يحل علينا عيد الأضحى المبارك، ونحن في مواجهة مشكلتين عظيمتين وهما:
الأولى: وباء الكورونا، الذي اشتد خطره، واستهلك الجهد، واستنزف الوقت، وشق على الناس حياتهم، وعكر صفو عيشهم، ذلك لأن مسؤوليتنا الشخصية والجماعية، تفلتت من عقالها، - جهالة واستكبارا- والتزامنا بالتعليمات الواقية، قوبلت بالاستخفاف والسخرية، تحت دعاوى، يراد لها الانتصار للذاتية النافرة، والسطحية المستفزة، فأعداد المصابين تزايد بشكل مفزع، وكيف لا ونحن لا نراعي التجمعات بأعداد هائلة، وبخاصة الأعراس، البؤرة الأكثر إصابة، فعلام كثرة الدعوات، أمن أجل المال؟ ، إنك واجد من يقول: إنني قضيت السنوات الطوال ألبي الدعوات، وأقوم بواجب الأعراس والحفلات، فكيف أتخلى عن فرصة سانحة أسترد بها المال، يا لله ، لقد غلبت عليه شقوة المال حتى لو خسر الأهل والعيال.
أما المشكلة الثانية ، مواجهة الأشرار القتلة ، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وجندوا من الفتيان بما يطلق عليهم (الجنود)، "يمدونهم بالغي ولا يقصرون"، من مال وأسلحة وسيارات، لتنفيذ مآربهم الهابطة ، والأسرة في غفلة شنعاء، لا تعلم طبيعة هؤلاء الذين نبتوا في المنابت السيئة، وترعرعوا في الأنابيب الجارية.
وعود على بدء، فالمشكلة الأولى، الكورونا ، وهي بفهم المؤمنين، تمحيص وابتلاء ، وللعاصين عقوبة وعناء، فالمؤمن ، يحتاج إلى يقظة دائمة ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، والعاصي ، يحتاج إلى توبة صادقة، دون ابطاء وروية، والعودة إلى ربه يستغفره ، يرجو رحمته ويخشى عقابه.
كل ذلك يقودنا إلى مرحلة المبادأة المفضية – بإذن الله – إلى الحل ، انطلاقا من الآتي:
1- المحاسبة الذاتية: تجعلنا أن نعترف بأن بعدنا عن الله تعالى، وعدم تعظيم ما أمرنا به من حماية النفس وصيانة الجسم ، أساس مشكلتنا وسر هزيمتنا، وهي التي جعلتنا " طرائق قددا" قال تعالى: "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الألباب" .
2- اشعال دوافع المناهضة، مناهضة الأشرار، فلم يعد مقبولا أن نلقي اليهم بالمودة، وقد انتهكوا الحرمات ، وبسطوا أيديهم بالسوء ، ومع بعضنا نتعامل بلغة القسوة والفظاظة.
3- بناء إرادة حرة لمواجهة تفشي ثقافة ( العضلات)، فبيوتنا ومدارسنا وشوارعنا ومؤسساتنا ومحلاتنا التجارية ومكاتبنا، تهيمن عليها إرادة مسعورة أمام إرادة مقهورة، تهيمن على جميع مفاصل حياتنا، فإرادة حرة تمنع – بإذن الله تعالى - هذه القلة المأجورة من شرها وتوقف زحفها الضاري.
4- مسؤولية الأسرة، التي انتفى معها التوجيه الحازم والود الباني، إذ عليها أن تقول لأبنائها: هذه المساحة المتاحة لكم، فإن تجاوزتموها، فلن ندع لكم فعل ما بدا لكم ، وعلى الأسرة تجنيب أبنائها الصحبة الفاسدة، وفي ذات الوقت، إحاطتهم بقلوب حانية. " يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا" .
5- مواصلة جهد الإمام بأداء واجبه في مناهضة العنف، وتحذير الناس من القتل وبيان أسبابه، وسوء عاقبته، وفي المقابل، بيان موقف الدين من وباء الكورونا ووسائل مقاومته، وبهذا الجهد، عزز الإمام مكانته، وأدان له الناس بالتقدير العميق والاحترام الصادق، لا نقول ذلك هضما لجهود الآخرين، وتقليلا مما بذلوه، بل لاشتغال الإمام اليومي في مشاكل المجتمع وما يحتاج من نصح ومتابعة.
6- تطوير الملكات التسامحية وتنميتها بين صفوف الناس واستحضار قيمة الحوار وطيب الكلام ، بقصد مرضاة الله تعالى، بعيدا عن المماراة والغلبة، قال تعالى: " وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط مستقيم" .
7- التوجه الصادق إلى الله تعالى بالدعاء، والتذلل له بأن يفرج عن الأمة كربها ، ويزيل عنها ما غشيها من الوباء والبلاء، والخلاص من الطغمة ، التي أطبقت بطشها على أمن العباد والبلاد .
ألا فلنجعل تقربنا إلى الله تعالى (لقاحا) يحصننا من الوباء ويصد عنا الأعداء ، فما بين الابتلاء والوباء، صلة وثيقة، فلا تشغل نفسك بالحاضر الخادع، حتى لا تحتجب عن الفرج القريب، الآتي من القريب، واعلم أن انحسار الفهم والعلم مع انتفاخ الباطل، بلاء ، أشد فتكا من الوباء.
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
وفي هذه المناسبة تتقدم الدائرة الإسلامية في قسم الطوائف الدينية، بأخلص معاني التهنئة وأعظم آيات المباركة إلى جميع المسلمين، بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، سائلين الله تعالى ،أن يحفنا جميعا بالسلامة والسعادة. وأن يوفقنا لكل فعل محمود ويوصلنا لأعظم مقصود.