الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 18:01

إلى متى هذه العبثية!/ بقلم: عوض عبد الفتاح

عوض عبد الفتاح
نُشر: 05/07/19 17:39,  حُتلن: 22:25

تدل جميع المؤشرات، في اللحظة الراهنة، على أن عتاة السياسة العربية داخل الخط الاخضر ماضون نحو حالة عبثية اشد بؤسا مما كان عليه في الانتخابات الاخيرة . لقد ظنّ البعض أن الحالة السابقة، حيث احتل تفكيك المشتركة ،عن سبق إصرار، واجهة هذه الحالة ، ذروة التدهور السياسي والاخلاقي. فإذا بِنَا نمضي بصورة متسارعة نحو منحدرات اكثر خطورة ، هذا اذا لم يتم تدارك الامور قبل فوات الاوان. اذ في الوقت الذي حدد الجمهور المسئول المباشر، عن تدمير المشتركة ، وسماه بالاسم ( الطيبي )، ووجه الادانات القاسية الى سلوكه، تقوم لجنة الوفاق بمكافئته، ومنح حصة غير معقولة للجبهة، على حساب حزب التجمع .

واذا أردتُ التحدث من زواية الاحزاب المشاركة في الانتخابات ، مع انني سبق وأعلنت موقفي القائل بنفاذ جدوى المشاركة فيها بعد ان بات التمثيل في الكنيست غطاءً للعدوانية المستشرية، وعائقاً لتطور النضال الشعبي ، ناهيك عن إفساد النخبة على مذبح التقاتل على مقاعد الكنيست ، فإن المنطق يقول بضرورة توفير كل المقدمات والشروط لاستعادة ثقة الناس الذين ما زالوا يؤمنون بجدوى المشاركة . غالبية احزاب المشتركة لا تعي ما يشكله ذلك حتى على مصلحتها الانتخابية ، اذ أن المزيد من الناس ستبتعد عن القائمة المشتركة وعن العملية الانتخابية، وبالتالي هي لن تحصل في الانتخابات القادمه على ما منحته لجنة الوفاق لها بدون وجه حق ، اذ قد تتجمع المزيد من المبادرات لمقاطعة الانتخابات بسبب هذا العبث الكبير ، وبصورة أقوى من الانتخابات الاخيرة ، ولن تُجدِ نداءات الاستغاثة في اللحظة الاخيرة .

ولكن الأمر أخطر بكثير من مسألة المقاعد. ولو كانت الامورعلى هذا النحو ، لكانت أقلّ خطورة . الخطر الحقيقي هو في تبلور توجه، بين غالبية مركبات المشتركة ينحو باتجاه الكتلة المانعة، والهبوط بالخطاب السياسي الوطني استجابة لتوقعات قوى صهيونية ، يسارية ويمينية على حدٍ سواء، تعمل بكل الوسائل على تدجين القيادات، مثل : الإغراءات المادية ( زيادة ميزانيات ) او عبر التحريض والتخويف . والهدف هو ادماجنا بالسلام الاقتصادي، مقابل التخلي عن حقوقنا القومية وهويتنا، لتُختزل في ممارسة فولوكلورية فارغة، وخطابات عاطفية خاوية عن الصمود، لنستفيق بعد حقبة من الزمن واذا بِنَا، بلا هوية، واكثر تشتتاً وفرقة وبعدا عن انتمائنا وعن حقوقنا الجماعية في وطننا. بل ربما مجرد مستهلكين، عبيدا، لبضائع ينتحها نظام الابرتهايد ، الرأسمالي العنصري ، الصهيوني . وبما أن الهوية لايٍ شعب ، ليست أمراً ثابتاً وقابلة للتغير للأفضل او للأسوء ، فإن هويتنا الوطنية ، التي يشكل التمسك بها وتطويرها، شرطاً للوجود والتطور القومي ، الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي ، فإنه في حالة المضيّ في هذه النهج الهابط ،سنخسر العالمين : عالم الحقوق اليومية وعالم الحقوق الجماعية، هذا ناهيك عن احتمال فك الارتباط مع بقية شعبنا الفلسطيني الذي يجاهد بالأرواح والدماء من أجل حريته وحياته .

ويبدو أن لجنة الوفاق او غالبية أعضائها، منخرطون في المراهنة على هذا التوجه ، توجه الانفتاح ، او بالأحرى الانفلاش، على اليمين الاسرائيلي، سواء ذلك الموجود في الحكم أو ذلك اليمين ( كحول لفان ) الذي يسعى الى الحلول مكانه في الانتخابات القادمة ، لانه يعتقد أنه افضل في توحيد المجتمع الاسرائيلي ، وأفضل في عرض صورة اسرائيل في الخارج كدولة ديمقراطية ويهودية ، وايضا انه قادر على تحطيم عدوها، تحديداً المقاومة الفلسطينية في غزة، لصالح سلطة رام الله، التي، على خلاف توجه حكومة نتانياهو ، تُجمع قيادات الجيش والمخابرات الاسرائيلية، بأنها ضرورة أمنية للوجود الاستعماري الاستيطاني.

التجمع الوطني الديمقراطي لديه تحديات وصعوبات ليست قليلة ، وهي نتاج حملات الملاحقة والتحريض و محاولات اسرائيلية محمومة لنزع الشرعية عنه ، وإظهاره كحزب متطرف ومضر بمصالح المواطنين العرب ، مما ساهم في دفع قيادات في الاحزاب الى التبرؤ منه ومن مواقفه والسعي للتأكيد بانهم معتدلون وعقلانيون . ونتيجة هذه الحملات ، وإخافة الناس ، حصل بعض الانحسار في قاعدته الجماهيرية ، فبدى للخصوم انها الفرصة المواتية للتخلص منه ، اذ ينظرون اليه على أنه عبئٌ على نهجهم غير السياسي . طبعاً، لهذا الانحسار النسبي في قاعدة التجمع ، اسباب داخلية بالتاكيد ، اخطاء وقصورات وسوء تقدير احيان ، تتحمله القيادة ، وهذه الأخطاء او القصورات موجدة في كل حزب وحركة دون استثناء . ولكن يخطئ من يعتقد أن التجمع عاجز عن النهوض مجددا . لان التجمع انتج ورسخ خطاباً وطنيا جذرياً ، وبات خطابه، خطاب دولة المواطنين ، كنقيض للصهيونية ، مهيمناً .
وفِي سياق قياس قوة الاحزاب ، وفاعليتها على الساحة السياسية والجماهيرية ،يغريني طرح الصورة التالية عن احزاب منحت اكثر من قوتها.

نعم الجبهة قوة مركزية، وقديمة ، لكن كيف نفسر فشل كل النشاطات الجماهيرية التي دعت اليها لجنة المتابعة التي يرئسها جبهوي ، هو السيد محمد بركة ، والقائمة المشتركة التي كان يرئسها النائب ايمن عودة، في السنوات الأربع الاخيرة . هل نسيتم مظاهرة تل ابيب الاخيرة ، التي حضرها عشرات فقط ، نشطاء وقادة احزاب ورؤساء بلديات ! لا نتحدث عن وقفات وتظاهرات صغيرة لا تدوم أكثر من ساعة ، اذ باتت اشبه بطقوس بلا روح او هدف ، سوى رفع العتب .
في نظري ، كما في نظر غالبية المراقبين، والنَّاس عموما، أن الجسم السياسي العربي، بمكوناته المختلفة، بما فيه داخل الخط الاخضر، بما فيه حزب التجمع يعيش أزمة حقيقية ، أزمة فكر ، وازمة بنيوية ، وازمة قيادة . إن مواصلة انكار هذه الازمة ، واعتقاد البعض ان هناك فرصة مواتية لمحاصرة قوى وطنية مركزية ، فقط بسبب جذرية موقفها ، هو سلوك غير مسئول وقاتل ، سيرتد على أصحاب هذا الاعتقاد.

وجملة اخيرة ، إن ما يزيد الطين بلة هو ظهور محاولات، للإجابة على هذه الازمة ، عبر افتعال توليفات غير مقنعة ، ستؤدي باعتقادي الى تعميق الازمة واحتراق رموزها .
ربما ، وهذا ما اعتقده ، ان الإجابة على الازمة تكمن في توليد حركة شعبية يكون في صلبها طلائع الجيل الجديد ، وكل طاقات شعبنا الاكاديمية والمثقفة الملتزمة والمتزنة ، لخوض حملة اعادة بناء لجنة المتابعة العليا ، تبدأ بنشر الوعي بأهمية انتخابها مباشرة، وبضرورة إقامة الصندوق القومي، بحيث نشارك جميعا ، سواء الذي ن يخوضون انتخابات الكنيست او الذين يقاطعونها ، في انتخاب القيادة التي تمثلنا وتعكس ارادتنا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة