كنت قد نشرت قبل ما يقارب العامين بأن الإحتلال الثاني لمجتمعنا قريب، بل قريبٌ جداً ونحن من ننادي به. كيف ولماذا؟
على مر العقود السبع الماضية كان لنا كمجتمع عربي فلسطيني موقف حساس وحازم من الأذرع الأمنية لدولة إسرائيل وبضمنها جهاز الشرطة وذلك من دوافع وطنية وإنتمائية من جهة، ومن جهة أخرى على أمل بأن ننعم بما منّ الله علينا قبل العام 1948.
هذا ما عَمِلَت عليه القيادة العربية وما زال يعمل عليه البعض منها حتى يومنا هذا.
غالباً ما كان لنا موقف العِداء مع شرطة الدولة والتي هي المؤتمنة على أمن مواطني الدولة والحفاظ على النظام واحترام القانون.
موقف العداء هذا لم يأتي من فراغ، أقتَصِر وأقول بأن النوايا المؤسساتية والتي ترجمتها الأذرع الأمنية ضدنا كمجتمع هي ما دفعنا بأن لا نفضل أن نُقَرّب أو نتقرب إلى تلك الأذرع بل ووصمنا من فعل ذلك بالخائن والعميل.
لقد نادينا جميعاً، شعباً وقيادة بأننا لا نريد أذرع أمنية في بلداتنا العربية، معللين ذلك بعدة أسباب ومنها:
1. الشرطة لا يهمها أمرنا.
2. نحن نستطيع بعاداتنا وتقاليدنا وقياداتنا ودياناتنا أن نحافظ على نسيجنا الإجتماعي وعلى أمننا.
ودارت الأيام،،، وحلّت علينا تلك الليالي الحالكة والتي مرّت من تحت أعيننا، شعباً وخاصةً قيادة، والتي جاءت بأنباء الجاهلية وأخذت معها "أبناء العز والكرم".
بعدما تغنت قياداتنا من على كل منبر: "لا للشرطة ببلداتنا العربية"، أصبحنا وأمسينا نستغيث ونتوسل ونتساءل: "أين هي الشرطة"!!!؟؟؟
ماذا تغيّرَ؟ وكيف آلَ بنا الحال إلى المحال؟؟؟
طبعاً هذا ليس وقت البحث عن متهمين، وأنا لا أوجه كلامي إلى مجموعة أو فئة معينة من قيادة أو شعبا، بل وكفرد في هذا المجتمع الأصيل، أحمّل نفسي مسؤولية كبيرة بتدهور حالنا، هل أنت كأب، كأم، كقيادي تحمل نفس المسؤولية؟
إنّ تعنتنا بنبذ الشرطة لم يرافقه برامجاً وطنية خاصة بمجتمعنا لتحفظ ماء وجهنا، أي لم نطور كمجتمع آليات لحفظ النظام والأمن الداخلي لكل ٍ منا والعام لبلداتنا العربية.
والأخطر من كل هذا بأن عاداتنا وتقاليدنا الإيجابية التي كانت متبعة قد توارت إلى الثرى دون علم وملاحظة قياداتنا لذلك فاستمروا بشعاراتهم الرنانة بنبذ الشرطة بدون أي محاولة منهم لإصلاح الصالح قبل الطالح، فمسّنا جميعاً الضُر ولا حول لنا ولا قوة.
أمّا رموزنا الدينية، فقد لوحِقَ منهم من قد كانوا قلوبهم سليمةً وكانوا يملكون الرؤية المستقبلية بل وكانوا يملكون الإرادة والقدرة على الصلاح والإصلاح وزرع مكارم الأخلاق وتطوير المجتمع لا تركه يتدحرج إلى الهاوية.
لقد عزفت قياداتنا بالعقد الأخير عن الإهتمام المهني والمدروس بأمور مجتمعنا وبقضاياه المصيرية، وهذا العزوف أدى إلى التدهور الأمني والأخلاقي الذي نرى محصلته كل صباحٍ ومساءٍ وما بينهما من أوقات.
كان أكثر همهم الإنتخابات وتصفيف وتصنيف الكراسي.
هذا لا يعني بأن قياداتنا هم المتهم الأول والوحيد، لا ولكن ما يهمني رصد ما لم يُفعل وما يتوجب فعله.
واليوم، جميعنا يهتف (وااااشرطتاه)، جميعنا يندب أين أنت يا نتنياهو!!! أين أنت يا قانون؟؟؟
أين أنت يا قانون!!!
وماذا عن عاداتنا السامية وتقاليدنا التي منعت المصائب وأخلاقنا التي أفتخرنا بها بين الأمم!!!
هل تعلمون ماذا يعني (أين أنت يا قانون)؟؟؟
هذا يعني بأننا استسلمنا، رفعنا أيدينا ولم نعد نستطيع إدارة شؤوننا بأيدينا، شعباً وقيادة على جميع درجاتهم.
وأيضاً هذا يعني بأننا رضينا بالأمر الواقع وهو العيش في دولة مدنية حسب أعرافها وقوانينها الأمر الذي كنا نرفضه بداخلنا ولكن نتمناه بأطرافنا.
ولكن بين هذا وذاك هناك فئة لا بأس بها بالدولة عامة وفي مجتمعنا خاصة استغلت هذا التباين وتلك الحيرة بين الموجود والمرغوب والمطلوب فقامت بتنظيم نفسها وقامت أيضا بسن قوانين خاصة بها، تعمل بها وتفرضها على من تريد من مواطنين.
فأصبح مجتمعنا واقعٌ لا محالة بين الإنحلال الأخلاقي الذي أصابه وبين قوانين الفئات الخاصة الظالمة وقوانين الدولة العامة والمظلمة.
فماذا نحن فاعلون؟
القوانين الظالمة لعصابات الإجرام ومنفذيها الأظلم من أمامنا والإنحلال الأخلاقي من خلفنا وما لنا والله إلا أن نلجأ إلى قوانين الدولة وأذرعها الأمنية وأن ننادي بأعلى أصواتنا (وااااشرطتاه).
ولكن وللأمانة، مع توسع نفوذ فئات القوانين الخاصة والظالمة وإنتشار مناطق نفوذهم وكثرة أسلحتهم وعتادهم وتنوعه، هل تستطيع الشرطة لوحدها الوقوف أمامهم وحماية مجتمعنا؟
بالطبع لا، فلمحاربة تلك الفئات يجب أن تتدخل أذرع أمنية أوسع وأكبر مثل جيش الدفاع.
وبذلك، لا أدري إن كان هذا الأمر مدروساً أو مخططاً له من قِبَل المؤسسة الحاكمة ولكنه قريب جداً بأن تدخل قوى الاحتلال من جديد لبلداتنا العربية.
هل من سبيلٍ آخر؟
بالطبع نعم، وذلك عن طريق:
1. إدارة شؤوننا مهنياً وليس فقط قيادتها.
2. تحمل المسؤولية على جميع الأصعدة، آباء وأمهات، معلمات ومعلمين، سلطات محلية، أكادميين، قيادات محلية وقطرية.
3. تقوية جهاز التربية والتعليم العربي.
والمقترح الأهم آنياً:
رفع شكاوى لمحكمة العدل العليا (أو لربما دولية) بإسم جميع ضحايا الإجرام في مجتمعنا ضد رئيس الحكومة، وزير الأمن الداخلي، وزير الأمن، القائد الأعلى للجيش ووزير المالية.
محور الإدعاء يكون كالتالي:
أ. القتلى مواطني دولة إسرائيل.
ب. القتلى من دافعي الضرائب.
ج. القتلى لم يحصلوا على خدمات الأمن التي يدفعون من أجلها الضرائب.
د. القتلى وعائلاتهم لم يحصلوا على خدمات الشرطة والقضاء كما ينصه القانون وكما تحصل عليه أي عائلة غير عربية.(لا توجد لوائح إتهام )
ه. أغلب القتلى قتلوا بأسلحة مصدرها الأذرع الأمنية الإسرائيلية أو هُرّبت من خارج الدولة بتقصيرٍ من الأذرع الأمنية الإسرائيلية.
هذه الشكاوي ضد متخذي القرار والمسؤولون بالدولة تأتي على غرار الدعاوي القضائية والتي ترفعها الدولة بإسم ضحايا أي عملية يقوم بها فلسطينيون أو غيرهم، أو حتى لملاحقة سياسية بإسم (متضررين نفسياً) من أي شخصية عربية كالفنان محمد بكري مثلاً.
بتقديري إذا قام قادة مجتمعنا بترتيب أوراقهم وملاحقة من ذكرتهم آنفاً قضائياً يمكن لهذه الخطوة أن تكون فاعلية وتأثير كبيرين ومن شأنها أن تسلط الأضواء عالمياً على مجتمعٍ قادر ولكنه مُهمَل بل وأهمل نفسه، ويمكن لتلك الخطوة أن تفتح لنا كمجتمع أبواباً لم نتوقعها غير باب التوسل والاستجداء الحالي.
على قياداتنا الحكيمة أن تغير قوانين اللعب كما هو الحال بالمؤسسة الحاكمة والدويلات الصاعدة والمتفشية بسرعة داخل الدولة الواحدة.
والله ولي التوفيق،
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com