الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 22:02

فتنة المال الأكبر والأعظم والأخطر/ بقلم: موسى حجيرات

موسى حجيرات
نُشر: 19/05/19 12:00,  حُتلن: 10:25

موسى حجيرات:

المال كثير، في هذه الأيّام ، ووسائل كسبه متنوّعة. من العمل، مخصّصات التّامين، مخصّصات البطالة، ومخصّصات العجز، الإتّجار بالأسهم، وأكل الربا، أخذ الرشوة، السّرقة، الغصب، الاختلاس، وغير ذلك كثير

للفتنة معانٍ شتّى، سلبيّة وإيجابيّة. وأسرع ما يتبادر للذّهن، دائما عند ذكر الفتنة، معانيها السّلبيّة. فلكي لا نذهب إلى هناك، للمعاني السّلبيّة للفتنة نحدّد أنّ المبحث هنا معاني الاختبار والابتلاء. فالله تعالى يقول: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ". فالإنسان يفتتن أي يبتلى ويختبر.

يفتتن بالأمور المؤثّرة إيجابًا في شخصيّته، بالأمور الجذّابة، التي ترتاح لها النّفس، والتي يزيّنها الشّيطان ويزخرفها. فهناك فتنة النّساء الجميلات، وفتنة كثرة الأولاد والذّريّة، وفتنة الصّحة والعافية والقوّة واللياقة والوسامة والجمال، وفتنة العمارة والسّيارة، والدّور والقصور، وفتنة الجاه والمنصب.
ولكن تبقى فتنة المال هي الأكبر والأعظم والأخطر. فالمال يوصل إلى حدود بعيدة. يوصل إلى السّعادة الدّنيويّة الافتراضيّة حيث يظنّ بعضهم أنّه أسعد النّاس ولكنّه لو عاد لواقعه لوجد أنّه أتعس النّاس، كما يوصل المال إلى التّرف، والبذخ، والإسراف، والتّبذير الشّيطاني، وإلى التّلذذ بكافّة أنواع الألبسة، والأطعمة، والأشربة.
وربّما يوصل إلى الحرام، كالإتّجار بالمال، وتعاطي الرّبا، واتّباع سبل المكر والخديعة والّحيل. وربّما المخدّرات، والمسكرات، والوقوع في المحظورات.
ومع كلّ ما للمال من قيمة وعظمة فإنّه ليس من الأمور الأساسيّة الضروريّة في حياة الانسان. والأساسيّة، هنا، أي التي في وجودها حياة وفي عدمها موت، وهي الشّبع، والكسوة، والارتواء، والاِسْتِظْلاَلُ أيّ الجُلُوسُ في الظِّلِّ لِلتَّظَلُّلِ بِهِ وعدم معاناة الحرّ.
لقد جمعها الله تعالى في سورة طه وهو يصف حياة آدم في الجنّة: "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى".
فالمال من الأمور المفطور على حبّها الانسان. فقد قال تعالى: "وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا". بالإضافة لحبّ الجاه الذي يتجسّد في قول فرعون لقومه: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"، وكذلك: "مَا أُرِيكُمْ إِلاَ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَ سَبِيلَ الرَّشَادِ".
وحبّ النّساء، أيضًا، وهو تلبية للشّهوة الجنسيّة التي هي نداء غريزيّ لإدامة الذّريّة وحفظ النّسل وكذلك للمتعة المجرّدة. فقال صلى الله عليه وسلّم: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكمُ النِّسَاءُ..".
وكذلك حب الوطن، وهو من الأمور الفطرية التي جُبِلَ الإنسان عليها. وقد بدا ذلك واضحًا في قوله صلى الله عليه وسلّم لمكّة المكرّمة: "ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سَكَنتُ غيرَك".
وأخيرً، حب الحياة. فقد قال تعالى: "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ".
إنّ حكمة الله واسعة حيث جعل المال ثمنًا للجنّة. فبذل الأموال، والنّفقة في سبيل الله، وإخراج زكاة المال، والتّبرع للمشاريع الخيريّة، ومساعدة ذوي الحاجات، والرعاية الماديّة للأقرباء والمقرّبين، كلّ ذلك يوصل المنفق إلى الجنّة، لقوله تعالى: "إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ".
فقد طلب الله تعالى النّفقة في سبيله وحثّ عليها وبيّن قدرها وقيمتها في الآخرة. فقال: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".
وهذه النّفقة هي التضحية بالمال. وقد قيل فيها: "هي أن تملك جزءًا من مالك لغيرك بغرض أن ينتفع منه دون أن تأخذ مقابل ذلك أجرًا، وذلك ابتغاء مرضاة الله فقط". وقد ورد مدح الله تبارك وتعالى لعليّ بن أبي طالب بقوله: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا".
كما قيل في التّضحية أنّها من الأمور التي تقرّب العبد إلى الله تعالى، وترفع درجته عند ربّه. وهي استجابة لتشجيع الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، إذ قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
ومن ناحية أخرى حذّر من عدم الإنفاق، من الشّح والبخل والحرص الشّديد على المال وجمعه. يقال: " المال مال الله مستودع بأيدينا، افلا ننفق من مال الله على عباد الله ونثاب على عملنا بجنة عرضها السماوات والأرض. فقال الله تعالى في ذم الكانزين لموالهم: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ".
إنّ الإغراء بالمال خطير لأنّه محبّب إلى النّفس، فتحرص عليه. فالرّسول، صلى الله عليه وسلّم قال: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا". وقال، أيضًا: "إنّ لكلّ أمّة فتنة وفتنة أمّتي المال".
إنّ المال كثير، في هذه الأيّام ، ووسائل كسبه متنوّعة. من العمل، مخصّصات التّامين، مخصّصات البطالة، ومخصّصات العجز، الإتّجار بالأسهم، وأكل الربا، أخذ الرشوة، السّرقة، الغصب، الاختلاس، وغير ذلك كثير.
وفي المال، بشكل عام، خطورة كبيرة على الدّين إذ يقول الله عز وجل: "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. كما تعدّدت طرق الحيل والمكر، والخداع، والكسب غير المشروع. وكثرت أبواب الحرام في المال. فقال صلى الله عليه وسلّم: "تعس عبد الدّينار، والدّرهم، والقطيفة، والخميصة، إنْ أُعطِي رضيَ، وإن لم يُعطَ لم يرضَ".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com  

 

مقالات متعلقة