الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 14:01

الحدود البحرية في لبنان :مفاوضات السباق بين الترسيم و"المعارك" - بروفسور نسيم الخوري

نسيم الخوري
نُشر: 29/11/20 17:38,  حُتلن: 17:39

 يتأرجح التفاوض غير المباشر بين لبنان و"إسرائيل" بالكثير من المراوحة بين الوجهات الحافلة بتوقّع المطبّات والمشاكل المعقّدة، مقابل إشاعة خجولة لأجواء إيجابية مرسومة سلفاً بمناخات التطبيع مع أنّها ملغّمة بالشكوك والإتهامات المتبادلة الذائبة في مستنقعات الإنقسامات اللبنانية الحزبية والطائفية الكثيرة المتفاقمة. هناك نتؤآت قوية في شروحات التفاوض بين الربط "الإسرائيلي" للترسيم البري بالبحري بينما يتأبّط لبنان بثبات حدوده البريّة المرسومة قديماً حيث العقد قائمة في الترسيم البحري. هناك بالطبع أطماع وأحداث وأسئلة وملفّات كثيرة تبدأ في لبنان كما في "إسرائيل" ولا تنتهي في قبرص وشرقي البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى الراعي الأميركي ودول العالم المسكونة بروائح النفط والغاز في هذه المنطقة العذراء من العالم. بعيداً من هذا، ملاحظات مشكولة بثابتة وحيدة أنّ كلّ متر يزيد أو ينقص في إعادة ترسيم أو تصحيح بري يقابله خسارة أو إكتساب حقٍّ ولو ضئيلاً في ثروة لبنان النفطية والغازية.

1- أعلنت الجمعية العامّة للأمم المتّحدة ( 17/12/1970) مجموعة من المباديء لتنظيم إستثمار البحار والمحيطات بين الدول ، بإعتبارها ملكاً مشتركاً للبشرية جمعاء وليست سبباً مترسّخاً للنزاعات والحروب. وبعد عقدٍ تقريباً من المفاوضات المتقطّعة، أتّفق ممثلو  160 دولة على صيغة لقانون البحار أقرّتها الأمم المتّحدة (30/4/1982) ووقّعه ممثّلو 159 دولة خلال 13 سنة (بين 10/11/1982 و 16/10/1995)، وأصبح نافذاً. أخذت الدولة الموقّعة، تبعاً للقانون، تمارس سيادتها بما يتجاوز مياهها الإقليمية المتعارف عليها ب12 ميلاً إلى 200 ميل من خطوط الأساس التي يقاس منها عادةً عرض البحر الاقليمي، أي بما يعادل 370 كلم عرفت في القاموس الدولي ب" المنطقة الإقتصادية الخالصة"، وتعني المنطقة البحرية التي تمارس عليها كلّ دولة حقوقها الخاصة. لم توقّع "إسرائيل" على المعاهدة، بينما وقّعها لبنان (بموجب القانون 295، 22/2/ 1994) ليصبح في عداد الدول ال 94 دولة من أصل 142 دولة سواحلية انضمّت وأعلنت مناطقتها الإقتصادية الخالصة. 

2- ليس الإطار المرسوم للتفاوض بين لبنان والموفدين الأميركيين  إتّفاقاً بل تفاهمات أخذ وردّ لا علاقة لها بترسيم الحدود مثل تفاهم نيسان أوالخط الأزرق الذي يدّعي الإسرائيلي بصفته حدوداً يبنى عليها، أو قرار مجلس الأمن 1701 الذي لا يلغي أو يغيّر أبداً منطوق القرار 425. إنّ الحدود البريّة للبنان مرسومة ومثبّتة دوليّاً بالمحاضر والخرائط والإدارة. يمكنني إسنادها تذكيراً بخمسة أمورٍ جوهرية: 

أ- اتفاقية بوليه – نيوكمب التي رسمت الحدود البرية بين لبنان وفلسطين( 7/8/1923) وأودعت محاضرها وخرائطها دوليّاً(4/2/1924).

ب-  «اتفاقية الهدنة» التي أكدت الحدود البرية عينها (23/3/1949) بعد نشوب الحروب العربية مع "إسرائيل".

ج- ربط قبول عضوية "إسرائيل" في الأمم المتّحدة بتعهدها إحترام إتّفاقيات الحدود المثبتة دوليّاً.

د- قانون البحار الذي لم توقّعه "إسرائيل" تكراراً. 

ه- قرار مجلس الأمن 425 يضرورة الإنسحاب الشامل من لبنان. 

3- ماذا حصل ويحصل؟

منذ ال1967 وصولاً إلى حرب "إسرائيل" على لبنان في ال2006 مروراً بإجتياح لبنان الأوّل حتّى الليطاني في 14 آذار 1987 وإجتياحها الثاني عام 1982 فانسحابها من لبنان (24 أيار 2000)، حصلت متغيرات واعتداءات في الحدود البريّة ممّا إنعكست وستنعكس على سير المفاوضات غير المباشرة في الناقورة. هناك استحالة لإعادة ضم الترسيمين البحري والبري. لبنان نصب عينيه الترسيم البحري غير المرسّم حتّى ولو طال التفاوض وتحوّلت الملفات إلى المراجع الدوليّة.

4- وقّع لبنان وقبرص (17/1/2007) إتّفاقاً حدّد المنطقتين الإقتصاديتين الخالصتين باعتماد خطّ الوسط الفاصل بينهما،وأورثت لبنان أخطاء ومسؤوليات خبيثة جمّة، لأنّ خطّ الوسط الفاصل يعتمد بين الدول متجاورة أو متقابلة في المناطق الإقليمية للبحار، ولا يمكن إعتماده في تحديد المناطق الإقتصادية الخالصة، كما حصل في اتفاق قبرص ولبنان المذكور، إذ وصلت الحدود الفاصلة بينهما إلى مسافة لا تتعدّى ال130 كلم بينما يحق للبنان قانوناً الإستفادة من مسافة 370 كلم وفق النقاط المحدّدة على الإحداثيات من 1 إلى 6 بعدما وقّعها الطرفان. تمّ هدر حقوق لبنان بصفته دولة قاريّة لها بالقانون مساحات إقتصادية بحرية تتجاوز تلك المختصّة بالجزيرة البحرية المقابلة أعني قبرص، بالإضافة إلى أنّه يحق للبنان إحتساب مساحته البحرية وفقاً لطول شاطئه المتعرّج لا وفقاً للخط البحري المستقيم الذي أفقدت تعرّجاته اللبنانيين 15 بالمئة من حقوقهم.

5- نصّت المادة 5 من الإتّفاق اللبناني القبرصي إبرامه حسب الأصول الدستورية ليسري مفعوله عند تبادل الدولتين وثائق الإبرام، لكنّ هذا الإتّفاق فقد قيمته لعدم تنفيذه والمصادقة عليه في مجلس النوّاب اللبناني. لغّم الإتفاق  نصّت عليه المادة 3 :

"إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الآخر والتشاور معه  قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الاخرى، إذا ما تعلّق التحديد بإحداثيات النقطتين 1 (النقطة الأولى من الخط  أي النقطة الثلاثية الأبعاد بين قبرص ولبنان وإسرائيل) والنقطة 6. أودع لبنان، بالتالي، الأمم المتحدة( 19/10/2010) لإحداثيات منطقته الاقتصادية الخالصة الجغرافية الممتدة من النقطة B1 في رأس الناقورة إلى النقطة 23.

6- وقّعت قبرص و"إسرائيل" حدودهما للمنطقة الاقتصادية الخالصة (17/11/2010) وتمّ إيداع نسخ منه لدى الأمم المتحدة ( 25/2/2011). واعتمد الإتفاق  النقطة (1) أساسًا للتحديد دون مراعاة الموقف اللبناني الذي اعتمد النقطة 23؛ واعتبر النقاط (1) و (6) الوارد ذكرها في الاتفاق مع قبرص نقطتين ثلاثيتين مؤقتتين. ثمّ أودعت إسرائيل لدى الأمم المتحدة ( 12/7/2010 )لائحة الاحداثيات الجغرافية  للجزء الشمالي من المياه الاقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة مدّعية ملكيتها وقد اقتطعت بموجبها مساحة قدرها حوالى 860 كلم2 من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان الذي تصل حصّته من تطبيق المنطقة الإقليمية البحرية الخالصة 23500 كلم2 .التفاصيل والوثائق والخرائط كثيرة ودامغة لمصلحة لبنان والمساحات ضيّقة. بكلمتين سباق بين المعارك والترسيم.

مقالات متعلقة