للفوز بمراكزهم. ولم تخف القوى الطائفية أي مرشح للرئاسة تحتضن، رغم كوْن المرشحين للرئاسة من أتباع الدين ذاته.ولم يخف مرشح ما في أي حضن يريد الجلوس حتى يفوز. وحصل سلّام على ما يفوق الـ 70% من الأصوات في الأحياء الإسلامية بغالبيتها، وعلى ما يفوق الـ 20% من الأصوات في الأحياء المسيحية بغالبيتها.
وأخيرًا لا يستطيع الباحث الموضوعي المعادي للطائفية إلا أن يعترف أن نتائج الإنتخابات في الصناديق والقطاعات نفسها، في المدينة العربية ذاتها، تشير إلى أن الإنتماء الديني – الطائفي كان له أثر كبير على خيار الإقتراع. لقد ارتفعت أو تساوت تقريبًا أو انخفضت نسبة الإقتراع عمومًا وكذلك نسبة منح الأصوات لهذه الجهة المتنافسة أو تلك في مختلف القطاعات، بالإرتباط مع إرتفاع أو مساواة أو انخفاض عدد المنتمين لهذه الديانة أو تلك. ولعمري هذا اقتراع معطوب ويشير إلى إستقطاب خطير طائفيًا وأجتماعيًا.
أنهي هذا الإضطرار لتطرقي لهذه المسألة القائمة، بقوْلي: كنتُ أفضّل أن يكون فوْز علي سلّام وقائمته "ناصرتي" بنسبة أكبر، وخسارة وليد العفيفي وقائمة "الجبهة" بنسبة أكبر... على أن يحدث هذا التقسيم الطائفي في خيار الإقتراع، وهذا الإستقطاب الأخطر على الناصرة والأسوأ أثرًا على عقلية ونفسية الأجيال الناشئة والشابة.
لذا أقول إن سلّام و"ناصرتي" والعفيفي والجبهة والنصراويون قد إنهزموا معًا إجتماعيًا ووطنيًا بغض النظر عن الفائز إنتخابيًا. وأحوج ما تحتاجه المدينة اليوم هو العمل المشترك وفق شعار مخيمات العمل التطوعي القديمة، الا وهو "يدًا بيد نحمي ونبني الناصرة".
والناصرة، يا هؤلاء ،لا تقطنها "غالبية" أو "أقلية" مسلمة أو مسيحية، وإنما تقطنها غالبية عربية فلسطينية مطلقة. ولا يصح تقسيمها وتجزئتها بين أتباع "ناصرتي" وأتباع "الجبهة" . والأهم من الإنتصار الإنتخابي لاي طرف كان هو الإنتصار للمدينة الواحدة الجامعة القادرة، بوحدتها الوطنية والأهلية، على تعميم أجواء التعاون والبناء لضمان حماية وبناء المدينة وصيانة مدنيّتها. ولن تنتصر الناصرة، بغض النظر عن الفائز بالأصوات، إلا إذا وَعت هذه الحقيقة.
فليفحص النصراويون وأطرهم الحزبية والأهلية والإجتماعية، وأيضًا رجال الدين من مسلمين ومسيحيين، بماذا قصّروا وأخطأوا حتى وصلنا إلى هكذا وضع راهن وآسن، وما هو المطلوب منهم ومنا، نحن المواطنون جميعًا ومعًا لصناعة غدٍ منشود لمدينة متآخية يطيب العيش فيها، ولا يزداد عدد العائلات التي تفكر بهجرتها.

متى يعي الرئيس أنه حقًا رئيس؟
أوردنا في المقال الأول السابق وفي هذا المقال الثاني العديد من الأسباب والعوامل التي قادت معًا إلى الإنتصار الإنتخابي لسلّام و"ناصرتي". وسنذكر المزيد منها في مقال قادم ثالث وأخير في هذه السلسلة. لكن يبقى السؤال: متى يعي سلّام مسؤولية إنتصاره بصفته رئيسًا لبلدية البلد ومسؤولًا أوليّاً عن ترميم ومعالجة ما خلّفته "معركته" الإنتخابية من جراح؟

حين انتصر سلّام انتصاره الأول في آذار 2014 وأخذ يوزع التهديدات ووعد بأن يعيّن وزراء للسياحة وللخارجية "لدولة" الناصرة. نصحته يومها في مقال لي أن الأولى به، حسب خطابه الإنتخابي العنيف وتهديداته، أن يعيّن وزارة للشرطة والأمن. ولكن الأجدى به أن يعي أنه أصبح رئيس بلدية. فبماذا ننصحه اليوم على ضوء تصاعد خطابه "الحربجي" الذي نطق به داخل مبنى البلدية بعد يومين من فوزه؟ (أوردنا فحوى ذلك الخطاب في المقال السابق).
ربما من الأجدى أن ننصحه بإقامة وزارة حربية وهيئة أركان عسكرية عامة، ووزارة معارف وتربية وتعليم لتدريس مصطلحات "طز فيكو" و"راح أورجيكو الزنباع مين وين بنباع" و "الناصرة أنا وأنا الناصرة"، يا "جراذين وذبان وصراصير" و"اللي مش عاجبو يرحَل"...
نعترف برئاستك يا سيادة الرئيس. وكل القوى التي نافستك إنتخابيًا باركت لك وأستعدت للتعاون معك لما فيه صالح البلد. فمتى تعرف يا فخامتك بأنك حقًا رئيس، ومن واجبك أن تتصرف كرئيس؟ وأن تعلم أيضًا أن ثلث أصحاب حق الإقتراع في البلد لم يصوتوا لك، وهم أبناء مدينتك – مدينتهم.
"يُطمئننا" أحد الكتاب أن "ناصرتي" (قائمة علي سلّام) – زائلة و"الجبهة" باقية. ويكتب مثقف وأكاديمي ما معناه أن الأغلبية أقترعت لسلّام، ولا يجوز القول عنه إنه على ضلال ومن ثم الإستخفاف بخيار الناس وبجمهور سلّام. ويضيف أن النظرية تساعد على فهم الواقع، ونتائج الواقع قد تنفي النظرية. جميل ومفيد هذا النقاش الثقافي المختلف. واسمحوا لي يا زملاء أن أختلف مع الرأيَيْن المختلفيْن في موقفكما.
أولًا: طبعًا الجبهة باقية، وهي ثلث البلد والبلدية حسب نتائج الإنتخابات المحلية. لكنها أكبر من ذلك بكثير على صعيد القضايا والمواقف القطرية العامة، وحتى على صعيد نجاحاتها الإنتخابية الجديدة البارزة في مختلف بلداتنا العربي. لكن ظاهرة سلّام وناصرتي ليست بزائلة، ولا بزلّة عابرة. ولا أستبعد فوزهما في إنتخابات عام 2023 إذا ما استمر حال الناصرة وأطرها السياسية والإجتماعية على هذا المنوال. ثمّ الواقع الذي أفرز ظاهرة سلّام وناصرتي، إسرائيليًا سلطويًا قطريًا ونصراويًا محليًا، كفيل بأن يمدهما بالفوز في جولات قادمة أو بخلق إطار آخر شبيه بهما وقادر على الفوز مثلهما.
ثانيًا، نظريات العلوم الطبيعية تختلف عن العلوم الإجتماعية السياسية و"الأقلية" و"الأغلبية" الرقمية في الإنتخابات ليست هي المعيار أبدًا لمصداقية النظرية. لقد – على سبيل المثال لا المقارنة – انتصرت النازية في إنتخابات ديمقراطية حرة في ألمانيا. وها هو واقع غالبية دول قارات العالم، بما فيه دولة إسرائيل، يثبت إمكانية فوز الرجعي والمتخلف والديكتاتور والعنصري والظالم والفاسد. ونعرف محليًا مَن انتصر في غالبية سلطاتنا المحلية. فهل نستبدل نظريتنا ومواقفنا بناء على هذا؟
لكن نعم على القوى التقدمية أن تفحص دومًا أسباب فشلها في تحقيق فوزها، وأن تعمق إرتباطها بالناس وهمومها. وقد تكون أسباب الفشل موضوعية. لكن حتى عندها لا يزول وجوب الفحص ومراجعة الذات بخصوص ماذا عليها أن تفعل حتى تسرّع من إمكانية الإنتصار على الظروف الموضوعية المعيقة، وإقناع الجماهير بصحة موقفها.
ثم ما من هيئة حزبية منافسة لسلّام ولناصرتي قالت عنهما وعن المقترعين لهما أنهم همج، أو أستخفت بهم. لكن رغم هذا يتهم البعض الجبهة بما لم تقله. ويصمت مثقفون راقون، يتجنون على الجبهة على إنفلات وسَقط ودناءة الكلام، والتهديد والترهيب المكتوب والمسموع أيضًا من خلال مكبرات الصوت في ساحات وأحياء المدينة من قِبل سلّام وجماعته. لقد ساهمتم يا زملاء بصمتكم، موضوعيًا ولا أقول ذاتيًا، بالمس بمدنيّة المدينة وثقافتها.
هل نبرىء "الجبهة" بهذا من أخطائها ومن زلاتها القديمة والجديدة التي ساهمت في فشلها الإنتخابي؟ وهل لا نطالبها بأن تحاسب نفسها وأن تعيد النظر بجرأة نقدية لمسارها وتنظيمها وفكرها ونهجها في العمل؟ لا أبدًا. هذا ما سنبحثه في المقال الثالث القادم والأخير.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة