يوجد مثل عربي يقول: الصديق وقت الضيق". وهذا المثل لا ينطبق على الناس في العلاقات الشخصية فقط، وإنما أيضاً على قادة الدول التي تربطها ببعضها علاقة صداقة. فما بالك إذا كانت هذه الدول تنتمي لمجموعة واحدة مثل الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وغيرهما. صحيح أن العرب (كما أعتقد) هم الشعب الوحيد الذي يوجد لديه هذا المثل ولا يعملون به على الصعيد الرسمي، إلا في الحالات السلبية، والأمثلة كثيرة على ذلك، لكن الدول الغربية ليست أحسن تعاملاً مع بعضها في الضيق ، وجائحة كورونا كشفت عورة هذه الدول وأسقطت ورقت التوت.
يقول محلل سياسي خليجي في تحليل له في الحادي ولثلاثين من الشهر الماضي:" إن فيروس كورونا قدم بانتشاره السريع والواسع دروسا كثيرة، وظهر في الجائحة أمام الجميع، متمكنا من الوصول وتسجيل أحداث قاسية ومؤلمة كشف ما تسترت عليه السياسة الدولية ومنظماتها إلى درجة لم تعد قادرة على البقاء على الحال الذي سبقها أو توافرت فيه حاليا، وتبينت آثارها على جميع الصعد والمجالات، ولا سيما في العلاقات والنظم والتوجهات. وكانت في الأغلب امتحانا عسيرا وصعبا، اختبرت فيه المشاريع والبرامج والنظريات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية".
الدولة الإيطالية، التي تأثرت بشكل كبير جداً ومأساوي من تفشي فيروس كورونا الجديد (كودوف 19) وتكبدت خسائر بالأرواح اقترب عددها من العشرة آلاف ومصابين بهذا الفيروس بلغ عددهم عشرات الآلاف، هذه الدولة لم تلق أبداً من يساعدها في أوروبا والولايات المتحدة، علما بأن إيطاليا هي العضو المؤسس في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومجموعة الدول العشرين وتكتل الدول السبع الأكبر والأكثر ثراء في العالم، وأحد أعمدة النظام الرأسمالي في أوروبا، الجائحة (كودوف 19) أظهر مدى تخاذل الإتحاد الأوروبي، لدرجة أن الصحافة الإيطالية اليومية ألمحت في أعدادها يوم السابع والعشرين من شهر مارس/آذار الماضي، إلى أن "الإتحاد ليس قوة وترك إيطاليا تحصي موتاها".
وإذا تصفحنا ما ورد في رسالة المرأة الإيطالية التي بعثت بها إلى قادة الإتحاد الأوروبي، نلمس الحزن العميق الذي ينتابها بسبب خيبة أملها من الدول الأوروبية. أنا شخصياً أفهم خيبة الأمل هذه، لأنها أصابتنا أيضا كفلسطينيين من أبناء جلدتنا لأنهم تخلوا عنا في أوقات المحنة، وأتفهم حجم المأساة التي تعبر عنها رسالتها وشعبها بحاجة فورية إلى مساعدة، فنحن أكثر شعوب العالم تفهماً لمآسي الآخرين، لأننا عشنا مآسي كثيرة متنوعة. المرأة الإيطالية قالت للرؤساء الأوروبيين في رسالتها: "شكرا لأنكم تخليتم عنا في وقت حاجتنا، شكرا لرفضكم إمكانية منحنا مجرد كمامات بسيطة، وأشياء أخرى لمساعدتنا على مقاومة انتشار الفيروس".
وفي مخاطبتها للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون قالت المرأة الإيطالية في رسالتها:" شكرا لأنكما فعلتما كل ما بوسعكما لعزلنا بدل مساعدتنا، اسمعوا يا أعزائي، حين نذكروا اسم إيطاليا يجب عليكم أن تقفوا على قدميكم وتطأطئوا رؤوسكم.، ولن نستقبل بأذرع مفتوحة إلا من ساعدنا وقت الحاجة. وشكرا من امرأة إيطالية."
تفاقم الوضعين الصحي والإقتصادي في إيطاليا وعجز الحكومة الإيطالية عن معالجة ذلك خصوصاً أن الإتحاد الأوروبي تخلى عنها، دفع بالأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي، ماركو ريزو، إلى القول: “إن الحالة المأساوية التي تشهدها إيطاليا تبين بوضوح أنه:"خلال هذه الأوقات الصعبة للغاية بالنسبة للشعب الإيطالي اختفى الاتحاد الأوروبي، ووصل التضامن إلى إيطاليا من دول مثل كوبا وفنزويلا وفيتنام والصين، التي تنتهج نهجا مختلفا عن الاتحاد الأوروبي”. وذهب ريزو إلى أبعد من ذلك بالقول:" “بعد حالة الطوارئ الصحية، يتعين على إيطاليا الخروج من منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، في حين يجب إلغاء الإنفاق العسكري غير الضروري”.
رئيس جمهورية صربيا، الكسندر فوتشيتش انتقد أيضاً وبشدة دول أوروبا والغرب بشكل عام لعدم تعاونها مع بلاده وشعبه، ولا سيما في قضايا إنسانية وضرورية مثل كورونا. فقد قال صراحة استناداً إلى وسائل إعلامية " لقد أدركت أن التضامن الدولي غير موجود والتضامن الأوروبي غير موجود وكانت تلك قصة خيالية على الورق" وعندما يتحدث رئيس دولة بهذا الشكل، تعكس أقواله مدى شجن وغضب وألم هذا الرئيس من سلوكيات حلفائه الأوروبيين. الرئيس الصربي، أفهم (أصدقاءه؟) الأوروبيين، أن الدول المفروض أن تساعد بلاده قد تخلت عنه، والدولة البعيدة جداً الصين وهي آسيوية غير أوروبية قدمت العون لبلاده.
إن ما حصل في أوروبا يظهر بوضوح عدم تضامن الدول الأوروبية مع بعضها في وقت الشدائد، لكنها جميعاً تتفق مع بعضها سياسياً في قضايا الإعتداء على العرب، كما حصل في العراق ومع الفلسطينيين وغيرهم. يقول مثل شعبي "لقد ذاب الثلج وبان المرج". فهل يكون فيروس كورونا الجديد عاملاً مهماً لبعض دول الاتحاد الأوروبي وخصوصاً إيطاليا للخروج منه بعد القضاء على هذذا الفيروس؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com