عدتُ هذه الأيام إلى المجموعة الشعرية الكاملة لشاعر العمال والجماهير، طيب الذكر المرحوم توفيق زيّاد، كي أقرأ من جديد قصائده عن العمل والعمال والكدح، وذلك بمناسبة عيد الطبقة العاملة الكفاحي، أول أيار، ولمست في مضامينها الحس الشعبي الطبقي الواضح، والانتماء الحقيقي الأصيل. ولعل من المفارقات أن زيّاد جاء إلى الدنيا وعانق ضوء الحياة في شهر أيار.
توفيق زيّاد من العلامات المضيئة البارزة في شعر المقاومة والكفاح والمعارضة والالتزام الفلسطيني، وأحد نجومه المتألقة التي لمعت بعد النكبة الفلسطينية، ويعد المعلّم لمجايليه من شعراء الوطن والتراب، أمثال حنّا أبو حنّا وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وحنَا ابراهيم ونايف سليم وشكيب جهشان ومحمود دسوقي وغيرهم.
وعرف زيّاد كشاعر ماركسي أممي متحزّب، ملتزم بكل معنى الكلمة بالمضمون التزامًا كاملًا وأكثر من بقية زملائه ورفاقه في خندق الكفاح والمقاومة. وتميّز بمواقفه السياسية والنضالية والتصاقه بقضايا الوطن والشعب وهموم العمال والكادحين. وأهتم في قصائده وأشعاره بالمناسبات والشخصيات والأحداث الثورية، وغنّى للبروليتاريا كما غنّاها شعراء المقاومة في العالم، ولنسمعه وهو يغني ويهتف لعمال موسكو، قائلًا :
يا اخوتي العمال في موسكو
قلوبكم كبيرة.
وبقدر ما أنتم جبابرة، فانتم طيبون.
وستغفرون لنا حق الشتائم.
وسترسلون لنا الهدايا
دون عد.
وستبنون لشعبنا، مليون سند.
أنا اعرف العمال .. أعرف طبقتي
وستشحنون لنا المكائن والمصانع :
فالصلب من سيبيريا
والقمح من اكرانيا
والسفن والاحواض من ليننغراد
والميغ من موسكو
وسترسلون لنا السلاح ..
من الرصاص إلى المدافع.
نحمي به الوطن المقدس
من نوايا كل طامع،
وإذا ادلهم الأفق، البحر استبد به
سفين المعتدين.
وطغى الغزاة، وأوغل المستعمرون.
لن تتركونا ..
لن تتركونا .. انكم ستطيرون
مليون إنذار جديد
من شبابيك الأمل
في الكرملين
أما عن كادحي بلادنا فيكتب لهم :
هنا على صدركم باقون كالجدار
ننظف الصحون في الحانات
ونملأ الكؤوس للسادات
ونمسح البلاط في المطابخ السوداء
حتى نسلّ لقمة الصغار
من بين أنيابكم الزرقاء
هذه هي أشعار توفيق زيّاد سلسة بكلماتها، صادقة بمعانيها، عذبة بتعابيرها، شجية بموسيقاها، ندية باختلاجاتها.
توفيق زيّاد رأسماله إنسانيته، عاش متواضعًا، كان مناضلًا صلبًا يقارع اليمين الصهيوني داخل اروقة الكنيست، وشاعرًا مجيدًا ملهمًا، لم تسلبه المناصب والمراكز التي تبوأها وشغلها تواضعه وحبه للناس، ولم يكن من أصحاب ملذات الدنيا، بل من عشاق الحياة، وابنًا بارًا وفيًا لشعبه ووطنه ومجتمعه وناصرته وبسطاء الشعب، ولم يدع فرصة اجتماعية أو وطنية أو سياسية أو حزبية إلا واشترك فيها، ما دام الهدف من ورائها مصلحة الوطن والفئات الشعبية الكادحة.
قضى أبو الامين وأبقى لنا سيرة غنية، شريفة ونظيفة، وترك ارثًا شعريًا طبقيًا ووطنيًا، وأشعارًا إنسانية تجسد هموم الوطن وتحاكي الإنسان، وتصور آلام وآمال شعبنا بالحرية والعدالة والمساواة، وتحولت بعض قصائده إلى أغانٍ وطنية وسياسية أصبحت من التراث الحي لأغاني المقاومة.
وكم نحتاج في أيامنا هذه لقائد شجاع صاحب رؤية ورؤيا، وشاعر جماهيري كتوفيق زيّاد، رحمه اللـه وطاب ثراه وذكراه.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com