برزت واضحة في مقال الاخ زريق العديد من المغالطات المنهجية في شرح وتحليل سياسة د. منصور
رغم انه من المفروض في كل ما كتبه أنه جاء بأدلة وبراهين لا مكان فيها للشعور والاحاسيس لكنه كما يبدو مقالا "شاعريا" يخرج من أبعاد أخرى غير عقلانية ولا علمية، أشعر انها " رائفية"
عبد الكريم عزام
كتب د. رائف زريق مقالا يحلل فيه المنطق السياسي الذي يتحرك من خلاله د. منصور عباس، وقد برزت واضحة في مقال الاخ زريق العديد من المغالطات المنهجية في شرح وتحليل سياسة د. منصور حتى أن كاتبنا الذي اجتهد مشكورا وكتب مقالا من آلاف الكلمات أعطى انطباعا مضللا للقاريء أنه أمام كاتب يتبع منهجا تحليليا محايدا، علميا ودقيقا.
لكن كلما غاص -القارئ- في قراءة المقال وجد نفسه أمام ديباجة طائفية ممجوجة اختلط فيها القليل من نهج الكتابة العلمي بالكثير من العبارات التي تعبر وفق التحليل الفرويدياني عن عقلية لا اقول عنها طائفية -معاذ الله- إنما يظهر انها متاثرة باعتبارات طائفية .
لقد بدأ كاتبنا ديباجته المطولة بعبارات بعيدة عن الخطاب العلمي بقوله أنه عندما التقى "مرة بالدكتور منصور خرج "بانطباع أول أنه -أي الدكتور منصور- جدي، دمث،ومحترِم للآخرين.....شعرت أنه شخص مخلص... حدست وقتها أن الدكتور يخطط ويسعى لتحقيق إنجازات لحركته ولمجتمعه"!.
وهنا في هذه الفقرة التي ليست جوهر موضوعنا لذلك لن أقف طويلا عندها تبرز مغالطات الباحث زريق حيث نراه يعتمد إنطباعه، حدسه، شعوره،ملامسته ، في فهم الاخر وهو منهج غير علمي خاصة أنه ذهب بِ"أحاسيسه" بعيدا نحو استنتاجات تبدو في ظاهرها علمية محايدة ولا أعلم صدقا منهجا علميا كهذا !.
عدا عن استعماله عبارة "حركته" وهي عبارة غير دقيقة لتوصيف الحركة الاسلامية التي هي ليست "حركة منصور" وإن كان قائدا مؤثرا فيها إنما هي حركة إسلامية لها فكرها ونهجها تتبع لمجتمعنا الفلسطيني، فكما لا يصح أن ننسب الجبهة لأيمن عودة بقولنا "جبهته" أو أن ننسب التجمع لشحادة بقولنا "تجمعه"فكذلك كان يُفترض بباحث كزريق أن لا يستعمل هكذا توصيف فيه رائحة طائفية ، بل استعلائية !.
ثم اعتمد كاتبنا بعد مقدمته تلك عبارة "المنطق العباسي" للاشارة الى المنهج السياسي الذي اتبعه د. منصور من باب الاختصار ، كما ذكر كاتبنا نفسه، رغم أنه لم يبخل أو يختصر في مقاله الذي بلغ ما يقارب الاربعة آلاف كلمة.
لكن يبدو أن كاتبنا اعتمد استعمال عبارة"المنطق العباسي" كنوع من وصم منهج الدكتور منصور واعطائه وصفا ملازما فيه توع من التهكم اللاذع .
بدأ كاتبنا يخوض بعد هذه المقدمة غير المتعلقة في لب الموضوع بمقارباته وشروحاته المليئة بالتناقضات وعدم الدقة والخلط بين مقدمات صحيحة واستنتاجات باطلة .
لقد صدق كاتبنا بقوله أن "المنطق العباسي" يرفض المراهنة على اليسار أو اليمين لكنه ذهب مرة أخرى كما في مقدمته الى حدسه ومشاعره والى استنتاجات باطلة بقوله أن النتيجة الطبيعية للمنطق العباسي هي الابتعاد عن السياسة !
لقد اخفق كاتبنا في استنتاجه هذا بل لقد ناقض نفسه وهو يحاول ان يحلل "المنهج السياسي العباسي" الذي تظهر في كل معالمه كلمة "السياسة" واضحة، ثم يدعي أنه منهج يحاول عزل "السياسة" .
نعم ، إن السياسة لا تعني بالضرورة "الضجيج والمزاودة" إنما هي فن الممكن وهو ما لمّح إليه الكاتب في مقاله وعاد مرارا وتكرارا مفصلا منهج منصور السياسي، لكن أن يخرج كاتبنا من هنا باستنتاج أن رفض نهج الضجيج دلالة على رفض السياسة هو فهم قاصر للمدارس السياسية ولتاريخ الفكر السياسي.
وعاد كاتبنا ليناقض نفسه ويتعثر في شروحاته عندما اعتبر "المنطق العباسي" سلوكا خاملا فيه "لامبالاة" تجاه أخطار الفاشية ومحاكمة نتنياهو، وافترائه قائلا إن المنطق العباسي يرى ان القيم الديمقراطية والحريات مقصورة على المجتمع اليهودي ومن الصعب تغيير طبيعة الدولة واننا نحن اصحاب الحق ضيوفا عليها ، وذلك يخالف تماما ما يسعى اليه الدكتور منصور وما يقوم به في عمله البرلماني من خلال احراجه المؤسسات الرسمية الاسرائيلية، وحواره مع متخذي القرار بشكل واضح علني وطرحه قضايا تتعلق في جوهر سياسات التمييز ، يكفي الاشارة وليس من باب الحصر انه كان أول نائب يطرح في الكنيست سياسة التمييز ضد الصحافيين العرب (والعجيب أن كاتبنا يدعي أنه "قلما نسمع النائب عباس يتحدث حول حرية الصحافة، استقلال القضاء "، وهو كما يبدو يحمل فكرة مسبقة ونمطية عن "النهج العباسي" يؤكد وجود هذه الفكرة ما ذهب اليه من استنتاج أن نهج الدكتور منصور شبيه بفكرة معكوسة لفكرة "أهل الذمة"!
وطبعا هذه مغالطة قد تبدو خارجة عن السياق العام للحوار لكنها حسب ما استشعره (ومن حقي أن استشعر كما كاتبنا في بداية مقاله )تفوح منها رائحة نتنة وطائفية بامتياز تنم عن جهل بالتاريخ الاسلامي ودور اشقائنا مسيحيي الشرق فيه وفي بناء حضارته .
وما يؤكد المنطق الطائفي ربما اللا-واعي لكاتبنا الجملة التي " يحذر" فيها ،حسب فهمه ، من مخاطر محتملة من خطاب الدكتور منصور تغذي التشدد العقائدي الديني ! وهنا يبدو أن كاتبنا غاب عن ذهنه متعمدا نقاطا عديدة تُبطل ادعاءه اهمها إغفاله لخطاب الدكتور منصور منذ عقود وهو ينادي بالتسامح ونبذ الطائفية ، والاهم من ذلك أنه مهندس ميثاق الحركة الاسلامية الذي كان كاتبنا حاضرا عند اعلانه وصياغته بلغة انسانية عميقة تناسب ارقى المواثيق المدافعة عن حق الانسان وحرياته في المعتقد والتفكير والدين .
وكما في كل مقاله ، يقفز كاتبنا من فرضياته الى استنتاجات وهمية لا اساس لها عندما يتساءل عن "الثوابت الدينية والوطنية " في فكر الدكتور منصور محاولا الادعاء أن الدكتور منصور يسعى لتعزيز الثوابت الدينية على حساب الوطنية متسائلا تساؤلا يدل مرة اخرى أن كاتبنا إما انه "وافد" جديد الى بلادنا بحيث لا يعرف تاريخ الحركة الاسلامية وخطابها وثوابتها أو انه عارف بحقيقة الامور لكنها "لمسات" طائفية لا واعية تدغدغ التعصب الطائفي وتلعب في ملعب خطير قد عافه مجتمعنا ونبذه منذ عقود طويلة .
وأعجب ما في منطق كاتبنا عندما يتعامل في تحليلاته وعباراته مستعملا لغة لا تليق بباحث اكاديمي ، لغة متاثرة في القرون الوسطى كثيرا ما استعملها من يتعاملون مع الاخرين وكأنهم يجلسون على "كرسي الاعتراف" حين وجه كلماته الى الدكتور منصور قائلا : "عليك أن تعترف" !
وهنا بلغ مبلغا عجيبا ومتكررا في مقاله من استعمال لغة الوصاية على الفكر والفهم وحرمان الاخرين من الاجتهاد والتعبير !
فلا اظن كاتبنا يرضى أن اوجه له خطابا قائلا فيه : اعترف ان وراء الاكمة ما وراءها !
وقبل الخاتمة انتقل كاتبنا للحديث عن نظرية "السطح الاملس" وهنا مرة اخرى يعود الى منطق التكهنات والافتراضات الواهية ، وحتى لا اطيل على القاريء كثيرا فان كاتبنا يفترض أن د. منصور واخوانه من نواب الحركة الاسلامية يسيرون باتجاه تنازلات عن ثوابت ، وأسرلة ، وانبطاحية ، وغزل متبادل بالحكومة العنصرية ، ومديح للشرطة ... وهي تكهنات من السهل اثبات بطلانها من خلال فهم المبنى التنظيمي للحركة الاسلامية ومؤسساتها وعملها الدائم لتعزيز الهوية الفلسطينية العربية الاسلامية والتي فهمت جيدا قبل غيرها من تيارات سياسية طبيعة الصراع وحوهره وتحدياته ، ثم من خلال الصوت الذي يُسمعه منصور عباس وزملائه في الحركة الاسلامية سواء في خطابهم البرلماني أم في خطابهم الاجتماعي والديني والتربوي العام .
ثم ختم كاتبنا كلامه المستفيض بعودة الى " شعوره " رغم انه من المفروض في كل ما كتبه أنه جاء بأدلة وبراهين لا مكان فيها للشعور والاحاسيس لكنه كما يبدو مقالا "شاعريا" يخرج من أبعاد أخرى غير عقلانية ولا علمية، أشعر انها " رائفية".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com