الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 20:02

الجوح والجائحة في ظل الكورونا/ بقلم: د. عدنان قادر

د. عدنان قادر
نُشر: 01/04/20 14:33,  حُتلن: 21:29

د. عدنان قادر:

في العصر الحديث تطلق الجائحة على حالة الانتشار السريع للوباء، كل وباء، على نطاق شديد الاتساع بالكرة الأرضية حاصدةً معها الكثير الكثير من أرواح البشر

كثيراً ما نسمعُ بالآونة الأخيرة مصطلح - جائحة "الكورونا". فما مصدر كلمة "جائحة" في اللغة العربية؟ وهل وردت في أدبيات العربِ قديماً؟
في العصر الحديث تطلق الجائحة على حالة الانتشار السريع للوباء، كل وباء، على نطاق شديد الاتساع بالكرة الأرضية حاصدةً معها الكثير الكثير من أرواح البشر. وقد تحدثُ الجائحةُ لتُؤثرَ على الثروةِ الزراعية من محاصيل ومواشي وأسماك وبيئة وغير ذلك. معنى كلمة "جائحةٌ": بَلِيَّةٌ، تَهْلُكَةٌ، دَاهِيَةٌ، مُصيبَةٌ.

ورد في كتاب غريب الحديث للخطابي حديث المرأة العجوز مع الخليفة عمر، تشتكي له فاقتها وفقرها ومعوزتها قائلة له: "أعاذَكُم اللهُ من جَوْحِ الدهرِ وضغمِ الفقرِ". بمعنى حفظكم الله من شدائد ومصائب الزمن وشدة الفقر. والضغم هو العض الشديد، ويكنى به الأسد أيضا. وكأن الفقرَ الشديدَ أسدٌ مفترسٌ يعضُ الفقراءَ عضاً شديداً. فهذه العجوز الحكيمة تدعو اللهَ حفظ الناسِ من مصائب الزمن ومن الفقر الشديد وسوء الأحوال. فما أحوجَ الناس في زماننا هذا في ظلِ أزمة "الكورونا" الى تلك الحكمة البليغة من ذاك الدعاء والابتهال الجميل، والأخذ بالأسباب.
كلمة "جَوْحٌ" و "جِياحةٌ" بمثابة مصدر للفعل "جاحَ، يجوحُ، اجتَحْ".
فقد وردت في أدبيات العرب قديماً جملة: "جاحَهم الدهرُ ويَجوحُهُم جَوحاً بالجَوائحِ". بمعنى أصابهم الدهر بالمصائب، والنوازل، والهلاك. وجمع كلمة "جوحٌ": جوائحُ.
ويتمُ تصريفُ الفعل جاحَ على وزن "افتعل": اجتاحَ، يجتاحُ، اجتياحٌ "افتعالٌ".
ومعنى اجتاحَ: أهلكَ، اكتسحَ، سيطرَ، دمّرَ. ويقال: سنةٌ جائِحَةٌ: بمعنى جَدبةٌ، غير مُثمِرَةٍ ولا مُنتِجَةٍ.

وردت كلمة جائحة في حديث نبوي شريف. حيث رُويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم انه قال: (ان بعتَ من أخيكَ تمراً "وفي رواية: ثمراً"، فأصابتها جائحةٌ، فلا يحلُ لكَ ان تأخذَ منه شيئاً، بمَ تأخذ مالَ أخيكَ بغير حقٍ؟).
والجائحة: هي المفسدة والتلف. بمعنى لا يحق لأنسان أبداً أن يبيعَ بضاعةً فاسدةً وتالفةً. ووردَ في كتاب الموطأ للإمام مالك، عن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنه أمرَ بوضعِ الجائحةِ، أي ترك البضاعة والمحاصيل التي أصابتها مفسدة، وباتت غير صالحة.


فما هي الجوائح الشديدة من الأوبئة التي أصابت البشرية في القرون الماضية؟
الجوائح كثيرة ومتعددة عبر القرون، لكن ربما أبرزها الطاعون الأسود المعروف بالإنجليزية ""The black death
انطلقت بداية الاجتياح لهذا الوباء من آسيا (الصين) لتصل دول البحر المتوسط وغرب أوروبا سنة 1348م، وتسبب في وفاة ما يقدر بحوالي 30 مليوناً أوروبياً ، بما يعادل ثلث سكان أوروبا. وعلى مستوى العالم مات قرابة 75 مليوناً من البشر. في معظم حالات الأوبئة عبر التاريخ، تم التغلب عليها، عن طريق الحجر الصحي والعزل،  قبل الشروع بتناول العقاقير، وذلك لتحجيم مدى الاجتياح والانتشار والحد من اتساع رقعته. علاوة على  الإجراءات الصحية من حيث اتباع طرق وقائية تحمي الناس من الوباء.
ففي عصرنا الحالي وظروف الأزمة التي يعيشها الناس عالمياً، حريٌ بنا جميعاً اتباع الوقاية، والعزلة عن الاخرين قدر الإمكان وفق تعليمات الهيئات الصحية في كل قطر وقطر. الابتعاد عن التجمعات وعن مخالطة وملامسة الناس.  التزام البيوت، والدعاء والشعور ب الاطمئنان وسلامة الصدر، متابعة برنامج التعلم عن بعد للطلاب بكافة الأجيال، فرصة للمطالعة وتصفح الكتب، وفرصة للوالدين متابعة أبنائهم تعليميا وتربوياً ورفع أداءاتهم وتنمية قدراتهم، وكذلك اتباع برنامج غذاء صحي، وممارسة الرياضة بالبيت، كل ذلك بحاجة الى صبر ومصابرة لكي يتعافى العالم من أزمته ولتسعد البشرية، مع أخذ الدروس والعبر الكثيرة من تداعيات جائحة "الكورونا".

مقالات متعلقة