الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

العزلة في ظلال الكورونا/ بقلم: بروفيسور محمد حجيرات

بروفيسور محمد حجيرات
نُشر: 25/03/20 15:58,  حُتلن: 22:44

بروفيسور محمد حجيرات في مقاله:

الطبيعة الأًم قاسية ولكنها أًمٌ رؤوم تحُب أبنائها من البشر وهي تكشف عن عوراتها ومعالم ضعفها ليكتشف الانسان ذلك، ويجد العلاج والدواء لمحاربه اثار قسوتها

في هذا الزمان الغريب تخيّم على الانسانيّة غيمة سوداء، ظهرت خلسة، جاءت من المجهول وحُبلى بالمفاجئات. لأول مره تقف الإنسانية، على ابواب المجهول الضبابيّة، عاجزة عن ايجاد الحلول لفك شيفرة هذه الامور الشائكة.
البشرية بعنفوانها، بأبنيتها التي تناطح السماء، بأسلحتها الفتاكة، النووية منها والتقليدية، بعلومها وتكنولوجياتها المتطورة، بتجاربها المتراكمة تقف عاجزة عن محاربة عملاق غير مرئي هو "فايروس الكورونا". تسلل خلسة الى حياتنا وبدون استئذان صارخاً في وجه البشرية جمعاء: " لكي تكون مرعبًا... عليك ان تكون غير مرئي...".

يُحكى ان الخليفه العادل عُمر بن الخطاب وهو في طريق زيارته الثانيه لبلاد الشام اعترضه بعض الصحابة وطالبوه بالعودة الى المدينة خوفاً على حياته، لأن ارض الشام موبوءة بالطاعون، وعندما عاد عُمر ادراجه هرع اليه صحابيٌ جليل هو أبو عبيدة عامر بن الجراح صارخًا في وجهه: " أهربًا من قدر الله يا عُمر... ". التفت اليه عُمر والشرر يتطاير من وجهه المتجهم وشدّه من تلابيب ثوبه حتى كاد يخنقه وخاطبه بصوت جهوري وصل صداه الى جميع بقاع الارض: "نعم يا ابا عبيدة... هو هربٌ من قدر الله... الى قدر الله".

نعم ايها الأحبة، "العزل" هو السلاح الوحيد حاليا لمواجهة هذه الجائحة، حتى تنكشف هذه الغُمّه القابعة على صدر البشرية. واصدقكم القول انه "هرب من قدر الله"... ولكنه... "هرب قصري الى قدر الله". وكم نحن بحاجة للسيد المسيح عليه السلام لإبراء مرضانا من هذه الجائحة.

يحضُرني في هذا السياق ذكرى طيبة وانا أرعى غُنيماتي في التلال الممتدة بين شفاعمرو وبير المكسور، مع والدي طَيّبَ الله ثراه وأحسن مثواه. فجأة وعلى حين غرّة وبدون استئذان وكالبرق الخاطف شق القطيع حصانًا جامحًا ظهر من لا مكان، ينفث الدخان من صدره، وأكمل طريقه الى لا مكان، عندها تفرق القطيع وتشتت وتعالت مأمأة الخراف الصغيرة التي تباعدت عن امهاتها التي ملأ ثُغَائها الوديان، وتسمّر الكبش وهو قائد القطيع في مكانه وكأن الحادثة اذهلته فلا يعرف ماذا يفعل.

هممت لأساعد في ترتيب الفوضى ولكن ابي، وابتسامته المعهودة تزيّن محياه الجميل، أمسك يدي مانعًا اياي من التدخل قائلاً: " لا تقلق يا بُنيّ، عند الشدّة كل خروف يلحق أُمه". وفعلا، لم تمر الا لحظات حتى بدأت معالم الرتيبة تعود للقطيع المتبعثر بعد الفوضى التي احدثها الغريب غير المرغوب به...

الطبيعة الأًم قاسية ولكنها أًمٌ رؤوم تحُب أبنائها من البشر وهي تكشف عن عوراتها ومعالم ضعفها ليكتشف الانسان ذلك، ويجد العلاج والدواء لمحاربه اثار قسوتها. الطبيعة الام تنتفض وترتعد وتتوتر فينكسر التوازن الطبيعي المعهود، ولكنها تعمل جاهدة لإعادة التوازن الطبيعي، وتستجدي ابنائها من البشر ليساعدوها على احلال هذا التوازن.
هذا "الفايروس الكوروني" الدخيل مثال على توتر الطبيعة الأُم، ونحن نرى التسابق المحموم المحمود في معاهد الأبحاث العلمية والطبية في شتى اصقاع الارض لإيجاد الدواء والمصل لمساعدة الطبيعة لإعادة توازنها الطبيعي. هؤلاء العلماء والاطباء هم ورثة الأنبياء، فهم من ناحية يعملون من اجل انقاذ البشرية من الدمار ويعملون لمساعدة الطبيعة المنتفضة والمتوترة لإعادة توازنها الطبيعي.

ايها الأحبة، أُوصيكم وأوصي نفسي بالعزلة والعودة الى حضن العائلة حتى تنكشف الغمّة. وأنتم أيها الأحبة في العزلة، وأتمنى ان لا تمتد لمئة يوم... تعرفوا من جديد على ازواجكم...عائلاتكم... ابنائكم... جيرانكم...أحبائكم... أعيدوا ترتيب الاوراق... تعاضدوا وأفشوا السلام بينكم واحبوا بعضكم في زمن الكورونا... اسألوا انفسكم ماذا قدمنا للبشرية؟، والأهم ماذا علينا ان نفعل للمحافظه على هذا الكوكب الرائع الذي هو بيتنا جميعًا، وللإنسانية التي هي عائلتنا الأنيقة.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة