الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 19:01

شبابنا يكتبون ويحللون

"الهايتك" فخ الرفاهية والانفرادية/ بقلم: فاطمة عمر خمايسي

فاطمة عمر خمايسي
نُشر: 16/11/19 13:15,  حُتلن: 17:10

فاطمة عمر خمايسي في مقالها:

نسبة كبيرة ممن انهوا تعلم مواضيع التكنولوجيا العليا استطاعوا احراز نجاح ملحوظ على المستويين المهني والمادي وأصبحوا مثلا يحتذى به

للوهلة الاولى وظيفة في عالم "الهايتك" تبدو مثالية بشكل مطلق وايجابيات العمل في هذا المجال لا تعد ولا تحصى. مع ذلك العمل في الهايتك يشابه أي وظيفة اخرى لا تخلو من المتاعب والسلبيات

لنأخذ شغفنا وميولنا بعين الاعتبار وان نتجنب الوقوع في الفخ من خلال ركضنا وراء الوظائف التي توفر لنا حياة مريحة برواتبها العالية فالعمل بها بدون الشغف لا يختلف عن عمل الرجل الالي

بالسنوات الاخيرة نلاحظ اقبال الطلاب العرب الكبير لتعلم موضوع علوم الحاسوب ومواضيع اخرى شرط ان تكون في نطاق "الهايتك" كهندسة الكهرباء، الإلكترونيات، البرمجة وغيرهم.

بحسب معطيات مجلس التعليم العالي الإسرائيلي وصل عدد الطلاب العرب المقبلين على تعلم مثل هذه المواضيع في عام 2018 إلى 3780 طالبا. وفي السنة الدراسية الأخيرة، وللمرة الأولى، اكتسح اقبال الطلاب لهذه المواضيع على مواضيع العلوم الاجتماعية والانسانية والتي كانت لسنوات طويلة تتصدر قائمة المواضيع الأكثر دراسة في البلاد على ايدي الطلاب العرب.
هذا الاقبال يكاد يكون ظاهرة لا تفسير لها ولكن هنالك عدة احتمالات يمكنها ان تشرح اجتياح الطلاب العرب لهذا المجال بالذات في السنوات الاخيرة.

نسبة كبيرة ممن انهوا تعلم مواضيع التكنولوجيا العليا استطاعوا احراز نجاح ملحوظ على المستويين المهني والمادي وأصبحوا مثلا يحتذى به، ففي هذا المجال بالذات معروف لدى الغالبية بان اجر العامل مقابل خدمات دماغه وسرعة بديهته وابداعه تكون عالية جدا، وكأنه يتم تقدير هذه المهارات بالعملة الصعبة.

عدا عن ذلك توفر هذه الشركات وحتى الناشئة منها "الستارت اب" امكانية ترقية موظفيها طمعا في اجتهادهم الذي يصب اولا واخرا في مصلحة تطوير خدماتهم التكنولوجية. بل وانها توفر لهم مختلف الخدمات الرفاهية الخيالية والتي لا تجدونها سوى في الفنادق، فمثلا غالبية الشركات الكبيرة تحتوي على برك للسباحة، مركز رياضي، منتجع للاستجمام وفي بعض الاحيان تأخذ هذه الشرك على عاتقها مسؤولية تربية اطفال عمالهم لكي يتسنى لهم الجلوس امام الحاسوب لساعات اطول.

نجاح هذه الفئة خلق الهامًا استحوذ على عقول الفئة الشابة التي طمعت بهذه المكاسب ففي هذا المجال تتوفر العديد من الوظائف الطلابية والتي بدورها تساهم في انخراط الطالب بشكل سريع ومبكر في سوق العمل ولكن لهذا الانخراط مشكلة قد تواجه بعض الطلاب الذين يغرقون في تيار العمل ولا يجدون الدافع لإنهاء تعليمهم لأنهم قد قاموا مسبقا بضمان مكان للعمل مع مرتب مغري ولذلك يفضلون استثمار وقتهم بترجمته لشيفرات والتي بدورها تتحول الى نقود.

عامل اخر ساهم في ضم العديد من الطلاب العرب لهذا المجال كان حملات التوعية التي اقيمت من قبل رواد هذا المجال فمن خلال العمل الاجتماعي استطاعوا رفع الوعي لأهمية هذا المجال. على غرار المجتمع اليهودي الذي يتم تجيزه خلال الخدمة في الجيش، حيث ان هنالك وحدة تدعى 8200 مختصة بتعليم منتسبيها كل ما يتعلق بالبرمجة والهدف طبعا استخباراتي بحت وهذا ما يفسر لماذا اعداد اليهود العاملين في هذا المجال أكبر بكثير من العرب.

للوهلة الاولى وظيفة في عالم "الهايتك" تبدو مثالية بشكل مطلق وايجابيات العمل في هذا المجال لا تعد ولا تحصى. مع ذلك العمل في الهايتك يشابه أي وظيفة اخرى لا تخلو من المتاعب والسلبيات ومنها:

مجرد التفكير بكم الرفاهية التي توفرها الشرك لكي تبقي عمالها امام شاشات الحاسوب تكاد تكون مريعة وتمثل اعلى درجات الاستغلال والاستعباد المبطن في عصرنا هذا.
الطريق لدخول هذا العالم صعب جدا، يتخلله العديد من المراحل المكونة من مقابلات كثيرة التي بدورها تفحص عدة جوانب: الجانب المعرفي، الجانب النفسي الاجتماعي وحتى ان بعض المقابلات تفحص مستوى اللغة الانجليزية لمعرفة ان كان المتقدم مؤهل للعمل مع جهات خارجية اخرى.
في حال اجتياز المتقدم لكل هذه المراحل وخاصة في الشركات الكبيرة ذات الافرع العالمية مثل جوجل، فيسبوك وغيرهم يكون قد ضمن عملا عالميا فبمجرد ان يتم قبول المتقدم في فرع معين يكون بإمكانه العمل في مختلف دول العالم.
قضاء العامل وقت طويل امام شاشات الحاسوب يؤثر على صحته كونه يتعرض للأشعة بكميات كبيرة جدا والتي قد تضر بنظره على المدى البعيد، بالإضافة جلوسه لساعات طويلة تزيد من احتمالات تعرضه للسمنة.
على العامل في اقسام الدعم التقني ان يبقى متاحا وعلى جاهزية كاملة لإصلاح أي مشكلة طارئة في أي وقت كان. هذا الوضع قد يخلق جوا مشحونا خاصة في المناسبات الاجتماعية والاسرية بالإضافة الى ذلك نستطيع ان نلاحظ ان نسبة لا بأس بها تتأخر في الارتباط وتكوين اسرة كونها تنشغل في بناء إمبراطورتيها الرقمية.
لا شك ان العمل امام الحاسوب لساعات طويلة يساهم في قطع سبل التواصل الاجتماعي. يفقد العامل في هذا المجال جزءا من انسانيته. يقلل بشكل لا بأس به من استعمال الثروة اللغوية الإنسانية التي لديه. مما يؤدي الى دخوله العالم الانفرادي.
وبذلك نفقد مركب مهم لإنسانية الانسان. فما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية كونه مخلوق اجتماعي. ربما الارقام في حساب البنك لعامل "الهايتك" تكون عالية لكن مقابل ذلك يحصل هبوط في التآزر والتواصل العائلي والمجتمعي.
العالم بأكمله تقريبا أصبح يكرس جميع اهتماماته في تطوير صناعة التكنولوجيا وأصبح التنافس على صعيد دولي وليس منحصرا فقط على الشرك. هذا الوضع أرغم العمال بمواكبة المهارات والتقنيات الجديدة التي تصدر بوتيرة عالية حتى يستطيعوا الحفاظ على مراكز الصدارة في هذا السباق.


لا يمكننا الانكار بأننا أصبحنا في عصر التنقيب عن الثغرات وايجادها كالعثور على الالماس في منجم حيث مسار البحث جدا صعب ولكن النتيجة النهائية تكون مرضية لأبعد الحدود.

علينا الحرص على ان نأخذ شغفنا وميولنا بعين الاعتبار وان نتجنب الوقوع في الفخ من خلال ركضنا وراء الوظائف التي توفر لنا حياة مريحة برواتبها العالية فالعمل بها بدون الشغف لا يختلف عن عمل الرجل الالي.
جدي رحمة الله عليه لم يعرف علم الحاسوب، عمل في الفلاحة وبرع بها، من عمله وكده في التواصل مع الارض وانتاجها المبارك عاش برفاهيه وراحة بال. امتلك الوقت وحافظ على التواصل الانساني والعلاقات الاجتماعية. تحلى بكل القيم الأخلاقية، عاصر فترة التحولات داخل المجتمع.
وعند انتقال شريحة واسعة من اولاده واحفاده من العمل في الزراعة الى مجال "الهايتك" عقب بجمل بسيطة معبرة: ممكن للخبير في علم الحاسوب انتاج برامج تقنية – لكن من المستحيل ان ينتج قيم أخلاقية – انسانية. حاضرنا يثبت كم نحن بحاجه ليس فقط لمبرمجي حاسوب بل ايضا الى من ينتج ويحافظ على القيم ,الاخلاق والاحترام المتبادل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة