في شهر يونيو/حزيران الماضي نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالاً للدبلوماسي يوسف العتيبة سفير الإمارت في الولايات المتحدة اعترف فيه بوجود تقارب بين إسرائيل وجزء كبير من العالم العربي في السنوات الأخيرة. وحذر العتيبة إسرائيل " من تنفيذ خطتها لضم اجزاء من الضفة الغربية بشكل أحادي، لإن مثل هذه الخطوة من شأنها تدمير أي آمال في مزيد من التقارب بين إسرائيل والعالم العربي".
المقال أثار في حينه جدلاً واسعاً كونه من دبلوماسي خليجي كبير ينشر في صحيفة يومية إسرائيلية تعتبر من أكبر صحف إسرائيل. وأن المقال لم يأت من فراغ بل له خلفيات سياسية خصوصاً أن كاتبه تربطه علاقات متينة مع أركان الإدارة الأمريكية، وذلك باعتراف القناة الإسرائيلية 13 التي أشارت إلى أن المقال نجم عن مشاورات ولقاءات مسبقة بين الدبلوماسي الإماراتي ومسؤولين كبار أمريكيين وإسرائيليين.
منذ تلك الفترة، كان مفهوم ضمناً أن الإمارات تقوم سرا بالترتيب لحدث سياسي مهم (إماراتي إسرائيلي) لا سيما أن الإعلام العبري وأيضاً نتنياهو كانوا يشيرون بين فترة وأخرى إلى أن دولاً خليجية ستقوم ببناء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وقد حدث ما كان متوقعاً، عندما تم الإعلان يوم الثالث عشر من الشهر الجاري عن اتفاق بين إسرائيل والإمارات بمشاركة أمريكية وصفوه بــ تاريخي الإتفاق ينص على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، ليصبح رسمياً الإتفاق الثالث من نوعه بعد مصر والأردن.
ولكن ما السبب الذي دقع الإمارات لاتخاذ هذه الخطوة؟ ظاهرياً اشارت الإمارات إلى أن إلغاء إسرائيل لمشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن هو مقابل تكبيع العلاقات مع إسرائيل، التي وافقت نظرياً على الشرط الإماراتي. لكن عملياً فإن هذا الشرط كان مجرد تغطية وهمية، كون إسرائيل لن تتخلى أبداً عن مشروع الضم وذلك باعتراف نتنياهو نفسه الذي تحدث عن "تعليق الضم وليس إلغائه" من جهة أخرى فإن العتيبة وحسب مصادر إسرائيلية ذكر في المقال بالحرف الواحد ، “في الآونة الأخيرة، تحدث القادة الإسرائيليون بحماس كبير عن تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى"، وهذا يعني بوضوح أن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل كان يسير بكل هدوء ولا علاقة لمشروع الضم بهذا الإعتراف، بل كان مجرد تغطية له.
إسرائيل وحسب التجارب الفلسطينية لا تلتزم ولا تنفذ أي اتفاق. ولو كانت إسرائيل جادة بالفعل في مشروع سلام مع الدول العربية وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلماذا رفضت اقتراح القمة العربية في بيروت عام 2002 والذي ينص على اعتراف الدول العربية كاملة بإسرائيل مقايبل اعترافها بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية؟
هناك مثل شعبي فلسطيني يقول: "لاحق الكذاب لباب الدار" وسنلحق بكذب الإمارات إلى عقر دارها. عندما تتبجح الإمارات بأن إلغاء مشروع الضم الإسرائيلي هو السبب وراء عملية التطبيع مع إسرائيل، فقد كان من المفترض أن يكون هناك تنسيق بين الإمارات وبين السلطة الفلسطينية حول هذا الأمر كون الموضوع الفلسطيني هو الأساس حسب الرواية الإماراتية. لكن ذلك كذباً لأن الفلسطينيين لم يعلموا بأي تحرك إماراتي، فعلى أي أساس وافقت الإمارات على التطبيع؟
هل خضع نتنياهو للإرادة والشرعية الدولية وقام بتطبيق قرارات الأمم المتحدة جميعها، وهل أوقف عمليات القصف والتدمير المستمر بحق الفلسطينيين، في القطاع أو الضفة الغربية. وهل اعترف الرئيس الأمريكي ترامب بوجود شعب فلسطيني له الحق بالدفاع عن نفسه وبناء دولته المستقلة ؟ طبعاً لا، الأمر الواضح أن الخطوة الإماراتية لا علاقة لها بتاتاً بالموضوع الفلسطيني، بل بالعكس من ذلك فإنها أتت لتكريس الإحتلال والإعترف الإماراتي بأن القدس كاملة هي عاصمة إسرائيل، فعندما قررت الإمارات إقامة علاقات كاملة فمعنى ذلك أنها اعترفت ضمناً بأن القدس هي عاصمة إسرائيل. وهنا لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الإمارات وافقت على صفقة القرن ورضخت لكافة الإملاءات الأميركية.
وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أقر بأن “الإمارات وبمبادرة شجاعة أعلنت عن قرارها مباشرة في إقامة العلاقات الاعتيادية مع إسرائيل”. لكنه برر ذلك كذباً ونفاقاً بقوله: "ان الإمارات تفعل ذلك للمحافظة على فرص حل الدولتين وتدعو لإستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتلتزم بالعمل مع الاصدقاء لإحلال الأمن ولضمان إستقرار المنطقة”.
إسرائيل ترفض حل الدولتين والإمارات تعرف ذلك. ولست أدري عن أي حل يتحدث فرقاش والإمارات لم تتحدث مع الفلسطينيين؟ ومن هم (الأصدقاء) الذين سيتعامل معهم الوزير الإماراتي لإحلال الأمن في المنطقة؟ هلى هي الولايات المتحدة مثلاً أو إسرائيل؟ ما هذا الهراء والنفاق. والقضية من أساسها أن الإمارات ترعب بملء إرادتها إقامة علاقات مع إسرائيل وهذا من شأنها، لكن ليس من حقها اتخاذ الفلسطينين جسراً لذلك، وليس من حقها أن تمشي على حثث الفلسطينيين من أجل تلاقي أبو ظبي وتل أبيب.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com