سؤال قد يبدو للبعض ساذجًا أو مقتحمًا لروتينهم اليومي، وقد يشوّش سيمياء أرواحهم المنصهرة حتّى العبوديّة في جحيم هذا العالم. وقد يبدو للبعض الآخر سؤالًا أثيريًا، لا علاقة بمفردات الواقع، ولا بتجاذباته ولا اضطراباته ولا صراعاته. وربّما سيجد هذا السّؤال مكانه في القلوب/ العقول.
لست المؤرّخ الأوّل، لكنّي لا أخشى التّاريخ، فأنا أعرف من كتبه، ولماذا كتبه. ولست عرّافًا، لكنّي أعلم بأنّ ما أراه ليس حقيقيًا، مجرّد حالات عابرة، متغيّرة، من سيّئ لأفضل، ومن أفضل لسيّئ. ليس هناك ما يمكن أن نسمّيه الثّابت. فكلّ شيء فينا وحولنا، متغيّر وفناء، يتحَكّم به الزّمن كأرجوحة، والزّمن غامض، مصدره الله.
فهل الحقيقة تكمن بما نرى، أم بما نحسّ!؟ وهذا سؤال مكمّل لسؤال المقال، ولعلّه يعقّده.
"ومن العلماء الأوائل الذين تحدثوا عن هذا الجسد الاثيري الطبيب الألماني "جوهان يونج" الأستاذ بجماعة " ماربورج " الذي اعتبر أن المغناطيسية الإنسانية تثبت بلا نزاع أننا نحوز إنساناً داخلياً . وقد إعتبر أن مادة الضوء أو الأثير هي العنصر الذي يربط الجسم والنفس والعالمين الروحي والمادي معاً".
"ولكن الفضل يعود إلى العالم الروحي في كشف النقاب عن الجسد الأثيري من خلال دراسة الظواهر الروحية المختلفة، حيث أوضح أن لكل كائن حي جسداً غير مادي هو الجسد الأثيري، والذي يعتبر صورة كاملة ونسخة مطابقة للجسد المادي خلية بخلية وبصمة ببصمة. والجسدان الأثيري والمادي متحدان بتطابق كلي. والنتائج التي تمخضت عنها كافة الدراسات والأبحاث الروحية تبين أن الجسم الأثيري هو الجسم الحقيقي في الواقع، وأن الجسم المادي ليس سوى التعبير الخارجي والمظهري له , وهذا الأخير ليس ضرورياً إلا في الحياة الأرضيّة، لما تفرضه طبيعة الحياة هذه من مستوى منخفض من الوجود".
"وثمّة وظيفة إخرى للأثير، فهو الذي يمنح أي جسم مادي شكله وتماسكه، لأن المادة الصلبة من أخص خصائصها الثصور الذاتي، وهي عاجزة أن تعطي نفسها شكلاً أو صيغة محددة، وهي لا غاية لها ولا هدف حتى في خضوعها للقانون".
"لقد أوضحت البحوث العملية أن لكل شيء موجود شكله الأثيري أو مقابله الأثيري، فهو قرينه أو قالبه . فالبقرة والشجرة والكرسي وكل شيء له مقابل، وهذا المقابل هو النسخة الأصلية التي تدفع فيه الحياة والشكل".
"ويُعتبر الجسم الأثيري حامل الوعي والإحساس، أو هو مصدر القدرة على الإحساس التي كانت تعتبر فيما مضى من خصائص الجسد المادي، وهذه القدرة تعود في النهاية إلى العقل الذي هو شيء فوق الأثير"
ما ذُكر أعلاه، هو عتبة للإجابة على سؤال المقال. فنحن نفترض أنّ الحواس الأثيريّة حقيقيّة وواقعيّة، وعبرها يمكن تجاوز حواس الجسد المادّي. كيف إذًا سيبدو العالم لو رأيناه بهذه الحواس؟
بالتّأكيد سيبدو مختلفًا. لأنّك ستتجاوز المادّي وتنتقل بكلّك إلى النّور، ولن يحجبك عن التّمعّن بحقيقة الأشياء أيّ حاجب مادّي.
ستنطلق بملء شغفك وإرادتك وكينونتك، خلف الضّباب، بكلّ حرّيّة، لتنعم بالحرّية خارج جسدك. خارج حواس الجسد المألوفة، لتعبر إلى اللامألوف وغير العادي. فما تملكه من حواس ظاهرة لن يأتيك بالبصيرة على مهلٍ أو على عجلٍ، إنّه نور القلب، هو وحده الّذي سيأتيك بعرشها لتبصر.
ولن ترى شيئًا، وستظلّ كفيفًا. مادمت تتعامل مع الكون فقط من خلال الحواس الخمس، فالسّماء ليست امتدادًا أزرق، والبحار أكثر من مجمّع للماء والمخلوقات البحريّة، والزّهرة ليست نبتة ترى النّور بعد سقوط الأمطار، فقط، بل هي مشفّرة بكثير من النّبض والحياة، ودقّات السّاعة على سبيل المثال، هي إعلان عن بدء مشروع حياة، وليست مجرد أصوات تقرع آذاننا.
وهكذا يجب أن نقرأ الكون
وهكذا يجب أن نقرأ أنفسنا
الجسم فخ. هناك عالم كبير، مذهل ومدهش، ورائع، لا يمكن لأجسامنا أن تدنو منه، ولا يمكنه أن يتراءى لنا، ما دمنا أسرى الجسد ومفرداته. الخيال، العقل، الحواسّ الأثيريّة، هي مناطق علينا التّودّد إليها بكامل حبّنا ودون تردّد، لنسكت أنين نقصنا، وحتّى لا يظن أحد أنّني أنتقص من دور وأهمّيّة الحواس الخمس، أوضّح بأنّ الحواسّ هي محطّات سفر داخليّة، مؤقّتة للاستدلال على مادّيّة هذا العالم، ولكنّ رحلة البحث عن الأجوبة، فتحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك. إلى ما هو أبعد من الجسد/ الجسم.
وأمّا الأفكار الكونيّة، الّتي ما زلنا نحبو على عتباتها، فلا مفرّ أمامنا إلّا الاستمرار، بمحاولة اختراقها، لنكتشف ذاتنا، فلا سبيل أمامنا إلّا تجاوزها واجتراح موطئ قدم لنا ضمن المساحة المتاحة الجديدة، الّتي تقع ما بعد الحواسّ الخمس، وبعد أن تغمرنا الدّهشة في هذا العالم الجديد، علينا قدح زناد العقل والفكر، من أجل الاستقراء والاستنباط والاستدلال، للخروج باستنتاجات جديدة، تساهم بالإجابة على أسئلة العقل المستفزّة، حدّ الألم.
ملاحظة: الاقتباسات الواردة في المقال، هي من صفحة عالم ما وراء الطبيعة