الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 17:01

الشاعر كمال إبراهيم يضغط على زناد الشعر بديوان نسمة الروح : بقلم الأديب نادر ابو تامر

كل العرب
نُشر: 26/03/19 19:40,  حُتلن: 19:41

الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم يضغط على زناد الشعر فتنطلق من فوهة القصيدة أكاليلُ من الورد الجميل وباقات من التعابير الرومانسية التي يقصف من خلالها القاصي والداني حيث يكتب لكل مقام مقالا وقصيدة تختزل الحدث وتعطيهِ حقه الكامل. لا يترك الأحداث جانبا ولا يختار، عن قصد، الوقوف على قارعة القصيدة، ولا على رصيف الأحداث، بل يرغب ان يكون جزءا لا يتجزأ من الفعل الإنساني الغارق بالإحساس والمغمور بالعاطفة والمعمور بالوجدان.
وعلى سبيل المثال، اتصل بي لكي يشارك في تشييع جثمان المرحومة آية مصاروة التي طالتها يد الغدر، هناك، في المناطق البعيدة والمظلمة المشبعة برائحة الموت، استراليا. شَعَرَ، عندما وصل الخبر، وكأنَّ آية ابنتُهُ... هكذا كان شعورُهُ الإنساني النبيل فجلس في ساعةٍ متأخرة من تلك الليلة يُحدِّقُ في تضاريس القمر وينقشُ عليه من ريشتِهِ السحريَّة كلماتٍ تمنح العائلة المنكوبة حقها في بعضِ الرثاء الخارج من أعماقِ النفس البشرية فراح يقول في ديوانه "نسمة الروح":
رَحمَاكِ آيَةُ ،
يا ابنةَ بَاقةَ الغربيَّة ،
رَصَاصَةُ الغدْرِ طالَتْكِ
فِي بِلَادٍ قَصِيَّة.
آيَةُ ، يا زَهْرَةً ذوَتْ فِي بَعْثَةٍ جامِعِيَّة
بموتك هذا
تَزَعْزَعَت في كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبْ
أرْكَانُ البَشَرِيَّة،
آيَةُ ، يا شَمْعَةً طُفِئَتْ
لِرُوحِكِ السَّلامْ
وَلَكِ الخُلُودُ فِي الجَنَّةِ الأبَدِيَّة .
الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم يكتب من منطلق الانتماء، للأرض، للوطن، للرَّحيق للإنسان. ولا يهم، أكان ذلك في الشام، أو لبنان، لأنه يضع الألحان، المطعَمَة بالنيشان، ولا نسيان، لا في آذار ولا نيسان...
للبنان يكتب الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم احدى أجمل القصائد بالعامية التي تروي الحزن العربي عامة، والمحلي خاصة، في ظل تشظي الروح والريح القادمة من الشمال برائحة البارود وطعم الكبريت
الله يصُونَكْ يا لُبنان
يَا وَطَنِ الأرْزِ المَشْهُورْ
جبالَكْ الله يِحمِيهَا
مِنْ غَدْرِ المُحْتَلِّ المَأجُورْ،
والله يْنَوِّرْ أرْزَاتَكْ
تَيْعَشِّشْ فيهَا الشَّحْرُورْ.
والأستاذ الشاعر كمال إبراهيم مغرم حتى النخاع بالحب والهيام، بالوطن والسلام، بالعاطفة والوئام... يقول الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم في قصيدته بعنوان "شذا":
شَذاكِ بِدْعَةٌ لا تُشْتَرَى وَلا تُباعْ
يَهِيمُ القَلْبُ فِيهِ مُتَيَّمًا مُلْتَاعْ
أنَا الشاعر المُحِبُّ
كَتَبْتُ فِيكِ شِعْرًا
مِيزَتُهُ الإبْدَاعْ.
جَمَالُكِ صَلَاةُ الخَاشِعِينَ
لِلخَالِقِ المُطَاعْ .
وتغلب على الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم الشفافية المعبقة بالورد والحب الغائر في خاصرة الياسمين والتناقضات بين الجنة والنار حيث يقول في قصيدة "كوني جنتي":
كُونِي جَنَّتِي وَإنْ شِئتِ جَهَنَّمِي
فأنا وَأنتِ تبادَلْنَا حُبَّنَا الثَّائِرْ
أنَا المُتَيَّمُ فقابِلِينِي
لِآتِيكِ عَاشِقًا مُغَامِرْ،
ويُعنَى الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم كثيرا في قصائده بالموسيقى الداخلية للقصيدة والتي تتزنر وتتمنطق بالقافية المسجوعة التي تضفي على قامة القصيدة قلادة الايقاعات المنقوعة بالمشاعر.. ويستحضر دومًا وبدون كلل أو ملل قريته المغار لتكون مرجعية الروح كما جاء في قصيدته التي يحيي فيها حبيبته الجميلة بصباح مترع بالحضور:
صَباحَ الوَردِ والفلِّ والياسَمينْ
لأجْمَلِ امرَأةٍ
فاقَ حُسْنُها نِسَاءَ الكَوْنِ
في الشرْقِ والغَرْب ِ
وَفِي الصِّينْ.
عَرَبِيَّةٌ أسْكنَها الإلهُ
أجَمَلَ مَكَانٍ
في أعالِيَ الجَليلِ
في فلسْطِينْ،
وهذا ما وجده أيضًا الناقد الصديق الدكتور منير توما في قراءاته المتأنية والمستفيضة لبعض أعمال الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم حيث يقول:
يغلـُب على شعر الأستاذ كمال إبراهيم النزعة الإنسانية الظاهرة التي تنحو نحو التعاطف مع الألم الإنساني والثورة الهادئة على الظلم الاجتماعي والسياسي بكافة صورهِ وأشكالهِ. ونحن نجد في قصيدة المغار، أولى قصائد مجموعة حديث الجرمق دعوة إلى الوحدة الوطنية وتأكيداً عليها بين أبناء الشعب الواحد من كافة الانتماءات والطوائف، وفيها يعبّر الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم عن اعتزازه وفخره ببلدته التي يسودها التسامح والود والإخاء والكرم والشهامة. حيث ينتبه الناقد للنزعة الإنسانية الخالصة في قصائد الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم حيث يردف منوها: وهنا يريد الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم أن يشير بأنه ليس هناك أجمل من طفل ٍ يضحك، وليس هناك أشقى من طفل ٍ يبكي أو شيخ ٍ يُترك وحيداً معزولاً لا يُكترث بهِ يعاني من الابتئاس، كما أنه ليس هناك أروع وأحلى من مرأى الأطفال على أذرع الأمهات في هذه الحياة.
هذه الروح الإنسانية المشبعة بحب الناس وحب الوحدة والتسامح بين الأديان هي خلاصة القراءات المتباينة لأعمال الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم الذي يكافح من أجل ترسيخ الحس الإنساني الوافر الانتماء والنقاء والصفاء... سواء كان ذلك في الصباح أو المساء، كان يلقي قصيدته بين خلانه أو عبر الاثير على الهواء، فواضح ان ما يرفعه من اللواء، هو الحس المشغول بالإنسان في كلّ مكان، وفي كلّ زمان.
وهذا ما يشعِرُه بالحزن عندما يغادر هذه الدنيا صديقه الأستاذ الشاعر الفيلسوف ابن الكرمل الاشم معين حاطوم حيث يكتب لروحه توصيات من قاعدة الورد المصفى يستذكر فيها الأسماء الكبيرة الأخرى التي كتَبَت عنا ولنا:
حيث يقول في جنازة المرحوم :
مَا بَالُ الشُّعَراءِ يُوَدِّعُونَ مُبَكِّرًا !
هَلْ خَيالُهُمْ يأبَى العَيْشَ طَوِيلَا !
أمْ لِلْأقدَارِ عُمْرُهُمْ أُحِيلَا !
بالأمْسِ وَدَّعْنَا مُفِيدًا
وَسَلْمانَ مِنْ قَبْلِهِ
وَسَمِيحًا وَدَروِيشًا وَنَزِيهًا
وَاليَوْمَ مُعِينٌ لَفَّهُ الكَفَنْ...
مُعِينُ يَا فارِسَ الشِّعْرِ
يَا سَيِّدَ الحُسْنِ وَالكَرَمْ،
يَا بَاعِثَ النُّورِ فِي رَوَابِي الوَطَنْ،
وَدَّعْتَنَا فالقَلْبُ يَعْصُرُهُ الأَلَمْ.
القِرْطَاسُ يَبْكِيكَ وَالرِّيشَةُ وَالقَلَمْ .
في الحب نجده انسانا، وفي الموت نجده انسانا، يبحث عن الحياة، يبحث عن المستقبل لأبناء طائفته وشعبه.
وعند الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم يتضافر الوطن مع الحب وما فائدة الوطن بدون ان يُزرَع ترابُه بالمحبة، وما فائدة المكان دون المحبة بين بني الإنسان، كما يروي لنا في قصيدته: "لو تعلَمِين":
أنتِ شِعْرِي وَسَمائِي،
أنتِ وَحْيِي وَغِنائِي،
لَوْ تَعْلَمِينَ كَمْ أحِبُّكِ
يَا وَهَجِي فِي صَيْفِي وَشِتَائِي
حبيبةَ الرُّوحِ يا رعْشَةَ الوِجْدانْ
أنتِ عَشِيقَةُ القَلْبِ
وَأنا المُحِبُّ
مُذْ عَرَفْتُكِ
صِرْتُ أنا الشاعرَ الفَنَّانْ .
وهو شاعرٌ محب رومانسي يعيش الحب بأصغر تفاصيله وخير القصائد التي تدل على هذا المنحى والتوجه : القصيدة التي يحمل الديوان اسمها بعنوان "نسمة الروح" حيث يقول الشاعر فيها:
حُسْنُكِ أرجُوحَةٌ تَبْعَثُ فِي النَّفْسِ السَّلامْ
وَطَيْفُكِ قَصيدَةٌ نَقَشْتُهَا عَلَى الرُّخامْ.
سامِرِينِي في عَتْمَةِ الليلِ وَفِي المَسَاءْ
يا نَسْمَةَ الرُّوحِ يا أجْمَلَ النِّساءْ.
هذا هو الأستاذ الشاعر كمال إبراهيم الجميل والأصيل والنبيل كمال إبراهيم الذي اعرِفه منذ سنوات طويلة وكلما تقدم في السن، تقدم في التجربة، وكلما تقدَّمَ في الشعر تقدم في الإنسانية، وكلما تقدم في النشر تقدم في الجدوى والجودة, ولا شك بأن لنا معه عودة. لأنه شاعر لا يكِلُّ ولا يملّ. يناصِر الحق ويكافح من أجل العدل ويبذل عطاءَه من أجل الرقي بالإنسان، هُنا وفي كلّ مكان.
 

مقالات متعلقة