الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 03:02

قصّة نجاح

وئام نجيدات من عيلبون.. من ممرض إلى مصوّر اثنوغرافي يجوب العالم

رغدة بسيوني- كل
نُشر: 06/05/19 14:12,  حُتلن: 20:29

النّجاح هو الشّجاعة في تخطّي كُل العثرات التي تمرّ أمامك لتصل إلى هدف يجعل منك إنسانًا مكتفيًّا بذاتك، تقدّم الأفضل لك ولمجتمعك.


المصوّر وئام نجيدات

الشاب وئام نجيدات (29 عامًا) مصوّر وثائقيّ اثنوغرافي من بلدة عيلبون، مقيم في حيفا. وئام يجوبُ العالم بحثًا عن لقطات استثنائية، تنقلها عدسته المترصدة لأي شيء يقع في مداها، لتنقل بالضوء واقع البلاد التي قصدها، وطرق عيش أهلها، وعاداتهم وتقاليدهم، فضلاً عن آثارهم وتراثهم.

يبحث وئام عن القصة في مختلف أنحاء العالم، فهو يصور وجوه الأطفال ووجوه الطاعنين في السن- خصوصا الذين تستهويه تجاعيدهم وكأن الأيام نحتتها قصصًا تحكي ما كابدوه. بالإضافة إلى نقل الحكايات التي تدور داخل القرى البعيدة، وتوثيق عادات الشعوب والقبائل، والديانات الغريبة والمتنوعة وغيرها من الثيمات التي تحاكي الحياة اليومية في أي مكان في العالم.

شجاعة قرار ترك التّمريض بين ليلة وضحاها
أنهى نجيدات لقبه الأوّل في التّمريض بعد أربع سنوات من الدراسة في جامعة حيفا عد التخصصات، وبعد أربع سنوات في العمل بهذا المجال بين قسم الإنعاش والعناية المركّزة قرّر أن يتركه ويتّجه لمجال مختلف كُليًّا، للمكان الذي يجد نفسه ويلحق من خلاله بشغفه، التصوير.
يقول وئام: "في البداية واجهت الكثير من الآراء المُعارضة لمسألة تركي مجال عملي، بالذّات وأنّي بذلت مجهودًا كبيرًا فيه بِدءًا من دراستي للموضوع وحتّى العمل فيه الأمر الذي استمرّ لسنوات، وكان من الغريب والمفاجئ بالنسبة للآخرين اتّخاذي لهذا القرار، ولكنّي حاربت المجتمع والأفكار المسبقة وحتّى الأهل والأصدقاء من أجل الوصول للمكان الذي انا عليه اليوم، وأنا راض ومقتنع تماما بهذه الخطوة الجذرية التي أقدمت عليها".

منذ طفولتي تستهويني الصّورة وتوثيق اللحظات، وكل ما يتعلّق بالفنّ، ولكن لم تكن هناك توعية كافية وارشادات صحيحة لاختيار مجال الدّراسة أو التّوجيه المهني، ففي مجتمعنا الأفكار المسبقة مسيطرة على عقول غالبية الطّلاب، ولكنّي شخص مختلف أكره الروتين وأعشق الحياة والمغامرات والتغيير والقصص التي تروى من الشعوب على اختلافها

الإيمان في الحياة
وئام: "أنا إنسان اشتراكي، أؤمن بالعطاء وبتقبّل الآخر مهما كان، أتبع "الوئامية" وأبحث دومًا عن التّميّز، لذلك اخترت مجالا غير معروف لقسم كبير من مجتمعنا وهو التصوير "الاثنوغرافي" أي توثيق لأسلوب حياة لشعب من الشعوب أو مجتمع معين وترجمته من خلال صور أقوم بالتقاطها وتخليدها.

زرت الكثير من المناطق وانكشفت على الكثير من الحضارات والشعوب والثّقافات المختلفة ومعابد وأماكن مقدّسة بعيدة في شرق وجنوب آسيا، للدّراسة عن قُرب والتّعمّق أكثر في حياة كُل شعب أزوره. طموحي وشغفي شدّني إلى هذا المجال، ورغم أني لم أدرسه أكاديميًّا إلا أنّي اجتهد كُل يوم لأثقّف نفسي فيه، لذلك أنا أعتبر أنّ التّجارب الشخصية والمغامرات هي الأساس وليس الاحصائيات والنّظريات، واليوم أنا أقدّم مُحاضرات ومعارض تتعلّق بعلم حضارة الإنسان.

العين نافذة الروح
كُل صورة قمت بالتقاطها هي عبارة عن تجربة ومغامرة وحكاية وقصّة، فكل صورة بداخلها حضارة وثقافة، ذلك لأنّي أؤمن أنّ العين هي نافذة للروح وبأنّ الجسد الظاهر يحكي قصّة النفس المخفية، لذلك تستهويني تجاعيد كبار السن والقصص التي تروى من خلالها والتي تعكس ما عانوه في حياتهم. كذلك أميل كثيرًا للصّور بالأسود والأبيض التي نستطيع رؤية لون الرّوح ولون النّفس عبرها.

السّفر.. التّمويل.. وصعوبات في الطريق
من المهم أن أذكر بأنّي أسافر لكل مكان أريد أن ألتقط به صور من جيبي الخاصّ دون مساعدة من أحد، أتنقّل بين أماكن غير مألوفة وبعيدة ولا تخلو من المخاطر، وغريبة حتّى على الشعب الذي أزوره لأني أختار مناطق غير سياحية لم يعتد أهلها على وجود سيّاح فيما بينهم.
من الصّعوبات أيضًا التي أواجهها هي التّواصل، فغالبية القبائل أو المجتمعات النّائية التي أقوم بزيارتها لا تتكلّم اللغة الانجليزية فلا تبقى امامي سوى لغة الجسد لأتواصل معهم.
الطّعام غريب، إذ أنّي اضطر أحيانا لتناول مأكولات جديدة بها من الغرابة الكثير، بالإضافة إلى الاختلافات في الأجواء والطّقوس التي تمتاز بها كُل قبيلة. فمثلا التقيت بأشخاص من قبائل يؤمنون بالفئران والأفيال والبقر وكان علي احترام معتقداتهم، ذلك لأنّي أحرص على أن أظهر تقبّلي الكامل لهم وعدم إبراز الجوانب المختلفة أو أشعرهم بأني على صواب وأنتم خطأ.
من الصّعوبات أيضًا كانت في كيفية اختيار الشخصيات وإبراز خلفيّاتهم من وراء الصّور، إذ انّ اختياري للشخصيّات يتعلّق بعدّة أمور وفي الهدف من ورائها، في البداية أنظر إلى الشكل الخارجي للشخص فغالبا يدل الشخص في هذه المجتمعات والقبائل على حضارة معيّنة من حيث شكله، تفاصيل وجهه، ملابسه والحلي والعلامات الخارجية على أجسادهم التي ترمز إلى أساطير معيّنة يؤمنون بها، كذلك الأمر بالنّسبة للمشرّدين والمتسوّلين والتّجاعيد التي تقول الكثير عنهم وعن معاناتهم.

قصة.. صورة.. معرض
بعد أن دخلت إلى مجال التّصوير، وضعت هدفا بإقامة معارض عديدة أنشر من خلالها الصّور التي أوثّقها، لأنّي أؤمن بأنّ المعارض هي وسيلة لإظهار وعرض أعمالي بصورة لائقة وبجودة عالية، فمواقع التّواصل الاجتماعي بشكل أو بآخر تُفقد الصّور هذه الخاصيّة ومن غير الممكن أن تظهر الألوان كما هي في الصّور الأصلية، أو تظهر الفكرة بشكل كامل كما أريد إيصالها أنا. سبب آخر من حرصي على إقامة معارض لصوري، هي أنّ يدخل الشخص الذي يرى الصّور لعيون الأشخاص بداخلها ويحاول أن يقرأ الحكايات من وراء العيون.

لذلك أنا أهتم بزيارات دائمة للمعارض والمتاحف، وأصبحت واحدة من أهم هواياتي، التي أتعرّف من خلالها على طرق وقوانين التّصوير وحتّى على طرق لعرض الصّور، ومن المهم أن أذكر أنّني مواظب في كل يوم على دراسة لمدة أربع ساعات ونصف من خلال الكتب والأفلام الوثائقية، كما وأتابع أعمال فنيّة باختصاصات التصوير والرسم.
بالرغم من أنّ الإقبال في مجتمعنا على زيارة المعارض لا زال ضعيفًا، إلا أنّي أرى تحسّنًا ملحوظًا وفرقًا في المعارض التي قدّمتها وكان المعرض الأخير الاكثر إقبالا وأصبحت هناك علاقة طردية إيجابية ما بين عدد المعارض وعدد الحاضرين، لذلك وضعت نشر فكرة زيارة المعارض والتوعية في مكانة المعارض هدفًا أمامي وسأسعى لتحقيقه، كما وأني أهدف لتحويل المجهول إلى معلوم لدى الجميع وهذا سيساعد في تقبّل الآخر بشكل أفضل، كذلك أحد أهم أهدافي هو تعزيز مكانة اللغة العربيّة في مجتمعنا لأن في الثّبات على اللغة العربية تعزيزا لمكانتنا ومكانة مجتمعنا بين المجتمعات الأخرى. بالإضافة إلى هدف إحداث التغيير إلى الافضل بالمجتمع وإصلاحه، والتّوافق والتعايش معًا ورسم البسمة على وجوه الآخرين.

رسائل إنسان طموح لحوح
أنا إنسان لا أتنازل عن أحلامي وأهدافي، ولدي إصرار طوال الوقت لتعلّم المزيد والتطّور وإلحاح لمعرفة المعلومات بطرق صحيحة، بتُّ أشعر أنّ لديّ عدّة رسائل في هذه الدّنيا التي تكبر معي في كُلّ يوم وهذا يمنحني اكتفاءً ذاتيًّا.
أحاول قدر الإمكان تسليط الأضواء على قضايا مُجتمعية وفئات مُهمّشة وغير منكشفة على العالم بالشكل الصحيح، كان لدي مشروع عن المشرّدين والمنبوذين وإظهار هذه الفئة المهمّشة على قارعة الطريق بصورة مختلفة. والمشروع الأخير كان في موضوع تقبّل الآخر بالرّغم من الاختلافات العرقية والسياسية والدّينية.

رسالتي لكل شخص..
قوموا بتجارب مختلفة وعيشوا المُغامرات قبل الإقدام على أي خطوة جدّيّة في اختيار بيت أو شريك، انطلقوا إلى الحياة وعيشوها بكُل حيثياتها فالأمر لا يقتصر على مجتمع أو دين أو رأي، والحياة مليئة بالتّجارب المُهمّة والمُلهمة، غامروا، ولا تندموا على أي تجربة إنّما على كُل تجربة فاتتكم ولم تقوموا بها.
 

مقالات متعلقة