الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 11:01

روحٌ هَاِئمةٌ/ بقلم: رشا وتد

رشا وتد
نُشر: 19/08/20 10:26,  حُتلن: 13:29

شبَّ شِجَارٌ بَينَ الَجِسِد والروحِ، َفقاَلْتْ الروُحُ للجسِد:"أيُها الجسد لمْ أعد َقاِدرة على تَحمل وتكبد اوجاعك ،سأكسر أغلالك وأطير الى عباب السماء وأبحر بحريتي حيث اشاء". رد الجسد:"ومن منعك من الرحيل اترينني متشبثًا،ام انت رهينتي!!؟، ولكن عليك ان تدركي، أنك لن تجدي راحة سريرتك إلا بداخلي". لم تنصت الروح للجسد وكسرت أغلالها، وحملت كبرياءها وطارت هائمة على وجهها، لا تعرف وجهتها، طارت عالياً محلقة بالفضاء، غاصت بأعماق المحيطات وشقت السهول والغابات باحثة عن عرش تمردها .

وخلال تجوالها رأت ذئباً يتجول بالغابة، استحسنت قوته فدخلت لجسده، وعندما أعلن شراسته وهجم هجمته وتلطخ وجهه بالدماء، وسار بعروقه دم غزال برئ، جزعت منه وانتزعت نفسها من داخله، مرددة:أين الرحمة ؟؟! وطارت بعيداً باحثة عن جسد اخر.

فوقع نظرها على كلب،اعجبها وفاءه واخلاصه، تسللت لجسده ، وبعد مرور يومين ، لم تقوى على تحمل جرعات الوفاء المبالغ فيها، فهامت بالفضاء فوجدت شجرة باسقة على الاكمة،فتسللت اليها، فصارت الرياح تضرب بسياطها اغصانها وجذعها وأوراقها، والشجرة تقف بشموخ وعزة دون حراك ودون تألم وتذمر. لم تطق الروح ما رأته فأنسلخت عن الشجرة مسرعة، وعند تحليقها وجدت زهرة فواحة، تتراقص مع نسائم الحقل، فأعجبتها فتسللت من بين بتلاتها وسكنت كأسها، وبعد لحظات بدأت الفراشات والحشرات تتوافد على الزهرة لتمتص الرحيق من ثغرها، وكانت الزهرة ترقص وتترنم فرحة، لذلك المشهد، فلم تتحمل الروح، مقدار العطاء الذي تمنحه الزهرة للآخرين، فطارت بعيدا بعيدا.
فوجدت عصفورة مغردة على فنن باحدى السهول، تطير الالحان من منقارها، تطرب من في الارجاء بعذوبة نشيدها،فتسللت لجسدها، باحثة عن المستقر ولكن بعد ساعات وجدت الروح نفسها، بزنزانة ضيقة .فلم تتحمل جدرانها المتراصة فطارت عاليا .

وبينما هي هائمة على وجه اللجة، أنعكس من الأسفل وميض ولمعان صدفة في قاع البحر،غاصت اليها وجلست بين الصدفتين متباهية معتزة بجمال اللؤلؤة، ناصعة البياض .فلم تمر ساعات حتى توقفت سفينة وبين المد والجزر، أصبحت الصدفة بين شباك الصيادين، هربت الروح وواعز الحزن يملأ فؤادها.

فطارت محلقة للصحاري وعندما خيم الليل، غازلها ضوء البدر، فسلمت الروح وهاجرت اليه بكل عنفوان، وعند مرور أيام بدأ البدر يتلاشى وينقص ليصبح هلالاً، فتملكها الحزن وانسلخت عنه قائلة:" رأيتك الكمال بعينه ولكن من الواضح انني أخطأت". ومن بعيد تجلت لها صخرة عملاقة تقف مسبحة لخالقها، فاعلنت الروح :"هنا عرشي ومملكتي،ولن يستطيع أي شئ ان يهز جبروتي وعظمتي". وبعد هطول المطر وتحوله الى فياضانات بالصحراء بسبب تربتها الصماء، زرعت الأخاديد على وجه الصخرة، وبدأت تتصدع ويخرج من بين جنبيها، ينابيع من الماء تسير بترع باحثة عن شقوق بالارض لتتغلغل اليها،لم تتحمل الروح مقدار التضحية الذي اودى بتفتيت الصخرة، فطارت عاليا مرة أخرى طائفة سماء الغابات . قالت الروح:"أيتها الغابة انت عرشي ومملكتي". وبعد وقت قصير،صاحت حيوانات الغابة، وصرخة الوجوم والخوف مرسومة على وجوهها وبدأت،تتراكض، تقفز، تزحف وتتطاير، بفضاء وارجاء الغابة شاردة من حريق قد هز الغابة بأكملها. فقالت الروح:"أي سكينة اردتها بالغابة!!!". ففرت مفزوعة خائبة الامل، طارت الروح،هبطت، صعدت، تسللت، هجمت، نامت، افاقت، سافرت، هاجرت ، عادت، ولكنها بقيت هائمة على وجهها. وفي قرارة نفسها فهمت انها لن تصل للحرية والكمال، الذي زعمت بوجوده باحثة عنه، بعيدا عن ذلك الجسد، فقررت العودة وهي تحمل الهزيمة والانكسار، بثنايا ذاتها وتسحب معها تجربة قاسية مرة.ولكن عندما عادت الروح للجسد فقد بات متاخرا، فقد ضمت الأرض الجسد، واعادته لأحشائها.

حزنت الروح وبقيت هائمة،تبحث عن ذاتها بين النور والظلام، بالحلم واليقين، بالرذيلة والفضيلة، بالخير والشر، بالقبح والجمال، بالضجيج والسكينة، بالعشق والكراهية،بحثت الروح عن ذاتها بالارض والسماء بالبر والبحر ولكنها بقيت حبيسة ذلك الجسد ولم تجد حريتها وكمالها حتى يومنا هذا..

العبرة:
نحلم بالخلود ونترك الوجود بحثا عن امر غير موجود، نحلم بالخيال ونترك واقع الجمال ونهرب الى ما هو محال، نزعة الوهم تتملكنا، تتركنا في هالة الضياع المقيت المميت، فنبعد عن مقاليد الكونية والوجودية ونزحف الى الأبدية الإلهية.
القناعة كنز لا يفنى.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة