عائد كيّال- استراتيجي للقائمة المشتركة في مقاله:
لم تبدأ هذه الحملة الانتخابيّة من الصفر، بل كانت مكملة لسابقاتها، في كلّ مرّة نخوض المعركة ضمن تحديات مختلفة علينا تجاوزها داخل جمهورنا العربيّ وفي السياق العامّ
كان التحدي الماثل أمامنا هو أخذ التعددية من نقطة ضعف لنقطة قوة. لقد شكّل هذا الشعار أساسًا لتخصيص الرسائل للشرائح المختلفة بحسب القضايا التي تهمّها
حقّقت الحملة الانتخابيّة للقائمة المشتركة في الانتخابات التي جرّت مطلع هذا الأسبوع، في الثاني من آذار 2020، إنجازًا تاريخيًا كبيرًا بوصولها إلى أعلى نتائج انتخابيّة للقوائم العربيّة على الإطلاق، من ناحية عدد الأصوات وعدد المقاعد، ومن ناحية الحراك الشعبيّ الجارف، المنظّم والموحّد، ومن الناحية المعنويّة. تقف من خلف هذا الإنجاز الهائل جماهيرنا الواعية وقيادتنا وأحزابنا بوحدتها وتنظيمها وإرادتها ومسؤوليتها الوطنيّة، وطاقم إداريّ وصل الليل بالنهار، وآلاف الكوادر والمتطوعين في كل بلد وحارة، وحملة انتخابيّة مدروسة ودقيقة حقّقت أهدافها.
لم تبدأ هذه الحملة الانتخابيّة من الصفر، بل كانت مكملة لسابقاتها، في كلّ مرّة نخوض المعركة ضمن تحديات مختلفة علينا تجاوزها داخل جمهورنا العربيّ وفي السياق العامّ. لا يكون لدينا، كمسؤولين عن الحملة، المجال ولا الرغبة في شرح حملتنا وشعاراتها وأهدافها وكلّ قراراتها خلال سير المعارك، والردّ على كلّ التساؤلات والانتقادات، التي تصلنا ونأخذ ما يستحق منها بعين الاعتبار، بل نجد أنّ هدفنا هو فقط تحقيق أعلى نتيجة ممكنة ضمن وضع مركّب، وهذا هو ما يحكم ويقيّم الحملات ولا شيء آخر. فليس سهلًا أن تقود حملة انتخابيّة وتحقّق إنجازًا في مجتمع فيه آراء وتوجهات "من الحامض للحلو"، ومع قائمة مكوّنة من 4 أحزاب لكلّ منها مكتب سياسيّ وخطوط حمراء، ووسط وضع سياسيّ دائم التغيرات والتحولات في السياسة العامّة (مثل انزياح غانتس وكاحول لفان يمينًا) وحتّى العالميّة (مثل صفقة القرن)، وجهوزيّة لحملات مضادة (مثل حملة "شو عملتلك المشتركة"؟ التي قام بها الليكود) ولعوامل غير متوقعة (مثل فيروس الكورونا).
لكنّنا، من جهة أخرى، نجد أن مشاركة التجربة بعد انتهائها أمرٌ فيه توثيق يحمل فائدة سياسيّة ومهنيّة. لقد بدأنا حملات المشتركة بشعار "إرادة شعب- همّ واحد صوت واحد" لكي نبرز كون القائمة تحقيق لإرادة الجماهير العربيّة التي طالما طالبت بالوحدة وفرضتها، ونجنّد دعم جمهور الوحدة، ولكي نطفئ نيران الخلافات الممكنة بين الأحزاب وجمهورها في أوسع تجربة انتخابيّة وحدويّة جمعت بين كلّ هذه الأحزاب المتنوّعة فكريًا بعد فترة من المنافسة والتناحر. في الحملة التالية رفعنا شعار "مشتركة أكثر" بإضافة "تأثير أكبر" و"يمين أقل" و"مكانة أعلى" لكي نبرز الأسباب المقنعة للتصويت للمشتركة كوسيلة سياسيّة للشعب، كما بدأنا بترسيخ مفهوم القوة، لأننا كعرب نحبّ ونحتاج القوة. أما في هذه الحملة فاعتبرنا المرحلة مرحلة تمثيل كلّ الشعب، ورفعنا شعار "بالمشتركة إلك صوت"، فلماذا اخترنا هذه الاستراتيجيّة وهذا الشعار؟
لقد قمنا عند بداية التخطيط للحملة بوضع استراتيجية تهدف أولًا للحفاظ على جمهور المشتركة الذي دعمها في انتخابات أيلول وثانيًا للتوسّع واستقطاب مصوتين وفئات جدد (وضعنا هدف جلب 110 آلاف صوت جديد). قمنا بإجراء بحث معمّق لفهم من همّ هؤلاء المصوتين وهذه الفئات، ما هي المعيقات التي جعلتهم لا يصوتون للمشتركة في أيلول، أين هم موجودون، ماذا يجب أن نقول لهم لكي نقنعهم بالتصويت للمشتركة. لقد وجدنا، باختصار، أنّ هناك فئة من مجتمعنا وجمهورنا، فئة متنوّعة بخلفياتها الديمغرافيّة والجغرافيّة، تشعر بأنّ المشتركة لا تمثّلها بشكل كامل أو كافٍ، فرأينا أنّ علينا أن نسلّط الضوء على نصف الكأس الملآن، على أنّ في المشتركة هناك صوت يمثّل الشرائح والمجموعات المختلفة المكوّنة لهذه الفئة ولمجتمعنا عمومًا، بحيث لكل منها صوت في المشتركة، حتّى لو لم تكن كلّ المشتركة صوت لها. هذه هي التعدديّة.
كان التحدي الماثل أمامنا هو أخذ التعددية من نقطة ضعف لنقطة قوة. لقد شكّل هذا الشعار أساسًا لتخصيص الرسائل للشرائح المختلفة بحسب القضايا التي تهمّها، والتي تندرج أصلًا ضمن برنامج المشتركة وعملها لكنها كانت بحاجة إلى تسليط ضوء أكبر أمام هذه الشريحة أو أخرى. فمثلًا، عندما تنظر إلى العرب الدروز كشريحة عليك أن ترى أي قضايا تخاطبها أكثر، كذلك الأمر مع النقب مع والنساء والشباب الخ. هكذا، وسّعنا إلى درجة قصوى مدى تمثيل المشتركة لشعبنا في الداخل، إذ وجد كلّ فرد ووجدت كلّ شريحة ما يمثّلها داخل المشتركة، لتصبح المشتركة صوتها الواحد والوحيد، الصوت الذي لا صوت لنا سواه.
لكي نقوم بكلّ هذا ونكون دقيقين ونحافظ على الجمهور الجديد، اخترنا الهدوء كمكوّن أساسيّ للحملة، اخترنا تقريب الناس للمشتركة. فالهدوء يساعد الوصول لدقة أكثر، واتخاذ القرارات الحكيمة والسليمة، ويمنع الكثير من الأخطاء، واختيار مواضع العصف وتوقيت تصعيد الإيقاع ودبّ الحماس لتحقيق الإنجاز الانتخابيّ. عمومًا، رأينا أنّ الجمهور الذي نريد استقطابه يفضّل الهدوء ولا يرى بالصدام أمرًا إيجابيًا.
نفرح بهذا الإنجاز، حاملين معنا وعينا بأهمية المشتركة كتحقيق وتعبير عن إرادة شعبنا، وكوسيلة سياسيّة للتأثير ورفع المكانة، وأخيرًا كممثّلة لتعدديّة مجتمعنا وشعبنا بكلّ شرائحه، ومتمنين أن تستمر المشتركة في تحقيق الإنجازات وزيادة تمثيلنا أكثر وأكثر في الانتخابات القادمة، ونحن لها.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com