عطاف منَّاع صغير في مقالها:
معنى العدل هو اعطاء الحق لاصحابه ،من الفعل عَدَل يَعْدلُ ، في لسان العرب يقول ابن منظور"هو ما قام في النُّفوس ،انه مستقيمٌ ضد الجور وهو الحُكم بالحق" اي تحقيق التوازن بين أمرين
للعدلِ تأثيرٌ في تَطورِ البشرية ويُعتبَر ركيزة لبعضِ العلوم، مثل الدِّين الأخلاق الحقوق ،القضاء ،الفلسفة ،الشريعة ،القوانين والانظمة. للقوانينِ والانظمةِ دورٌ في تنظيم ِالعلاقات داخل المجتمع ، بين المجموعات ،بين الافراد وبين الفرد والمجتمع. وظيفة القوانين والأنظمة ،هي الحفاظ على العدلِ والانْصاف، بين الافراد في المجتمعات البشرية ، في المجالات المتعددة العمل ،الصحة ،التعليم دون تَمييز في الجنسٍ ،العرق والدّين ،منح فرص متساوية للتَّقدم وحمايةِ المواطنين والافراد في المجالات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية ،فوجود الدولة مرهون بوجود القوانين ، كلما كانت القوانين والأنظمة تقوم على العدلِ وتبتعد عن الظلم ، فان العلاقات تكونُ سليمة أكثر، وهذا يَضمن الازدهار والتَّطور للفرد والمجتمع .
معنى العدل هو اعطاء الحق لاصحابه ،من الفعل عَدَل يَعْدلُ ، في لسان العرب يقول ابن منظور"هو ما قام في النُّفوس ،انه مستقيمٌ ضد الجور وهو الحُكم بالحق" اي تحقيق التوازن بين أمرين . فماذا يقول الفلاسفة في العدل والعدالة ؟
أفلاطون والعدالة
في كتاب الجُمهورية (كاليبوس في اليونانية )، المُؤلَف الرَّئيسي لافلاطون ،وهو حوار فلسفي سياسي ، يَعرضُ فيه افلاطون رؤيته للدولة الفاضلة "المثالية " يقوم بهذا الحوار، سُقراط مع شخصيات مُختلفة ،هذا الحوار يَتميزُ بالجدل ،من خلاله تنعكس صفات ومميزات جمهورية افلاطون التي يرسمها ويتخيلها .
يَتحدث افلاطون في كتاب "الجمهورية" عن العدل ،النظام والدولة العادلة المثالية ،هذه الدولة مؤلفة من طبقات ثلاث ، يُشَبِه أفلاطون طبقات المُجتمع بالذات النَّفس الانْسانية ،منها العاقلة ، تتميز بالارادة والاخرى الشَّهوانية تَتَميز بالشَّهوات، وكل طبقة ترتبط بجزءٍ من جسمِ الانْسان، وبفضيلة انْسانية، اليك هي :
أولاً- طبقة التُّجار والحرفيين وهم البطن في جسم الانْسان ، وفيه تَكمن الشَّهوات، هذه الطبقة تًرتبط بفضيلةِ ضبط النَّفس والاعْتدال .
ثانيًا - طبقة الحُراس، وهم القلب في جِسم الانْسان ، وفيه العاطفة، ترتبط بفضيلة الشَّجاعة
ثالثًا - طبقة الفلاسفة ، وهم الرأس في جِسم الإنسان ، وفيه العقل، وهم الحكام والملوك ترتبط بفضيلة الحكمة .
أما فضيلة العدالة ، بالنسبة لافلاطون ،فترتبط بكلِّ المُجتمع، لان المُجتمع العادل والدولة العادلة ،هي التي يقوم كلُّ فردٍ فيها بالعمل الخاص بطبيعته ، العامل يشتغل. الجندي يًحرس والحاكم يحكم .يحاول أفلاطون ،تقديم تعريفٍ للحاكِم العادلِ من خلال مقارنتِه بالحاكم المُستبِد، كما يُقسِّم الحكومات إلى أربع أنماطٍ:
الحكومة الأرستقراطية، حكم الافضل
الحكومة الأوليغاركية، حكم الاقلية
الحكومة الديمقراطية، حكم الشعب او الاكثرية
و الحكومة الاسْتبدادية. حكم اقلية مُستبدة (الاقطاعية )
اما افلاطون نفسه ، فيفضلُ الملكية الدستورية، كما يعترف بأن العدالة المُطلَقة تظلُّ غير قابلة التَّحقق.
يقولُ سقراط في نهايةِ حوارة في جمهورية أفلاطون : أن العدالة ليست القوة المجردة، وليست مُلكا للأقوياء ، إنما هي تَعاون كل فئات المُجتمع تعاونًا متوازنًا يُحقق الخيرَ والسعادة للجميع.
كما أشارافلاطون ، الى ضرورة نَزع الثَّروة عن الحكام ،وتحديد دخل ثابت لهم ، هذه الفكرة تُعتبر نواة الفكر الشُّيوعي ،كما ويُمنع الحكام من الزَّواج لأنهم الأصل والمرجعية في الحكم ،القضاء والتَّشريع .
الفارابي والعدالة
يُكَون الفارابي في كتابه "اهل المدينة الفاضلة "، صورةً للمجتمعِ الفاضل ، كما سَبقه في هذا التَّصور افلاطون في كتابِ الجمهورية . أراد الفارابي من خلال كتابه هذا، أن يُنشيءَ مدينتَه استنادًا اً للمبادئ التي تَقومُ عليها فلسفتُه وآراؤه في السَّعادة ،الاخلاق ،الكون وخالقه، وما وراء الطبيعة. كما تتميزُ لغةُ الفارابي في الصُّعوبة والتَّعقيد.
يَحتوي الكتاب على سبعةٍ وثلاثين فَصلًا، تَحدثَ فيها الفارابي عن خَمسةِ موضوعاتٍ رئيسية، هي:
* الذّات الإلهية مُمثَّلةً في الموجود الأول،
* العالَم بما يحتوي من موجودات؛ جمادات وكائنات حية وأجرام سماوية،
* النَّفس الإنْسانية،
* الأخلاق والمبادئ الأساسية لها ،
* و حاجة الإنسان إلى الإجتماع.
في قسم حاجة الانْسان الى الاجْتماع ، يُكونُ الفارابي ،صورةً مُثلى للتَّعاون بين أفراد المُجتمع من أجل مدينةٍ فاضلةٍ يَسودُ فيها العدل، ويَتمتعُ سُكانها بالسَّعادة، وتُساعدهم فضائلُهم من الصُّمود في مواجهة المُدن الأُخرى.
يُقسم الكتاب الى قسمين ، القسم الاول، وفيه يتحدث الفارابي عن "مبادِئه الفلسفية " التي يؤمن بها ،هذه المبادئ تَنعكسُ في المواضيع الثَّلاثة الاولى، الذَّات الإلهية ، العالَم بما يحتوي من موجودات والنَّفس الإنْسانية. في هذا القسم ،تظهر أراء الفارابي متوافقة مع مبادئ الدين الاسلامي بالنسبة لوجود الله.
اما القسم الثاني، ويَنعكس في الموضوعين الرَّابع والخامس وهي ،الأخلاق وحاجة الإنسان إلى الاجتماع ، فيه يشرح الفارابي ،عن "المدينة الفاضلة" . يرى الفارابي أنَّ المدينة الفاضلة ،هي المدينة التي تَتحققُ فيها سعادةُ الأفراد على أكمل وجه ، يكون ذلك ، بالتعاون بين أفرادها ، شَرط ان يَختصَ كلُّ واحدٍ بالعملِ الذي يُتقنه وبالوظيفة التي تتلاءم مع مُؤهلاته .
في هذا القسم ، في آرائه عن الموجودات وصلتها بالخالق ،يَظهر الفارابي متأثرا بآراء افلاطون والافلاطونية الجديدة .
جان جاك روسو والعدالة
وضع روسو كتابه" العقد الاجتماعي "
Social contract
يُسمى كذلك "مبادئ الحقوق السِّياسية " سنة 1762، في وقت لم يَكن حرية للرأي ، فيه يُبين روسو موقفة بجرأة بالنسبةِ للعبودية ، الرِّق وعَدم المُساواة ويُناضل من أجل حقوق الانْسان المُساواة والحرية .
في هذا الكتاب يقول روسو :ان هدفَ النِّظام الاجتماعي والسِّياسي هو حفظُ حقوقِ الفرد ،والشَّعب هو صاحب السِّيادة ، بهذة الجملة كان يَسعى من أجل نظامٍ جمهوري، يَعتمد مذهب روسو ،على الايمان بانَّ الانسان خيِّرٌ بطبيعتِه ، يميلُ للنِّظام والعدل، إلا ان المُجتمع يُفسده .والمُجتمع سئ وظالم لانه لا يُساوي بين الناس . لذلك يَرى روسو انه من الواجب ،القضاء على المُجتمع الجائر والظالم ، والعودة الى الطَّبيعة ليتفقَ النَّاسُ بعقدٍ اجتماعي لاقامةِ مجتمعٍ ، يَتفقُ عليه الجميع، تكونُ السِّيادة للشَّعب، يتساوى فيها النَّاس تُنظم فيه الدِّيانة الثَّروة والتَّربية ويقوم على المشاركة التعاون والمساواة.
وقد أدت كتابات واحلام روسو للثورة الفرنسية سنة 1789، وكان لها تأثيرٌ كبيرٌ على أوربا والعالم الغربي .لقد كان كتاب روسو" العقد الاجتماعي " ، المحرك والمُوجه للثَّورة الفرنسية ، كما أشار المؤرخ الأُسْكتلاندي تُوماس كارليل ، في كتابه" البطولة وعبادة الابطال "(1930) :"لقد وَجدتْ الثورة الفرنسية إنْجيلها في كتابات روسو ".
الفيلسوف الامريكي جون رولز في كتابه "نظرية العدالة" (1971)
A Theory Of Justice
ارادَ رولز في عمله الفلسفي من خلال كتابه "نظرية العدالة"، تقديمَ شكلٍ للعدالةِ يكونُ بديلا للمذهبِ البراغماتي في النَّهج والمعرفة وللتغلب على المبدأ الانجلوسكسوني، يُعد انجاز رولز، في اعداده وصياغتِه "لنظرية العدالة" لحظة مميزة في الثَّقافة والفلسفة الامريكية .
قام رولز بفحص الليبرالية السِّياسية وقدرتها في توفيرِ الحقوق والحُريات للذين ينتمون لتيارات اجتماعية اخلاقية وفلسفية متناقضة ومختلفة، من اجل العيش سَوية مع ضمانِ الحرية الشَّخصية لكل فردٍ والحقوق المُتساوية بين جميع الافراد. يَشترط رولز ضبط اللامساواة الاجْتماعية والاقتصادية بطريقتين، اولا ، ان تكون الوظائف والمَناصب مفتوحة للجميع .ثانيا ،ان تكون الا مساواة في صالح الافراد في المجتمع.
تنطلق نظرية رولز " العدالة كانصاف"، من اهْتمامه ،في تَوضيح مَعنى الحرية الفردية كمصدرٍ للعدالة الاجْتماعية في المجتمع المُعاصر، ومن المبدأ بان المُجتمع هو نِظام مُتعاون ومُنصف ،فالشخص الذي يَتعاقد مع الافراد الآخرين، يَمتلك القدرة على المُشاركة الاجْتماعية ، الالتزام بالواجبات والحقوق وهكذا يُصبح الفرد عضوًا اجتماعيًا ومواطنًا حرا . هذا المُجتمع يُتميز بالانصاف العدالة الاخلاق ،المساواة و الحرية الفردية "الليبرالية "أي تحقيق اقصى الامكانيات من حرية الاختيار عند الفرد ،كما تتمثل في التسامح والتقبل (غراي،1992 ).
اجمال –
من خلا ل ما تقدم نرى ان العدالة في رأى أفلاطون هي تعاون كل فئات المجتمع تعاونًا متوازنًا يُحقق الخيرَ والسعادة للجميع ،وتوجد ضرورة لنَزع الثَّروة عن الحكام ،وتحديد دخل ثابت لهم ويُمنع الحكام من الزواج لأنهم الأصل والمرجعية في الحكم ،القضاء والتشريع .
ويرى الفارابي أن المدينة الفاضلة ،هي المدينة التي تَتحققُ فيها سعادةُ الأفراد على أكمل وجه ،يكون ذلك ،بالتعاون بين أفرادها واختصاص كلُّ واحدٍ بالعمل الذي يتقنه .
أما روسو، فيؤمن بان الانسان خير بطبيعته ،يرغب في النِّظام والعدل، إلا ان المُجتمع يفسده لان المجتمع وظالم لانه لا يساوي بين الناس فالعودة الى الطبيعة ضرورية ، ليتفقَ النَّاس بعقد اجتماعي لاقامة مجتمع يسود فيه الشعب، يتساوى فيها الناس، تُنظم فيه الديانة الثروة والتربية وبهذا تتحقق العدالة الاجتماعية .
ويؤكد رولز أن الحرية الفردية هي مصدرٍ العدالة الاجتماعية في المجتمع المعاصر، لان المجتمع في رأيه ، نِظامٌ مُتعاون ومُنصف يَعتمد على التَّعاقد بين الافراد الذي يؤدي الى المُشاركة والالتزام .
*المراجع*
غراي،ج (1992)،الرجال من المريخ والنساء من الزهرة ،مكتبة نور
روسو ،ج (1762)العقد الاجتماعي،ترجمة عادل زعيتر ،مؤسسة هنداوي
رولز ،ج، (1971) نظرية العدالة ،ترجمة ليلى الطويل ،الهيئة العامة السورية ،دمشق .
كارليل ،ت (1930) "البطولة وعبادة الابطال " ترجمة محمد السباعي –مصر
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com