الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 22:01

خسرنا صديقا من النوع الفريد لروحك الرحمة والسلام أبا غسان/ بقلم: وديع عواودة

وديع عواودة
نُشر: 11/09/19 13:14,  حُتلن: 17:32

" الدروز الفلسطينيون بين البندقية الإسرائيلية وبين المحراث الفلسطيني "

رغم المعرفة المسبقة بالمحنة التي ألمت بالصديق الغالي قيس فرو( أبو غسان) فقد صفعتني رسالة حملها " الوووتسب أب " الصادرة من هاتفه الخاص وتبلغ برحيله وسرعان ما فهمت أنه رحل وأن نجله طارق على هدي وأخلاق والده أبلغ أصدقاء الراحل مبكرا بأن الموت خطف منا إنسانا كبيرا ومحاضرا مميزا. المعرفة بـ أبو غسان طويلة ومتشعبة وأتاح السفر معا لسورية قبل سنوات طويلة للتعرف عليه بعمق. أبو غسان صاحب الابتسامة البريئة الدائمة والمتسامح دوما طالما كانت عشرته لينة وحلوة ويشع دفئا وودا وحبا ولهجته تقطر بكل ذلك.
ترك برحيله أسرة محترمة مفجوعة وأصدقاء كثرا يبكونه وعددا هائلا من الدراسات والأبحاث. ولد فرو لعائلة من الطائفة العربية المعروفية عام 1944 لكنه منذ أن شب تميز بتوجهاته العروبية والوطنية وتمثل ذلك في كل مسيرته وأبحاثه. رحل وهو في عز عطائه فقد كانت عدة مشاريع بحثية بين يديه ومنها كتاب عن الدروز الفلسطينيين سيصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعدما صدر باللغة الإنجليزية وسيصدر قريبا بعنوان " الدروز الفلسطينيون بين البندقية الإسرائيلية وبين المحراث الفلسطيني". وقبل ذلك كتب فرو مئات المقالات ونحو عشرة كتب أولها وأهمها بعنوان " الدروز " وقد بات مرجعا دوليا لكل من رغب بالاطلاع عن الدروز خاصة الفلسطينيين والاستزادة بالمعرفة عنهم وقد صدر هذا الكتاب بالإنجليزية عن دار النشر العالمية الهامة في هولندا" دار بريل ". وفي كتبه ودراساته ومحاضراته دافع فرو بقوة عن عروبة الدروز وهويتهم القومية الحقيقية وتصدى لمحاولات " درزنتهم " وتحويلهم لشعب مستقل عن شعبهم العربي الفلسطيني. وبعدما أنهى المرحلة الثانوية في المدرسة الأورثوذوكسية في حيفا حاز على اللقبين الأول والثاني في المدينة قبل أن يسافر لفرنسا لحيازة اللقب الثالث ولم يكن وقتها يعرف الفرنسية فتعلمها وأجادها بسرعة وعاد من فرنسا بـ دكتوراة بعدما أنجز أطروحة اقتصادية- سياسية عن تصدير الحرير من لبنان لفرنسا في القرن التاسع عشر كما يؤكد زميله المؤرخ البروفيسور محمود يزبك ويتابع " أبو غسان إنسان محبوب وصاحب ابتسامة،مسامح ومتسامح وكل من عاشره استشعر ذلك وقد زاملته في جامعة حيفا 30 سنة ولم أختلف معه حول صغيرة أو كبيرة ". وينوه يزيك أن الراحل فرو قد ألفّ 120 بحثا وسبعة كتب إضافة لعدة كتب تحت الإعداد مشيرا لتميزه كمؤرخ مختص في التاريخ الاقتصادي- الاجتماعي ويضيف " لم يعقد مؤتمر في العالم حول الدروز إلا وتمت دعوته وربما تجاوز عددها المائتي مؤتمر لأنه فعلا من ألمع المؤرخين والأسماء الأكاديمية في مجال التاريخ الاجتماعي خاصة في فلسطين وقد انتمى للمؤرخين الذين اعتمدوا في كتاباتهم على الوثائق والأرشيفات رغم محبته واحترامه للرواية الشفوية وهو بالمناسبة كان المرشد للباحث الإسرائيلي تيدي كاتس الذي أعد ماجستير حول مذبحة الطنطورة في نكبة 1948 ". وقال الدكتور رباح حلبي أمس إنه زار الأخ والصديق البروفسور قيس فرو قبل أسابيع برفقة الصديق مرزوق حلبي وكان باديا عليه الارهاق والتعب، رغم ذلك تحدث بحيوية وحماس عن كتابه الجديد عن الدروز في اسرائيل. تحدث عن إنصاف القائد الفذ سلطان باشا الأطرش وفضح روايات المغرضين ضده. ويشير رباح حلبي ابن دالية الكرمل أن البروفسور قيس من أهم المؤرخين والمفكرين في العالم العربي، وهو اهم وأبرز من كتب عن تاريخ الدروز، وكتاباته في الموضوع تعتبر المراجع الأساس. ويضيف " جاء قيس ليضع حداً لكل ما كتب عن الدروز من قبل الباحثين اليهود المستشرقين، جاء ليتصدى للخطاب الصهيوني الجائر والمحرف لتاريخ الدروز. فهنالك الابحاث والكتابات عن الدروز في إسرائيل ما قبل قيس وما بعده. واعتبر رباح حلبي أن ما ميز قيس النزاهة والبحث عن الحقيقة، وبذلك هو حظي على مصداقية عالية ويضيف " قيس كان مؤرخاً مرموقاً لكن ارتقى ايضاً الى مصاف المفكرين، وذلك من خلال كتبه الأخيرة التي خاضت في المعرفة التاريخية، وبالأخص كتابه العظيم الذي كان اول ما نشر بالعربية: اللغة العربية حول المعرفة التاريخية: مقاربات فلسفية، علمية وأدبية". وخلص حلبي للقول " كان قيس صديقا لكن وبالأساس شكل منارة لي في الساحة الاكاديمية وقد كتب في التاريخ وأنا في التربية، لكنني اعتنيت كثيراً في هويتنا الدرزية في كتاباتي وفي هذا المجال كان استاذي وبوصلتي، واعتمدت كثيراً على كتاباته الملتزمة والصادقة ".
نعي " مدى الكرمل "
وينعى مركز " مدى الكرمل" الباحث والمؤرخ الكبير البروفيسور قيس فرو الذي توفي اليوم تاركا وراءه إرثا كبيرا من الأبحاث والإصدارات الأكاديمية عبر سنين حياته التي سخرها لخدمة مجتمعه العربي وتابع " مدى الكرمل " حيث كان يعمل باحثا هناك أيضا بالإضافة لجامعة حيفا" لقد كان للفقيد دور وإسهام كبير في مركز مدى الكرمل من خلال مشاريع مختلفة ". ويشير " مدى الكرمل " أن الراحل فرو كان عضوا في الهيئة العامة فيه وكان في السابق عضوا في الهيئة الإدارية للمركز و بفقدانه فقد شعبنا هامة معرفية ووطنية كبيرة ". وتوضح مركز الأبحاث التاريخية في " مدى الكرمل " ايناس خطيب أن الراحل أبو غسان كان نشيطا يبدأ يوم شغله في ساعات الصباح الباكر. وتابعت " في يوم كنت بحاجة لمشورته للتأكد من صحة معلومة كتبت في مقال كنت أراجعه، كانت الساعة السابعة صباحا وحينما هاتفته لم يرد. وبعد ما أغلقت الخط رن تلفوني رأسا مكالمة من قيس من خلال تطبيق الواتس أب يبلغني فيها أنا خارج البلاد في بريطانيا وأعمل على وضع كتاب عن الدروز، والساعة عندي الخامسة صباحا وأعد الآن القهوة. وطبعا مثل كل محادثة دارت بيننا كنت أحس انه يعطيني درسا تاريخا خاصا ممزوجا بروح فكاهية نادرة. نعم يا قيس "نحن عرب أقحاح مع تشديد على القاف " كما كنت تدأب على القول دوما ".
خطاب المرتزقة
وفي حديث سابق له من العام الماضي دعا فرو ضمن حديث طائفته العربية الدرزية لخلع خطاب المرتزقة، والانضمام لنضال المواطنين العرب ضد قانون القومية. وقال إن المواطنة المتساوية حق وليست هدية أو مكرمة أو مقابل التضحيات بالدم، مؤكدا على ضرورة تلاقي الدروز مع مجتمعهم وشعبهم في نضال مدني موحد ضد قانون الدولة اليهودية الذي يكرّس مكانة الدروز كـ " مرتزقة " يقدمون خدمات عسكرية مقابل حقوق مجتزئة تعرض عليهم كمكرمات". وكان البروفيسور أول من كشف بدقة مخطط سلخ الفلسطينيين الدروز عن شعبهم مبكرا في 1948. وفي كتابه " الدروز في الدولة اليهودية " عام 1999 أوضح كيف اقترحت فكرة تجنيد " الأقليات وبالذات الدروز " من قبل مستشرق إسرائيلي ومسؤول في " الهستدروت " حينذاك يدعى يعقوب شمعوني رئيس شعبة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية في حينها، وذلك قبل فرض الخدمة العسكرية الإجبارية في 1956. وقتها أوضح فرو أن مهمة شمعوني كانت،غداة النكبة وقيام إسرائيل، التنسيق بين كل مؤسسات الدولة اليهودية في ما يتعلق بالأقليات والشرق الأوسط. رحل أبو غسان ولم ينجز عدة دراسات منها بحثا برعاية " مدى الكرمل " شاركت شخصيا به وبإشرافه لتوثيق الرواية الشفوية في عدة بلدات عربية توليت منها عيلبون والبير المكسور. عندي ثقة ان ينجز مدى الكرمل وزملاء الراحل كل ما كان على " على النار " ولم ينضج بعد. ومن هذه المشاريع دراسة كبيرة عن الدكتور الراحل نايف حمزة ابن قرية عبي في الشوف اللبناني مؤسس مستشفى حمزة في حيفا؛ " رمبام " لاحقا.

تعازينا لام غسان السيدة بسمة ام غسان والابناء غسان وطارق ونزار...دمعتكم دمعتنا.
كل من على وجهها فان 

مقالات متعلقة