الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 07:02

إسرائيل تستنجد "امسكوني"../ بقلم: د. جمال زحالقة - رئيس حزب التجمع

د. جمال زحالقة
نُشر: 28/07/20 12:59,  حُتلن: 18:08

د. جمال زحالقة ي مقاله:

رغم التلويح والتهديد بالخيار العسكري، إلّا ان الاستراتيجية الإسرائيلية الأساسية تنطلق من أن قرار امتلاك إيران، أو عدم امتلاكها سلاحًا نوويًا هو خيار سياسي، ما يعني صبّ كل الجهود لـ»إقناع» القيادة الإيرانية بالتراجع عن المشروع النووي

في جلسة الحكومة الإسرائيلية في إبريل الماضي، أخبر نتنياهو الوزراء أنّ إيران تخفي المعلومات الحقيقية عن تفشي وباء كورونا، وقال بأنّ لديه شريطًا مصورا لسيارات شحن إيرانية تلقي مئات الجثث في مزبلة. طلب عدد من الوزراء مشاهدة الشريط، فأخبرهم نتنياهو بأن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات، هو الذي أطلعه عليه وسيطلب منه تحويله لمن طلب، وفعلاً جرى تحويل الشريط للوزراء. وبعد انتشار خبر ما جرى في الحكومة الإسرائيلية، هاجت وسائل الاتصال الاجتماعي بأن الشريط مزيّف وأنه مأخوذ من مسلسل هوليوودي عام 2007 بعنوان «الوباء».
وإذ فشل نتنياهو في ترويج شريط المسلسل الأمريكي على انّه حقيقة، يبث التلفزيون الإسرائيلي مسلسل "طهران"، الذي يعرض "بطولات" الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويخاطب مشاعر الخوف والغرور في نفس الوقت، ويخلق الجو المطلوب بأولوية الملف الإيراني.
الحقيقة ان نتنياهو مشغول أغلب وقته بالملف الإيراني، ويتابع كل صغيرة وكبيرة تتعلق به، ويعتبره أهم وأخطر ما تواجهه إسرائيل. ويرى أنّ العناية الإلهية اختارته لإنقاذ شعب إسرائيل مما يسميه الخطر الوجودي الإيراني المحدق، وأنّ أي محاولة للتغيير وإنزاله عن الكرسي، الذي طال جلوسه عليه، ليس تلاعبًا بأمن إسرائيل فحسب، بل مخاطرة بمصيرها وحتى بوجودها.
نتنياهو يعود ويكرر من على كل منصة «لن نسمح بكارثة ثانية» في إشارة إلى ان الخطر الإيراني هو من نوع جريمة الإبادة النازية، لتجييش المجتمع الإسرائيلي خلفه، والضغط على أوروبا في النقطة الحساسة المؤلمة، وهو يريد ايضًا أن يترك انطباعًا بأن إسرائيل لن تسلّم بحصول إيران على سلاح نووي «مهما كلّف الأمر» حتى لو ادّى ذلك إلى حرب. ولو أن كلمة حرب لا تقال مباشرة، إلّا ان القيادات الإسرائيلية لا تنفك عن التلميح الصريح بأنّ «كل الإمكانيات مطروحة على الطاولة، وكل الإمكانيات تعني عدم استثناء أي إمكانية». إٍسرائيل، عمليًا، تصرخ أمام العالم «إمسكوني» قبل ارتكاب حماقة أو مغامرة مجنونة.
تروّج وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، أنّ جزءا من سلسلة التفجيرات والحرائق في محطات توليد الطاقة، ومصانع ومرافق مختلفة، وأهمّها ما حدث في مفاعل نطنز، هي من فعل الموساد الإسرائيلي. في كل الأحوال هناك تصعيد خطير بكل ما يتعلّق بالملف الإيراني وبالأخص النووي. يأتي ذلك على خلفية ثلاث محطّات مهمة مقبلة، أولها اجتماع الوكالة الدولية للطاقة النووية، في سبتمبر المقبل، لبحث تجاوب أو عدم تجاوب إيران مع مطالب الوكالة. والمحطّة الثانية هي انتهاء مدة الحظر المفروض على بيع أو استيراد الأسلحة من إيران. المحطّة الثالثة والأهم هي الانتخابات الأمريكية. بالنسبة لإسرائيل كل واحدة من هذه المحطّات هي خطر وفرصة في الوقت نفسه، وهي الآن في مسعى مسعور (وغالبًا مستور) لاستغلال الأشهر المقبلة، وترامب في السلطة، والخروج منها بمكاسب تمتد لسنوات.

رغم التلويح والتهديد بالخيار العسكري، إلّا ان الاستراتيجية الإسرائيلية الأساسية تنطلق من أن قرار امتلاك إيران، أو عدم امتلاكها سلاحًا نوويًا هو خيار سياسي، ما يعني صبّ كل الجهود لـ»إقناع» القيادة الإيرانية بالتراجع عن المشروع النووي. وقد وضع هذا المبدأ، رئيس الموساد السابق تامير بيدرو، وتبنّاه رئيسه الحالي يوسي كوهين. وقد فصّل الموساد هذه الاستراتيجية، لتعطيل المشروع النووي، فيما يسمّى سياسة «خمسة أرجل»: ضغط دولي، ضغط سياسي بدعم المعارضة، ضغط اقتصادي من خلال حصار وعقوبات، ضغط إلكتروني باستخدام تقنيات السايبر، وضغط عنيف بالقيام بعمليات اغتيال وتفجيرات. وتستند هذه الاستراتيجية إلى تعاون وثيق مع الولايات المتحدة، وصل في عهد ترامب إلى اندماج شبه كامل في استهداف أمريكي إسرائيلي لإيران وقدراتها العسكرية القائمة والمقبلة.
في خطاب له الأسبوع الماضي حدّد بنيامين نتنياهو نظرته الى الخطر الإيراني قائلًا: "هناك ثلاث مخاطر، أولها وأهمها الملف النووي، وثانيها تموضع إيران في سوريا وتحالفاتها المعادية لإسرائيل (اساسًا حزب الله) وثالثها تطوير أسلحة صاروخية دقيقة." وفي كل هذه المجالات تريد إسرائيل ان تستغل الوقت الباقي للانتخابات الأمريكية لإحداث تغيير في صالحها، وذلك من خلال استغلال الفرص العسكرية والسياسية قدر الإمكان.
الأشهر المقبلة ستكون ساخنة، وربّما ساخنة جدًّا، والسؤال لماذا يقف العالم العربي موقف المتفرج، أو الداعم للحلف الإسرائيلي الأمريكي. ما هي مصلحة العرب أصلًا في هذه القضية. لا شكّ بأن مصلحتهم أن يكون الشرق الأوسط خاليًا من السلاح النووي، وهذا يعني أولًا نزع السلاح النووي من إسرائيل، فهو ليس مشروعًا مستقبليًا بل حقيقة واقعة تهدّد أمن شعوب المنطقة كافة. هذه لحظات تاريخية تتطلب استراتيجية عربية تبدأ بالحوار مع إيران والاتفاق معها على توجيه الجهود لنزع السلاح النووي الإسرائيلي، مع التزام إيران بعدم تطوير أسلحة نووية إذا تحقّق ذلك. إذ كيف يمكن ان نطلب من إيران وقف مشروعها النووي وإسرائيل تمتلك مئات القنابل الذرية؟ 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة