فادي أبوبكر في مقاله:
ستؤدي تقليصات الأونروا بطبيعة الحال إلى تقليص الخدمات للاجئين، وهذا الأمر لا طاقة للفلسطينيين على تحمله
مكافحة الهجرة الثانية وإزالة أسبابها ضرورة حتمية، نظراً لخطورة تصاعدها مستقبلاً، والتي تتمثل في الوقوع في شُرك خلط المفاهيم ما بين المُغترِب واللاجئ
أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تقليص 10% من الموازنة المعتمدة لعام 2020، وما زالت تواجه الأونروا مشاكل مالية كبيرة منذ أغسطس/ آب 2018 إثر إعلان الولايات المتحدة الأميركية قطع مساعداتها للوكالة والبالغة 360 دولار سنوياً.
وعلى الرغم من تجديد الأمم المتحدة تفويض الأونروا في تشرين ثاني / نوفمبر 2019 والانتصار على الضغوط الأميركية والإسرائيلية، إلا أن عمليات الوكالة وموظفيها والخدمات المقدمة للاجئين ما زالت متأثرة بشكل سلبي وكبير. حيث أن التقليصات تدللّ وجوباً على العجز المالي الخطير الذي تعانيه الأونروا وأن الولايات المتحدة تضغط سياسياً واقتصادياً على الدول المانحة للأونروا؛ لتقليص مساعداتها؛ حتى تُصبح غير قادرة على القيام بمهامها؛ وبالتالي تُصبح مفرغة من محتواها.
ستؤدي تقليصات الأونروا بطبيعة الحال إلى تقليص الخدمات للاجئين، وهذا الأمر لا طاقة للفلسطينيين على تحمله في الوقت الذي تمثل فيه الأونروا مصدر المساعدات الوحيد للكثيرين منهم، وتحديداً اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا، نظراً للظروف الخاصة التي يعيشونها. ومن هنا فإن الهجرة تُمثّل العامل الرئيس والأول الذي قد يشكل ملجأ لهم.
ازدادت في العامين الأخيرين وتيرة هجرة اللاجئين الفلسطينيين في كل من لبنان وسوريا إلى دول أوروبية، كون الخدمات التي تقدمها الاونروا تعتبر أساسية وضرورية بالنسبة لمئات الآلاف منهم. إلا أن احصائيات المهاجرين ما زالت متضاربة، وليس من السهل حصرها خصوصاً وان إحصائية اللاجئين بالأساس تعتريها إشكالية، ولا يوجد رقم متفق عليه عالمياً لعدد اللاجئين الذين يفتقدون لاعتراف الأونروا (اللاجئون الفلسطينيون غير المسجلين).
وعلى الرغم من هذه الإشكالية، فإن الولايات المتحدة تحاول تعميقها وفرض إشكالية ومصيبة أكبر على أرض الواقع كما تُشير بنود الخطة الأميركية "صفقة القرن" التي تتضمن إنهاء وكالة الأونروا وتحويل مسؤولياتها إلى الحكومات المعنية، ويمتد ذلك إلى شطب القرار 194 وتالياً حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني إلى ديارهم ووطنهم الوحيد فلسطين.
مما لا شك فيه هو أن الحرب الصهيوأمريكية على الأونروا هي حرب ذات مضامين هوياتية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فهي تستهدف الأونروا كونها شاهد على النكبة التي تمثل صفر الهوية الفلسطينية. إضافة إلى أنها تهدف إلى إفقاد الفلسطينيين القدرة على المواجهة كبنية اجتماعية واحدة، المفقودة إلى حدٍ كبير بطبيعة الحال نظراً لاستمرار حالة الانقسام. كما وتأتي هذه الحرب ضمن سياسة الخنق الاقتصادي ضد السلطة الفلسطينية عبر خلق أعباء اقتصادية جديدة على عاتقها في سبيل إضعاف الهرم القيادي الفلسطيني، خصوصاً وأن الأونروا تشغل ما يزيد عن 30000 فلسطينياً في مختلف أماكن تواجدهم (غزة ولبنان وسورية والأردن والضفة الغربية).
من جهةٍ أخرى، وفي سياق الواقعية العملية، فإن مكافحة الهجرة الثانية وإزالة أسبابها ضرورة حتمية، نظراً لخطورة تصاعدها مستقبلاً، والتي تتمثل في الوقوع في شُرك خلط المفاهيم ما بين المُغترِب واللاجئ، فاللاجئ هو كل من رُحّل قسراً عن أرضه الأم بغض النظر عن عدد هجراته.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن الهجرة الثانية لا تتحملها فقط ظروف الأونروا الصعبة التي أوجدتها الإدارة الأميركية، حيث أن الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية الهجرة الثانية للاجئين الفلسطينيين من أراضيها، كونها ما زالت تتجاهل أي التزام تجاه حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا سيما التملك والعمل والحقوق الأخرى.
قد يكون وضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية هو الأسوأ، وقد تكون مسألة الحد من الهجرة الثانية فيها أمراً غاية في الصعوبة والتعقيد بفعل استمرار الحرب على الأراضي السورية.إلا أن الساحة اللبنانية مفتوحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويمكن العمل فلسطينياً باتجاه اختراق الأحزاب والنخب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني فيها، واستغلال الحراك الشعبي الأخير وصولاً إلى ضغط فاعل على الحكومة اللبنانية الجديدة ينتج عنه تصدّر الملف الفلسطيني على جدول أعمالها والغاء جميع السياسات التمييزية بحق باللاجئين.
- فادي أبوبكر : كاتب وباحث فلسطيني
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com