النائب د. يوسف جبارين في مقاله:
مما لا شك فيه ضمن هذا السياق المؤسساتي ان واجبنا مواصلة تفعيل ضغط جماهيري منهجي على الشرطة وسلطات تنفيذ القانون حتى تقوم بدورها بجمع السلاح ومكافحة العنف والجريمة بصورة حازمة ورادعة
واجب الساعة هو تضافر كل الجهود في مجتمعنا، السياسية والمهنية والجماهيرية، على المستوى القطري وفي كل بلدة وبلدة، من اجل ان نهزم العنف والجريمة
اعترفت الشرطة الاسرائيلية على لسان قياداتها في اكثر من مناسبة، ان ملاحقة منظمات الاجرام ومحاصرتها في مركز البلاد في السنوات الأخيرة دفعتها الى البلدات العربية والى اطراف البلاد عامًة. هذا الاعتراف يكشف عمليًا ان قيادة الشرطة لم تكترث بهذه النتيجة، في افضل تقدير، او انها عمدت للوصول لهذه النتيجة، في تقدير واقعي ايضًا. وإلا، فما معنى ان تؤدي حملة مدروسة من جهاز الشرطة الى انتقال منظمات الاجرام من مركز المجتمع اليهودي الى مركز المجتمع العربي وما بحمله ذلك من مخاطر على النسيج الاجتماعي في البلدات العربية؟
اما مراقب الدولة، فقد أشار في تقاريره الرسمية بوضوح الى قضايا تتحمل الشرطة والأجهزة الرسمية مسؤوليتها المباشرة في سياق فوضى السلاح وتفاقم العنف والجريمة في المجتمع العربي، ومنها: ان الجيش الاسرائيلي هو مصدر رئيسي للسلاح الذي يصل الى ايدي المواطنين، ان الشرطة لا تخصص وظائف لمحققين مهنيين في مراكز الشرطة الأمر الذي يؤدي الى عدم تقديم لوائح اتهام في الغالبية الساحقة من ملفات التحقيق في حوادث اطلاق الرصاص، هذا بالاضافة الى ثقافة معاداة المواطنين العرب والتعامل الشرطوي معهم بعدائية دائمة وبنظرة دونية.
ومما لا شك فيه ضمن هذا السياق المؤسساتي ان واجبنا مواصلة تفعيل ضغط جماهيري منهجي على الشرطة وسلطات تنفيذ القانون حتى تقوم بدورها بجمع السلاح ومكافحة العنف والجريمة بصورة حازمة ورادعة، كما يلزمها القانون بذلك. وبالتوازي، بالطبع، علينا مواصلة تنفيذ حملة جماهيرية توعوية تنادي إلى الاحتكام لقيم الحوار والتسامح والى نبذ السلاح وعدم اقتنائه.
لكن بذور العنف والجريمة لا تقتصر فقط على هذه السنوات الطويلة من التخاذل الشرطوي وغياب اجهزة تنفيذ القانون، فقد تغذت ونمت هذه البذور ايضًا من سياسات التمييز المنهجي في توزيعة الموارد الحكومية والعامة، وخصوصًا تلك الموارد التي من المفروض ان تكون جزءًا اساسيًا من بناء الحصانة المجتمعية ضد العنف والجريمة. واقصد تحديدًا الموارد الجماهيرية لحماية الشباب وتوفير الخدمات الاجتماعية والتربوية والثقافية والرياضية لهم.
لقد انتهجت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة التمييز المنهجي ضد المواطنين العرب في الخدمات الاجتماعية والتربوية التي تهدف الى معالجة قضايا الشباب والفتيات في ضائقة والى متابعة قضايا العائلات التي تعاني من ازمات اجتماعية، بحيث ينعكس ذلك بشح الميزانيات والملاكات للعاملين الاجتماعيين والاخصائيين النفسيين وعدم اقامة المراكز المجتمعية لجيل الشباب، مثل مراكز الرعاية والعلاج والمنشآت المجتمعية مثل مراكز الشبيبة والمنشآت الرياضية على انواعها.
كما ان للمؤسسات التربوية والتعليمية دورًا محوريًا في لجم العنف والجريمة، لكن مؤسساتنا التعليمية تعاني من تمييز مضاعف يحدّ من امكانية ان تأخذ دورها، واقصد تحديدًا غياب قيادة تربوية عربية مهنية (مجلس تربوي عربي) تضع المضامين التعليمية والتربوية التي تتكاتب مع القضايا الاجتماعية والتربوية في بلداتنا العربية، وكذلك غياب الموارد المادية والتربوية اللازمة لتحصين الجيل الصاعد في مدارسنا من آفة العنف، وخاصة الملاكات الاساسية مثل المستشارين التربويين وضباط الدوام وكذلك المكتبات العامة والقاعات الرياضية.
ان كل هذه القضايا بحاجة الى نظرة شمولية ومهنية، والى بحث معمّق سواء من ناحية تشخيص اوضاع ما يجري في المجتمع العربي ومسؤولية الوزارات الحكومية المختلفة عن ذلك، ومن ناحية الخطط والبرامج التي يجب اتخاذها امام كافة المسؤولين الحكوميين لتغيير واقع العنف والجريمة.
ان احدى الوسائل العامة التي يوفرها القانون في اسرائيل للنظر في شأن حيوي عام، هي اقامة لجنة تحقيق رسمية من خلال قرار حكومي بالموضوع. البند الاول من "قانون لجان التحقيق" من العام 1968، ينص على صلاحية الحكومة بان تقرر اقامة لجنة تحقيق في موضوع يحمل اهمية جماهيرية حيوية وبحاجة الى بحث معمق. وبعد استصدار قرار حكومي بذلك، يتم ابلاغ رئيسة المحكمة العليا بذلك، وهي بدورها تقوم بتعيين رئيس واعضاء اللجنة، وعادة يرأس مثل هذه اللجان قاض في المحكمة العليا. وفي سياق العنف والجريمة، فمن الطبيعي ضمان تمثيل لائق للجماهير العربية بمثل هذه اللجنة.
لقد خرج عشرات الآلاف من ابناء وبنات شعبنا للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم في المظاهرة الجبارة في مجد الكروم، وفي العشرات من الوقفات والتظاهرات الاحتجاجية المستمرة، مما يعكس ايضًا جهوزيّتها للنضال، وكذلك قدرتها على الخروج من الشعور بالضعف واليأس والايمان أنه بإمكاننا أن نحقق التغيير بأنفسنا.
واجب الساعة هو تضافر كل الجهود في مجتمعنا، السياسية والمهنية والجماهيرية، على المستوى القطري وفي كل بلدة وبلدة، من اجل ان نهزم العنف والجريمة. نحن قادرون على ذلك، ولا شك ان اقامة لجنة تحقيق رسمية ستضيف الى هذا النضال التراكمي، والمستمر حتى نشهد التغيير.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com