سلسة مقالات: " التعليم نحو الافضل "
الأستاذ أحمد محاجنة – محاضر في التقويم البديل، البيداغوجيا الحديثة ومستشار تنظيمي، مختص في N.L.P.
مقدمة،
ان الناظر اليوم لأساليب اتخاذ القرارات وانعكاسها على الجوانب التعليمية، التنظيمية، التربوية والإدارية في المدرسة يستغرب من قضية اتخاذ القرار في أي موضوع ما ومدى تأثيره على الجو العام في المدرسة فانه توجد عدة رؤى لاتخاذ القرار وتنفيذه على ارض الواقع.
ان الديموقراطية في اتخاذ القرارات النابعة من عدة مشاورات في قضايا تصب لمصلحة المؤسسة والاستماع لأهل الاختصاص والمهنيين داخل المدرسة وبعد المصادقة على القرارات فان لتنفيذها على ارض الواقع يجب ان يكون بأسلوب دكتوري من خلال إلزام تنفيذ القرار بحذافيره كما صودق عليه بدون تغييرات,تجاهل او تهاون من قبل أصحاب القرار، لكي نقوم في فحص مدى تنفيذ القرار في موضعه السليم يتم بناء خطط وأدوات قياس لتقييم جودة تطبيق القرار للجهة المعد لها.
قد فرضت التطورات العلمية الهائلة في شتى مناحي الحياة نفسها على طبيعة عمل كل المؤسسات بمختلف مجالات تخصصها وعملها الأمر الذي استدعى تطوير الهياكل التنظيمية داخل تلك المؤسسات لاستيعاب ما تفرضه التطورات العلمية من قيم وتوجهات بات من الحتمي على المنظمات مجاراتها وإلا فإن النتيجة ستكون البقاء في نفس المكان دون تقدم ولن تستطيع المؤسسات اللحاق بركب التطور أياً كانت السرعة المتبعة في ذلك لأن عجلة التقدم العلمي تسير بوتيرة سريعة حيث إن منجزات التقدم العلمي تضيف كل لحظة ما هو جديد لخدمة البشرية.
وبالوصول للنظام التعليمي نلحظ أنه تأثر أيضاً بما فرضه التقدم العلمي من تطورات فرضت على المسؤولين في النظام التربوي والتعليمي وصُناع القرار تدارك الموقف وتهيئة أنفسهم ومؤسساتهم التعليمية للتعاطي بإيجابية مع مخرجات التطور العلمي بدءا برياض الأطفال مروراً بالمدارس ووصولاً للجامعات.
يستوجب هذا الأمر تهيئة البيئة التنظيمية والمؤسساتية لاستيعاب التقدم العلمي بكل تفاصيله، وقد أصبحنا بحاجة لتطوير العنصر البشري داخل المؤسسات لاسيما التعليمية والتي نحن بصدد الحديث عنها بتوسع في الصفحات القادمة، حيث تعتبر الموارد البشرية العنصر الأهم في مصفوفة التغيير الفعال والمنشود للمؤسسات وحتى الدول التي ترغب في أن تخطو للأمام وصولاً لتبوء مراكز متقدمة في ترتيب نفسها في معايير التطور والتقدم في النظام التعليمي على المستوى الإقليمي أو العالمي.
وبالحديث عن تطوير القيادات المدرسية كخطوة نحو تطوير منظومة التعليم في الدول، أصبح من الضروري تطوير كفايات العنصر البشري في المدرسة، حيث تُعتبر المدرسة المؤسسة الأهم والأبرز في المؤسسات المجتمعية، ويُسند إليها مهمة رفد المجتمع بجيل قادر على تنفيذ فلسفة النظام التربوي والسياسي بمختلف توجهاته السياسية، والاقتصادية، وحتى الثقافية.
ولتطوير العنصر البشري بالمدرسة أصبح يُطرح ويتداول مفهوم التمكين الإداري للعناصر البشرية داخل المدرسة كشرط حاسم لتطوير تلك المنظومة وهذا ما نسعى للخوض في تفاصيله وصولاً لقيادات مدرسية مُمكنة سعياً وراء تطوير الممارسات الإدارية، وتحسين الأداء الإداري لتلك القيادات الأمر الذي سينعكس بجودة عالية على سير العمل داخل مؤسسة المدرسة وكذلك مخرجاتها.
مفهوم التمكين الإداري
عرفت (عبد الحسين،2012) التمكين الإداري بأنه: مفهوم إداري يركز على الاِهتمام بالموارد البشرية وتحسين وتوثيق العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين كونها أساس نجاح العمل الإداري، والثقة بالمرؤوسين وجعلهم يتحملون المسؤولية والعمل على تزويدهم بالمهارات التي تؤهلهم لاكتساب المعارف والخبرات ليكونوا قادرين على ممارسة دوراً أكبر في المشاركة في اتَخَاذ القرارات وحل المشكلات.
فيما عرف أونجوري وشاندا(Ongori & Shunda, 2008) مفهوم التمكين الإداري باعتباره إحساس الموظف بالقدرة على التأثير في ظروف العمل الذي يقوم به بشكل ملموس وكأنه يعمل لنفسه وليس بصفته أجيراً، الأمر الذي يعزز لديه روح المبادرة والرغبة في العمل، وكذلك إطلاق أفضل الطاقات الكامنة لدى الموظف، ويساعده على النمو والتطور الشخصي، مما ينعكس إيجاباً على أدائه في العمل..
نشأة التمكين الإداري
أشار(حمادين،2012) إلى أن مفهوم التمكين الإداري بدأ يتبلور في أدبيات الإدارة وفي ممارسة بعض المؤسسات في البيئة الغربية بعد التسعينات من القرن العشرين، ولم يظهر بصورة مفاجئة، وإنما ظهر كنتيجة تراكمية وتطورية عبر ما يزيد عن مائة عام من التطور في الفكر الإداري بمفاهيمه المختلفة بشكل عام، وبالمفاهيم التي تتعلق بإدارة الموارد البشرية وإدارة العلاقات العامة مع الإنسان داخل وخارج المؤسسة.
ونحتاج في رحلة التمكين الإداري إلى التعليم، فلا تطوير إداري بدون اكتساب لمعارف إدارية وتعليم لها، ونحتاج إلى زيادة دافعية تلك القيادات المدرسية بالوسائل المختلفة، وعلينا أن نعي جميعاً الرؤية التي نحن بصدد الوصول إليها من خلال الإجابة على السؤال المطروح دوماً إلى أين نحن ذاهبون؟ وكذلك ضرورة امتلاك القيادة، ووجود الرغبة الأكيدة والحقيقية في التغيير نحو الأفضل، وأيضاً ينبغي أن نبتعد عن الأنانية وحب الذات وصولاً لذوبان الذات الفردية في الذات الجماعية لتحقيق الهدف الأكبر المتعلق بمصلحة المدرسة ككيان مجتمعي نسعى لتطوير أدائه وتحسين مخرجاته، كما أن العاملين بالمدرسة يجب أن يشعروا بقيمتهم كأفراد مؤثرين وشركاء في نجاحات المدرسة عبر الاحترام المتبادل والثقة الدائمة.
مزايا التمكين الإداري للقيادات المدرسية
بالنظر إلى التمكين الإداري ومزاياه وفوائده على المدرسة والعاملين فيها نرى أن له العديد من المزايا والمكاسب على كل المستويات، حيث إن تطبيق التمكين الإداري بصورته الفاعلة يضمن للمدرسة تطوير الممارسات الإدارية بشكل احترافي، وكذلك تحسين الأداء للقيادات الإدارية، وقد أورد (كوهين،2010) مجموعة من المزايا يمكن للتمكين الإداري تحقيقها في المؤسسات التعليمية وهي:
1-يحقق التمكين الإداري زيادة النفوذ الفعال للأفراد وفرق العمل بإعطائهم المزيد من الحرية لإدارة مدارسهم والمعلمين وحرية الأداء لمهامهم.
2-يركز التمكين على القدرات الفعلية للمديرين والمعلمين في حل مشاكل العمل والأزمات.
3-يستهدف تمكين المديرين والمعلمين استغلال الكفاءة التي تكمن داخل الأفراد استغلالاً كاملاً.
4-يجعل التمكين مديري المدارس أقل اعتماداً على الإدارة الوسطى في إدارة نشاطهم ويعطيهم السلطات الكافية في مجال عملهم.
5-يجعل التمكين المديرين مسؤولين عن نتائج أعمالهم وقراراتهم.
وعلاوة على تلك المزايا نُضيف أخرى لها حيث إن المدارس التي تحظى بتطبيق لنهج التمكين الإداري تملك فرصا أكبر للنجاة من آثار الأزمات التي تعترض المدارس بأشكالها المختلفة حال وقوعها، لأنها تطبق التمكين الإداري لقياداتها، وأن من غايات التمكين الإداري القدرة على التصرف في الأزمنة الحرجة ووقت الأزمات.
خطوات التمكين الإداري للقيادات المدرسية
لا يمكن لأي مدير مدرسة أو أية مؤسسة تطبيق التمكين الإداري بشكل عشوائي، بل لابد أن يحتكم هذا الأمر لبرنامج عمل مخطط له ومحدد بطريقة تساعد على نجاح تلك البرامج التمكينية داخل المؤسسات التعليمية، فللابتعاد عن العشوائية وسوء التخطيط لابد أن تمر برامج التمكين في المدارس عبر خطوات عدة وهي:
• قياس قدرات الآخرين، تقديم النموذج، توقع النجاح وصناعة الأمل، تفويض السلطات مع المهام، تقديم التغذية العكسية (اوهاد، 2014).
ويكمن القول هنا أن التمكين الإداري للقيادات المدرسية يستوجب تشخيص واقع مدراسنا للتعرف إلى قدرات تلك القيادات ومدى امتلاكها لمقومات النجاح الإداري، بالإضافة لتقديم النماذج عبر طرح التجارب الناجحة للتمكين في مختلف الميادين للاستئناس بها ومحاكاة تلك التجارب مع الإقرار بخصوصية كل بيئة مدرسية، وتوقع النجاح مع وجود الأمل الدائم بهذا النجاح، وتفويض الصلاحيات للعاملين بدءًا من التفويض الرأسي من قبل الإدارات التعليمية للإدارات المدرسية وكذلك التفويض الموجه من الإدارات المدرسية إلى بقية العاملين بالمدرسة، ويُعتبر تفويض الصلاحيات شرطا ضروريا لنجاح التمكين الإداري لنبتعد عن مركزية القرارات المدرسية والتصرف بنمطية الفكر الشمولي الذي يسيطر ويتحكم في كل صغيرة وكبيرة في الشأن المدرسي، ووصولاً للخطوة الأخيرة وهي التغذية العكسية فهي ضرورية للوقوف على الإخفاقات ومعالجتها واتخاذ الإجراءات التصحيحية أولاً بأول بشأنها، بالإضافة للتعرف إلى نقاط القوة وتعزيزها والبناء على نتائجها الميدانية.
شروط نجاح التمكين الإداري للقيادات المدرسية
• وجود مُناخ مهيئ مفعم بالثقة المتبادلة بين العاملين بالمدرسة وبين المدرسة ومحيطها والهيئات الإدارية الوسطى والعليا.
• وجود نظام للحوافز لتعزيز نجاحات القيادات المدرسية في تنفيذها لفلسفة التمكين الإداري.
• استلهام النجاحات من التجارب الإقليمية والعالمية والاستئناس بهذه النجاحات.
• السعي نحو رسم السيناريوهات التطويرية المستمرة والانطلاق من الواقع الحالي نحو الوضع الأفضل.
• منح مزيد من القوة للموظفين وهي القوة النابعة من قوة التفويض والمستمد من التمكين الفعال للموظفين.
ويشيرHardy O’Sullivan,2015) ) بالقول أن نجاح استراتيجيات التمكين الإداري يعتمد على بيئة المنظمات والمؤسسات التعليمية وكذلك نمط تنفيذها لعملية التمكين، وإنه إذا ما تم التمكين في بيئة المؤسسة وأُسلُوب تنفيذ عملية التمكين بكفاءة وقدرة وفاعلية فإن التمكين حينها سيعزز من تحسين مخرجات المؤسسات التعليمية، وكذلك جودتها، ويقلل من التكاليف، وتحقيق المرونة داخل المؤسسات التعليمية، وسينتج رفع مستوى الرضا الوظيفي للمديرين والمعلمين.
وعليه فإن نجاح التمكين الإداري يستلزم كل هذه الركائز التي ذكرت ويُضاف لها إعطاء مساحة أوسع من التفويض، والتقليل من التغييرات الغير مدروسة والمتسارعة في بنية وهيكلية النظام التعليمي، ووجود نظام مكافآت فاعل، والدعم الاجتماعي المتواصل بعيداً عن أسلوب التفتيش وتصيد الأخطاء، والتدريب والتأهيل المستمرين للقيادات المدرسية وفق أحدث النظم الإدارية الجديدة في الإدارة المدرسية.
كيف يمكن للتمكين الإداري تطوير الممارسات وتحسين الأداء لدى القيادات المدرسية؟
مما لا شك فيه أن التمكين الإداري يعتبر استراتيجية إدارية تنظيمية تدفع القيادات المدرسية بمختلف مستوياتهم الإدارية لأن يقدموا أفضل ما لديهم من إبداعات خلال الممارسات اليومية لمهامهم الإدارية، وبذل المزيد من الجهد المميز وصولاً لنجاح المدرسة في أداء رسالتها، ويتأتى هذا النجاح عبر التمكين الإداري الفاعل للقيادات المدرسية، ووصولاً للكيفية التي يعمل من خلالها التمكين الإداري على تطوير الممارسات الإدارية وتحسين أدائها فإن هذا يحدث بالشكل التالي:
1- عند منح القيادات المدرسية حرية الإدارة والتصرف في عمليات اتخاذ القرارات عبر توسيع مساحة الصلاحيات الممنوحة لهذه القيادات، وتهيئة بيئة إدارية مناسبة لممارسة مهامهم الإدارية سنلاحظ أن الممارسات الإدارية قد تطورت، والأداء لهذه القيادات قد تحسن.
2- يعمل التمكين الإداري على تحفيز الأفراد على الإبداع الدائم والمبادرة الإيجابية نحو مدارسهم نتيجة للثقة الممنوحة لهم، والتحفيز الدائم بعيداً عن أسلوب الرقابة الصارم وبالتالي يدعم هذا الجو القيادات المدرسية لإخراج ما لديهم من إبداعات وقدرات كامنة، ومواهب مختلفة للانطلاق بالمدرسة نحو وضع أفضل مما هي عليه الآن. وفي هذه البيئة تتحصل القيادات المدرسية من خلال التمكين الإداري الذي يعيشون أجوائه على فرص وممكنات تعينهم بشكل كبير على تطوير الممارسات الإدارية لهم وتُحسن من أدائهم والوصول بهم نحو الأفضل.
3- إن جوهر عملية التمكين الإداري قائمة على إيجاد صف ثانٍ من القيادات المدرسية كقيادات بديلة في المستقبل حيث تؤمن هذه القيادات بالعمل التعاوني، والمشاركة الفاعلة والتغيير من مسارات الرقابة والتفتيش إلى مسار الثقة المتبادلة، وفي ظل هذه البيئة المشجعة تنمو القيادات المدرسية نمواً فاعلاً، ويمتلكون ممارسات إدارية جديدة متطورة، وأداء إداري مميز.
4- يقوم التمكين الإداري على التدريب والتأهيل المستمر للقيادات المدرسية حيث يعمل هذا التدريب على تطوير الممارسات الإدارية لتلك القيادات وتحسين أدائها.
5- كل الاتجاهات الإدارية الحديثة تنادي بإتاحة قدر أكبر من الصلاحيات للقيادات المدرسية، وهذا الأمر يسترعي الانتباه لضرورة تحقيق تنمية بشرية متعددة الجوانب لأطراف العملية الإدارية في المدرسة وقياداتها الذين يمسكون زمام الأمور، وبالنظر لهذه التحولات الكبيرة في الفكر الإداري المعاصر نجد أن التمكين الإداري قادر على الإيفاء بمتطلبات القيادات المدرسية عبر تطويرها، وتأهيلها، وصقل خبراتهم، وإكسابهم المهارات الجديدة في مجال تخصصهم وعملهم، وصولاً لقيادات مدرسية تمتلك ممارسات إدارية نوعية، وأداء إداري مميز يتلاءم مع توجهات الفكر الإداري الحديث.
وختاماً نرى أن التمكين الإداري للقيادات المدرسية يُعتبر أحد مداخل الفكر الإداري الحديث والتي تُعنى بتطوير هذه القيادات من خلال منحهم مزيداً من الصلاحيات لممارسة مهامهم من خلال مساحة من الحرية والاستقلالية، وسلطة أوسع في تحمل المسؤوليات، ومشاركة أكبر في عمليات صناعة واتخاذ القرارات، بهدف الوصول لتحقيق المدرسة لأهدافها، وأداء رسالتها، سعياً في النهاية لتحقيق غايتها وحُلمها.
وإن هذا المدخل الإداري الحديث إذا ما طُبق في بيئة مناسبة تؤمن بالتغيير الحقيقي، وتمتلك إرادة صادقة للوصول لوضع أفضل مما هي عليه الآن من خلال نشر ثقافة التمكين الإداري، وآلياته سنضمن من خلاله إيجاد قيادات مدرسية قادرة على الإبداع، وإدارة الأزمات، والتطوير الدائم في ممارساتها، بما يضمن تحسين الأداء نحو الأفضل وهذا ما سينعكس بالإيجاب على مخرجات المدرسة وبالتالي فإن النظام التعليمي والتربوي سيتطور وتتحسن مؤشرات أدائه ومعايير تقييمه لأن هذا الأمر يعتمد على تطبيق فلسفات إدارية قادرة على الوصول بالنظام التربوي لمراتب متقدمة في التصنيف العالمي لمؤشرات الأداء والجودة.
ملاحظة: المقال بين ايديكم اقتبست معلومات من مصادر مختلفة لبلورة فكري الخاص
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com