الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 24 / نوفمبر 01:01

الشَّعرُ اليوم أضحى هيّنًا!

بقلم: زهير دعيم

زهير دعيم
نُشر: 03/10/19 23:12,  حُتلن: 11:07

امتلات البلاد بالشعراء، فكل من عرف الابجدية واجاد حبك خيوط بعض الجمل، راح " يخربش " فوق صفحات القرطاس همسات صبيانية واخرى عبثية وثالثة رمزية غائصة في الرمزية لدرجة لو انت سألت جابل هذه القصيدة ومؤلفها لما استطاع ان يفيدك بشيء ، فهذه القصائد على حد زعم البعض ذات موسيقى داخلية وايحاءات كامنة ، ورموز تاريخية وميثولوجية !!! فإن غامرت يا صاحبي وابحرت اصطدمت بالكلمات المتناثرة والحروف السابحة في محيط من البياض ، وباكثر من مصطلح يوناني او فينيقي او حتى اندلسي ، مرت في خاطر الشاعر او صادفها في مسيرة حياته التعليمية فلوَّنَ بها القصيدة العصماء واضفى عليها شيئًا من غموض ومِسحة من عبثية !!!

فكلّ من عرف الحبَّ اضحى شاعرًا ، فارتمى على بساط العشق يزركشه بالكلمات والنجاوى " المُقطّعة " " والموصّلة " وفي نظره انها قصيدة القصائد يستأهل عليها وبها ان تعلق مع المعلقات السبع لا العشر .

لقد اضحت كلمة شاعر " مبتذلة " هذه الايام تمامًا كما كلمة " فنّان " او " فنّانة " ، فكلّ طاؤوس او متطاوس او متطاوسة (استميحكم ألف عذر ) حباها الله ببعضِ جمالِ قدٍّ دون صوت ، راحت تتلوى " وتتفرّع " وتزفُّ الينا مشاهد بينها وبين الذّوق والفنّ والجمال وعبد الوهاب وفيروز والصّافي مساحات شاسعة فوقها الطائرات النفاثة ، وكذا الامر في شعراء اليوم او قل في معظمهم ، فالواحد لم يسمع بالاخطل لا الصغير ولا الكبير ، ولم يعانق قصيدة واحدة لشوقي او لسعيد عقل ، يروح يدبج لك في لحظات قليلة قصيدة ، يرمي بها من فرنه الساخن الى المواقع الالكترونية او الصُّحف فتنشرها مزدانة بصورته البهية وطلعته الاخّاذة ..

سقى الله الايام الخوالي ، ايام كان زهير ابن ابي سلمى يملّس ويمّسد قصيدته ويُدلّلها سنة كاملة حتى يتجرّأ فينشرها ... ينشرها والترقّب يأكل منه الاعصاب والاحساس ، اما اليوم ، عصر الحداثة والشيطنة الادبية السريعة والشعر الّدفاق ، فأنت يا صاحبي امام ظاهرة غريبة عجيبة ، يولد فيها الشعر هكذا بدون موهبة او يحزنون ، وبدون ان تحمل نفسك عناء المطالعة والدراسة والتمحيص .ضحك صديقي – القارئ المجتهد والمطالع الدائم – ضحك مرة من قصيدة نشرت في احدى المواقع الالكترونية فقرأها مثنى وثلاث خماس ولم يفهم منها شيئًا ، وغاص في كلمتيْ " افروديت " و " بطليموس " اللتين زينتا القصيدة وظل في مكانه ، فجاءني طالبًا العون والمدد ، فدفعته برفق قائلًا : " لقد سبقتك واعلنت عجزي وضعفي أمام هذا الادب والذي لا جبرانية فيه ، تمامًا كما عجزت امام الرسومات التجريدية والمرسومة على حدّ قول الفكهاء بذيل حصان " .فان انت اخي القارئ لم تفهم القصيدة ولم افهمها أنا ولم يفهمها كاتبها ، فلمن يكتب اذًا هذا الشاعر العظيم والذي يستأهل او قد احرز فعلا جائزة التفرّغ الادبي !!!.حري بنا ان نقف لحظة بل لحظات ونعيد حساباتنا ، حسابات بيدرنا الادبي ، فالزؤان ملأ البيدر ، والحنطة المباركة اضحت ندرة لا نعثر عليها الا بعد الف جهد وبمصباح ديوجينيس .

اين النقّاد الاحرار ؟! واين الناقد الناقد الذي لا يجامل ولا يسمح " بمسح الجوخ " وانما يجري مبضعه في عصب الادب فيبرز مواطن الجمال ومواطن الضّعف ، ويُسدي النصيحة النصوحة ولا يبغي الا خدمة الادب والادباء الحقيقيين .
رحمك الله يا استاذ الكل وشيخ النقاد مارون عبود ، رحمك الله وطيّب ثراك فما كنت تجامل احدًا وما كنت ترائي احدًا ، وإنّما ترنّحتَ طربًا عند كل فكرة هائمة وابداع يستحقّ الحياة ، وتأففت عند كل ادب حبا وزحف وأبى الانطلاق والقفز فوق السَّحاب.

ملّت نفوسنا المجاملة ، وملّت استعراض الصديق لكتاب صديقه ، فمثل هذه المداهنة ومثل هذا الاستعراض العجول والمعسول احيانًا بالسمّ لا يفيد احدًا ، وانما يخدّر صاحب " العطاء " الادبيّ فيشرئب ويسمو سموًا اجوف لا معنى ولا طعم في كثير من ادبه .حان الوقت ان نضع الفأس على اصل الشجرة التي لا تعطي ثمرًا ، وحان الوقت ان نقول للشعر الفاقد الملح ... طعامك يا سيدي " مائع " ويفسد المعدة الفكرية والعقل والإحساس ، فارحمنا يا سيدي وعُدْ الى رُشدك ودعِ الادب لأصحابه وكفانا ما ذقنا من تصّنع واجترار وإسفاف .
أترانا نسمع ؟!!

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة