الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 21:01

أكيد... نحن حطب الحرب القادمة/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 29/05/19 14:09,  حُتلن: 14:12

بعد حرب 2006 تم التوجه إلى جميع السلطات المحلية للعمل بشكل حثيث وسريع على تحصين الجبهة الداخلية لتقليل عدد الضحايا من المدنيين في أي حرب قادمة. الخطوة الأولى في هذا المجال كانت إقامة أطقم طوارئ في كل سلطة محلية صغيرة كانت ام كبيرة، حسب قرار الوزارات المختصة. بعد ذلك مباشرة خصص لهذه الأطقم أيام استكمال وأيام دراسية بشكل متواصل.

سلطاتنا المحلية العربية أقامت أطقم الطوارئ كما يتطلب الأمر لأنها ألزمت بذلك، وألزمت كذلك بالمشاركة في أيام الاستكمال والأيام الدراسية لكنها تعاملت معها كأيام نزهة وتقطيع وقت. ولا توجد سلطة محلية واحدة عربية أخذت الأمور بشكل جدي. يبدو ذلك في تعيين أفراد الأطقم وأساليب إقامتها وإدارتها. لأن إقامة أطقم الطوارئ ليس توزيع مناصب كما فهموه في سلطاتنا المحلية وإنما هي مسئولية كبيرة لأنها تتعلق بالحياة والموت. لكن كما يبدو فان الحياة لا قيمة لها في عرف رؤساء سلطاتنا المحلية.

تحصين الجبهة الداخلية لا يكون بإقامة أطقم طوارئ فقط ورؤساء سلطاتنا يعرفون ذلك جيدا. يعرفون أن طاقم الطوارئ في أي سلطة محلية هو جزء بسيط من عملية تحصين شاملة ومتكاملة تستدعي إقامة الملاجئ المحصنة في كل حي أو حارة ليكون من الممكن للمواطن الوصول إليها في ساعة الخطر. هذه الملاجئ تكون مزودة بكل المستلزمات التي يحتاجها الإنسان للبقاء لساعات وربما لأيام بعيداً عن بيته. وتستدعي كذلك تحضير بنية تحتية ملائمة متكاملة وشاملة.

لقد صدرت التعليمات ورصدت الميزانيات منذ العام 2006 لإقامة هذه البنية التحتية ولكن لم تقم سلطة عربية واحدة كما أعرف بالتحرك في هذا المجال أو بإقامة أي ملجأ عام على الأقل. لذلك فإن جميع قرانا ومدننا العربية اليوم وبدون استثناء خالية من الملاجئ العمومية المحصنة ليس لأننا لم نتلق الميزانيات وإنما لأن رؤسائنا لم يقدموا الطلبات لأنهم غير مقتنعين بأهمية الموضوع فحياة المواطن أرخص بكثير من أن تشغل بالهم.

مع إقامة الملاجئ هنالك حاجة لتسمية الشوارع وترقيم البيوت وتوفير أكثر من مخرج ومدخل لكل قرية أو مدينة لتمكين سيارات الإسعاف من الدخول والخروج بسرعة. وهنالك حاجة لتوفير حلول لأفراد عائلات العاملين في أطقم الطوارئ لأن من لا يجد الأمان والأمن لأسرته لا يمكنه أن يساعد على توفيره للآخرين.
هذه المتطلبات لا يمكن تنفيذها خلال فترة وجيزة وتحتاج إلى سنوات من العمل المتواصل. وربما لذلك لم ينفذها أحد من الرؤساء الذين يفضلون المشاريع السريعة أو قصيرة الأمد التي يمكن تنفيذها بسرعة وكسب رضا قطيع الناخبين قصير النظر.

في الحروب السابقة ليس صدفة أن عدد الضحايا من العرب لم يتناسب ونسبتهم بين السكان. وفي الحرب القادمة وآمل ألا تحدث سنكون نحن حطب هذه الحرب لسبب وحيد هو أن رؤسائنا لم يهتموا بتحصين قرانا ومدننا لأن موضوع الأمان لا يقلق المواطن المشغول بمصالحه الفردية السخيفة، وما دام المواطن غير مهتم بحياته وحياة أسرته والأمر لا يؤثر على قراره لمن يعطي صوته فإن جميع رؤساء سلطاتنا لم يلتفتوا إلى هذا الموضوع المصيري بتاتاً.

إنها أكبر جريمة نكراء يقترفها رؤساء سلطاتنا المحلية بحق رعايا هم مسئولون عن حياتهم. لقد قرروا أن يكون معظم ضحايا الحرب القادمة إن حدثت من المواطنين العرب وهو أمر خطير لا يمكن تفسيره أو فهمه. إنها قمة الاستهتار والاستخفاف بالحياة.
في المدن والقرى اليهودية تنتشر الملاجئ العامة المحصنة في كل حي وفي كل شارع ومزودة بكل ما يحتاجه المواطن للبقاء لفترة طويلة بعيداً عن بيته. وهنالك أطقم طوارئ مدربه على العمل في بيئة تتوفر فيها البنى التحتية التي توفر لها العمل بشكل سريع وناجح. والأهم من كل ذلك هنالك وعي عام بأهمية الحياة وكيفية المحافظة عليها وصونها. ورغم ذلك يتحدثون ويعلنون ان الجبهة الداخلية غير جاهزة. أما في قرانا ومدننا فلا يوجد شيء مما ذكرناه عدا أطقم الطوارئ التي لا تعدو كونها مجموعة من الأفراد غير المؤهلين بمعظمهم والمتناحرين فيما بينهم على المناصب، والذين يريدون أن يفشلوا أحدهم الآخر لجهلهم التام لأساليب العمل الجماعي. أضف إلى كل ذلك الازدحام الشديد في كل القرى والمدن ووجود الكثير من البيوت القديمة التي ستنهار كليا في حال تعرضها حتى للقذائف الخفيفة. كما أن المواطن العادي ليس لديه الوعي الكامل لأهمية الحياة ولا يعرف الأساليب والطرق للمحافظة عليها. كل هذه المعطيات تؤهلنا أن نكون حطب أي حرب قادمة. وكلماتي هذه لن تثير اهتمام أحد ولن تقدم أو تؤخر لان من يستهتر بالحياة لا يمكن أن تتأمل منه ان يكون جدياً في أمور أخرى.

في حرب 2006 سقط عدد من القتلى بسبب استهتارنا وعدم التزامنا بتعليمات الحيطة والحذر وتلك لم تكن حرباً شاملة ولم تتعرض قرانا ومدننا لموجات من القصف الصاروخي والقذائف. وكنا يجب أن نتعلم مما حدث ونبي الملاجئ ونتخذ جميع التدابير المطلوبة لحماية أنفسنا لأن القذيفة حين تسقط لا تميز بين مواطن وآخر ولا بين مدني وعسكري. لكننا لم نتعلم ولن نتعلم كما يبدو.

هنالك جانب آخر لا يقل أهمية وهو الأمن الغذائي في قرانا ومدننا. هذا الأمن غير موجود إطلاقاً بعد ان تحولنا إلى مجتمع مستهلك من الدرجة الأولى يعتمد اعتماداً كلياً على ما لا ينتجه. كما أن التطور غيّر كثيراً من نمط حياتنا إذ لا يوجد بيت تقريباً لا يشتري ما يحتاجه من أغذية بشكل يومي. كنا نخزن في بيوتنا جميع المواد الغذائية التي تكفينا لعدة أسابيع إن لم يكن لعدة أشهر. كنا نشتري الطحين بالكيس الذي يحتوي على خمسين أو ستين كيلو غرام فصرنا نشتري بالربطة التي تحتوي على عشرة أكياس ذات الكيلو لكل كيس. وتوقفنا عن ذلك بعد ان انتشرت المخابز في كل حارة وشارع وتوقفنا عن صنع الخبز في بيوتنا وصرنا نشتري ما نحتاجه من خبز يومياً. لم يسأل أحد نفسه: ماذا سيحدث لو توقفت هذه المخابز لعدة أيام او لعدة أسابيع؟

كذلك هو الحال بالنسبة لمياه الشرب. فبعد أن حولنا آبارنا إلى خزانات مجاري قبل ربط قرانا بشبكة الصرف القطرية لم نعد نحتفظ في بيوتنا إلا ببعض زجاجات المياه في الثلاجة للاستهلاك اليومي. حتى أن الكثيرين استغنوا عن هذه الزجاجات بعد شرائهم لأجهزة تنقية وتبريد الماء المربوطة بشبكة المياه العامة. هذه الشبكة تتوقف عن العمل في حال توقفت شبكة الكهرباء عن العمل. فهل تخيل أحد منا ما الذي سيحصل في حال توقف وصول المياه لقرانا ومدننا لعدة ساعات ولا أقول لعدة أيام؟
لا شك أننا حطب الحرب القادمة، لأننا إن لم نمت بالقذائف والصواريخ فسنموت من الجوع والعطش. هذا هو ثمن تمسكنا واختيارنا لرؤساء مستهترين لسلطاتنا المحلية، وثمن تخلي نسائنا عن مهنة ربة المنزل التي تعد أشرف مهنة ولا تتناقض مع عمل ومكانة المرأة ولا مع مدى تحصيلها الأكاديمي وتحررها. هذا التخلي والجهل بمهنة ربة المنزل المدبّرة والمديرة، جعل بيوتنا خاوية تماماً من المؤن والأغذية إلا ما تحويه الثلاجة.
 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة