الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 15:02

مقتل حنا السكران

ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 21/12/20 11:24,  حُتلن: 13:54

نعم يا سيدي. أنا من قَتل حنا السكران، ليس في أغنية فيروز المعروفة، وإنما في الواقع، واقعي أنا وأنت وهو. أنا قتلته لأتخلَّص منه ومن كبر رأسه، أما ختيار مش عارف شو بدّه، كل ساعة بنط بين إجْرَي، عشان يعذّبني، أيهو مفيش حدا استأجر عند حدا غيري، وشو بفكر هو إنه إذا أجّرني بيته، يعني صار في عنده ملك تاني، هو أنا؟

أنا قتلته، لأنه عرف طريقه لبابي. منعني من النوم ومن الكتابة ومن كل شيء أريد أن أفعله في هذه الحياة، قال وإيش؟ كل ما بشوف أشي ع الأرض بيجي وبسألني: "ليش في هون وسخ؟ وليش أنت بتنظفش الأرض، ليش؟". أنا سكتت إله كل الوقت، بس انت بتعرف إنه لكل إشي في حدّ، وإنه لا ظلم بستمر، ولا صبر ببقى على حاله، زي ما بتقول أم كلثوم، أنا بحب الغناني، شايف؟ ما أشطرني؟ أنا بعجبك يا سيدي، أنا بحب الأدب العربي كمان، وبحب كل إشي عربي، إلا هداك الشخص اللي قتلته بإيدَيّ هدول. قتلته عشان أريِّح مرته منه، وعشان أريِّح الجيران كمان. هو ما ضايقنيش أنا بس، هو ضايق صاحب الدكانه أُسامه كمان، وضايق صاحب الكراج ابن أبو أسعد وغيره وغيره.

بتسأل ليش أنا اللي قتلته؟ طيِّبْ هذا سؤال بنسأل؟ طبعًا كان في هناك سبب. صحيح هو ضايق كل الناس، بس أنا كنت القتيل رقم واحد في حياته. كل يوم بنطّ بين اجرَيّ، قلت لوينته بدّي أسمح لهاي البهدله إنها تستمر؟ أنا لازم أحطّ إلها حدّ، أنا لازم أتخلَّص من هذا العذاب المستمر.

فكرة قتلي إلُه، ابتدت من هون، ابتدت من نقطة صغيرة غايبة في عقلي، نقطة كبرت مكنّتش مبيّنه، وكبرتْ شويّ شويّ تنها صارت مصلّعه، وبإمكان كل واحد إنه يشوفها. هاي النقطة بديَت لما صرت أتضايق منه، ولما صرت كل الوقت أفكِّر فيه وفي مضايقاته إلي وللجيران، ساعتها قلت أنا لازم أقتله وأخلِّص الحارة منه ومن تدخُّلاته، في الرايح والجاي. متذكر يا سيدي أغنية صباح، ع الرايح والجاي؟ والله بنفسي إني أغنيلك إياها، بس صوتي مش مساعدني، طيب المهم إني صرت أفكِّر فيه كل الوقت واحتل مساحة واسعة من عقلي، زيّ مساحة الاحتلال في عقول جماعتي الفلسطينيين. ساعتها صرت استنى اللحظة المناسبة عشان أنفِّذ عمليّة القتل،. يعني القرار حضر، وانت بتعرف ومين بعرف زيَّكْ إنها الأمور الكبيرة بتبدا بقرار، بعدين بيصير التنفيذ مجرَّد إجراء نتخذه.

محسوبك بقي يستنَّى اللحظة المناسبة تنها حانت. كانت هاي اللحظة الساعة الثانية ودقيقتين بالضبط. بعرفش إذا كانت هي نقَّت حالها والا أنا نقِّيتها، والّا إحنا نقِّينا بعض، والّا القَدَر هو اللي نقّاها. ساعتها مَكَنش حدا في الحارة. كانوا أهل الحارة كلهن نايمين. ويمكن كانوا مسافرين، أو بعرفش وين كانوا. ساعتها دخل عليّ في المكتب. كنت اكتب. إنت بتعرف إنها الكتابة عندي أمر مقدَّس. أوَّل شغلة عملها، هي إنه ما دَقِّش على الباب. بتعرف يا سيدي؟ كنت بتمنّى إنك تكون معنا في هديك الساعة، عشان تشوف بعينك، كيف أنا نَطَزْت منه، لما حسّيت إنه قاعد علي كرسي قريب مني وأنا بطبع قصّة على الكمبيوتر. في البداية فكَّرت انه شيطان أجا وقعَد بحدي.

دِرْت راسي باتجاهه شويّ شويّ، وأنا ميِّت من الخوف. وظلِّيت أحرِّك راسي باتجاهه تنّي شفته. ساعتها بِدي الريق يرجع لحلقي، واللون لوجهي. هو كشَّر عن أسنانه الصفرا، ضحك وظل ساكت. عرف إني خفت. أنا ماكَنْش قدامي إلا إني اطلب منه بأدب إنه يدق علي الباب مرة تانية. بتضحك يا سيدي؟ طيِّب اضحَك.. شو كان بدَّك أعمل؟ شو يعني أضربه؟ لا مضربتهوش. أنت بتعرف إني أنا كاتب مش أزعر. أنا بضربش حدا، بتسأل كيف قتلته وليش؟ طوّل روحك، القصص بتصرش بسهولة. أنا واصلت صبري عليه، بس هو مخلهاش حلوة، فات علي المطبخ وصار يتطَّلع هناك على بقع قهوة على المصطبة، ويمدّ إيده لقدّام.. يأشِّر فيها للنقط ويسألني شو هذا الوسخ؟ شو هذا، ليش إنت بتنظفش الوسخ؟ أخو الشلن مَكَنش عارف قدّيش هو بيوسخ عليِّ بكلامه هذا، هو كان يفكّر كيف ينكِّد عليِّ، بس كيف ينكَّد. ساعتها قلت لنفسي أنا لازم أخَوّفه. لازم أقتله وأخلِّص أهل الحارة منه. عرف هو شو أضمرت لُه. يمكن حَسّ، مَهو ختيار وبحِسّ شو ممكن إنه يصير لما بِضايق حدا.

ابتعد عني، قرَّبت منه. تصوَّرْت إني لازم أمدّ إيدي لجوزته. لازم أخنقه. تصوَّرْت حالي بمدّ إيدي، وبخنق بخنق بخنق. ظليت أخنق تنها طلعت روحه. أنا مكنتش بدّي أخنقه في البداية. كنت بس بدي أخَوفُه. بس اللي حصل هو إني كنت بدي أشفي غليلي. بدي أطلّع كل الغضب اللي جوّاي. ظليت أشدّ وأشدّ تنها طلعت روحه. ساعتها، تصَوَّرْت إني بولِّع نار علي مصطبة المطبخ، وبحرق جسمه النجس. ويا حبيبك، لما ولَّعت النار، وصار جسمه يذوب وشحمه يسوخ، وظلَّت النار مولّعة تنها حوَّلَتُه لرماد. ساعتها لمِّيت الرَّماد، وقُلت بَسَمِّد فيه أرض الحكورة، بحد البيت. بعدين خطر ببالي إنه بستحقش إنها الأرض تتسمَّد فيه، وحملت رماده وكبِّيته. بديش أقُلَّك وين. يمكن تعرف لحالك، بس مني مش رايح تعرف.

بتسألني إذا كان رجع ينكِّد علَيّ؟ لا.. لا يا سيدي هو مرجعش لأني زرعت فيه خوف مش رايح ينساه لأبد الآبدين، ورايح يحكي عنه لولد الولد إذا أعطاه الله العمر وخلفوا ولاده وهو حي.

بدك أحكي أكثر؟ كلامي عنه حلو؟ طيب الله يجبر خاطرك، جبرت خاطري اللي كسره هذا السكران ثقيل الظل، أنا رايح أحكيلك كثير عنه، بس طوِّل روحك. الحكي مناقلة، وبصرش كيف ما أجى ييجي. الكلام الحلو في إلُه مناسبات، لازم نستناها إحنا الكتَّاب، ولازم تستنوها انتوا القرّاء. بدكاش تستنى؟ من حقَّك يا سيدي، بس استنى شويّ. أنا قاعد بسمع طرق على الباب، إذا رجعت وواصلت الحكي، هذا بكون إنه على الباب واحد تاني، بوليس أو من الضريبة. أما إذا مرجعتش، هذا بكون هو صاحب البيت ثقيل الدم، هاي المرة يمكن إني مرجعش أكتب القصص الحلوة عشان تقروها انتوا القرّاء، لأني رايح أقتل حنا السكران بالحقيقة مش بس بالخيال.


 

مقالات متعلقة