أمير مخول في مقاله:
الموقف الذي واجهه التجمع الوطني الديمقراطي مؤخراً، وباعتقادي مجمل الحركة السياسية واجهته، هو أنه ليس سهلا اتخاذ موقف يؤدي الى الإبقاء على نتنياهو في سدّة الحكم في حال استطعنا ذلك
عند تقييم المواقف الحرجة وكيفية الحسم، من المفيد أن نسأل أنفسنا وبهدوء داخلي: ماذا كنت أفعل لو كنت هناك؟ هل كان موقفي مغايرا للموقف العام؟ وهل فعلا لديّ خيارات لاختيار الموقف فيما بينها؟. ليس الحديث هنا عن شرعية الاختلاف والمواقف المتجاذبة في هذا الصدد فالاختلافات شرعية وحتى ضرورية للحفاظ على حيوية الإطار ومهما كانت غاياتها.
الموقف الذي واجهه التجمع الوطني الديمقراطي مؤخراً، وباعتقادي مجمل الحركة السياسية واجهته، هو أنه ليس سهلا اتخاذ موقف يؤدي الى الإبقاء على نتنياهو في سدّة الحكم في حال استطعنا ذلك، وليس سهلا وبالذات في البعد الأخلاقي التوصية على غانتس. وكل من اختار اللعبة البرلمانية تقف أمامه حدود الخيار الواحد العصيّ.
توجد إشكالية عامة، وهي تتمثّل بتلك الأوهام لدى أوساط معينة والتخوفات لدى أوساط معينة أيضا، بأنّ التوجّه بالتوصية على غانتس، سوف يجعلنا شركاء في حكومته. نحن لا نستطيع ذلك من منطلقات أخلاقية وسياسية، وغانتس لا يستطيع وغير معنيّ بذلك من منطلقات صهيونية.
لا نستطيع وبالذات لسنا معنيين بأن نكون جزءا من ائتلاف حكومي اسرائيلي، لكن التوصية كما حصلت هي الخيار الأصعب، وهي الخيار السياسي الوحيد (والتشديد على السياسي).
في الحديث عن مجرمي الحرب فهذه ليست صفة جديدة لتحديد موقف سياسي، بل اينما ذهبنا نكاد نصطدم بمجرمي حرب، وليست صفة تلازم اليمين الاسرائيلي فحسب. هكذا كان مع حكومة برئاسة قائد أركان احتلال 1967 اسحق رابين والكتلة المانعة عام 1992 التي هدفت الى اسقاط حكومة اسحق شمير(قائد التنظيم الارهابي الليحي المتورط هو الآخر بمجازر وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية)، وهكذا كان عام 1999 وسحب د. عزمي بشارة عشية الانتخابات ترشحه لرئاسة الحكومة، الأمر الذي ساهم في انتخاب ايهود براك وإسقاط حكومة نتنياهو الاولى (حينها كانت انتخابات مباشرة لرئيس الحكومة). لقد سبق ذلك تجربة أخرى في العام 1996 في التنافس بين صاحب جائزة نوبل للسلام ومجزرة قانا وسياسات التطهير والدمغرافيا واسلحة الدمار الشامل شمعون بيرس والذي اسقطته جماهير شعبنا عقابا على مجزرة قانا ليتفوق نتنياهو عليه، وتطول قائمة المتورطين في جرائم الحرب ولا يخلو منها بن غوريون ولا غولدا مئير ولا مناحم بيغن او اي رئيس حكومة.
هل كان خيار امام التجمع عام 1999 غير ما قام به، بعد مناورة ذكية وجديرة بالتمعن؟. لا أظن ذلك، وهي اللعب على أقصى حدود الممكن في اللعبة البرلمانية وضمن الحفاظ على الثوابت والقيم الوطنية والأخلاقية. والحديث هنا عن مرحلة نهضوية في حياة التجمع حديث العهد وفي مرحلة وصل خطابه السياسي ذروة سعته وأثره، ومع ذلك حسم قراره كما حسمه، آخذاً بالحسبان مبادئه وتقييمه السياسي وموازين القوى التى تتيح له ان يقوم بدوره بروح أهدافه وبالشكل الافضل الممكن.
بعد الحسم بشأن كنس نفوذ الاحزاب الصهيونية داخل جماهير شعبنا، وهذا عائد الى تراكم نضالي منذ العام 1948، وكانت احدى محطاته المؤسسة هي انتخابات 1977 وانقلاب النخب الاسرائيلية، وفيما يخصنا، فإنها الانتخابات التي تلت اضراب يوم الارض وجاءت بروحه، وفازت حينذاك الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة حديثة العهد، بأكثر من خمسين بالمائة من اصوات الجماهير العربية مقابل نفوذ كل الاحزاب الصهيونية، لتشكل نقطة تحوّل ومنحى مستمرأ لغاية اليوم، وهذا بفضل جماهير شعبنا وقواها السياسية والمجتمعية. بعد هذا الحسم الواضح فإن الخيار الجوهري والحقيقي اليوم هو ما بين موقفين إثنين: أما المشاركة في اللعبة البرلمانية الاسرائيلية أو رفضها سياسيا. لكن النقاش حول التوصيات هو في ساحة التيارات المعنية بانتخابات الكنيست والمتمثلة في القائمة المشتركة.
في تبريره لموقفه يسعى التجمع كما أفهمه الى ايصال رسالة بأن تصويته تكتيكيا يعود الى اعتباراته داخل القائمة المشتركة، وليس جوهريا أي أنه يرفض التوصية على غانتس. بغض النظر على الالتباس في الديباجة وتسويغ قراره، لا اعتقد انه كانت امام حزب التجمع خيارات أخرى، الا الخروج من اللعبة البرلمانية الاسرائيلية، وهو ليس هناك فقد حسم هذا الأمر منذ نشأته. وسوف تحكم الأيام في مدى صواب الموقف، وعندها سيكون الحكم تقييما لمرحلة وليس مجرّد "نعم" أو "لا".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com