الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي عرفته عن قرب في لبنان والأردن والجزائر وألمانيا، كان يقول دائماً (مازحا) عندما يطرح عليه السؤال عن سبب عدم زواجه، بأنه متزوج من (القضية) ولا يريد الزواج من ثانية. قد يكون ذلك مقبولاً بالمفهوم الشعبي السياسي انطلاقاً من حبه لفلسطين. لكن إذا ما تركنا العاطفة جانباً وتصرفنا بلغة العقل، نصل إلى نتيجة مفادها أن الزمن لو يدور مرة أخرى ويأتي بياسر عرفات، فأول شيء يفعله الزواج الحقيقي ليكون له ولداً يخلفه في السياسة شأنه شأن الآخرين. وليس من المستبعد أن تكون التونسية رشيدة مهران، التي ظلت سنوات طويلة (عشيقة) الراحل وكانت كلمتها مسموعة في كافة أوساط القيادات الفلسطينية وهذا ليس سراً، وقد ألفت كتاباً يحمل عنوان "عرفات إلهي".
لكن لا يبقى على (هو) إلا (هو). ويقول المثل الفلسطيني (أجا بطيخ فوق بطيخ كسروا). فقد ظهرت (سهى الطويل) في حياة عرفات كموظفة عنده (سكرتيرة) ومن هنا بدأت لغة التقارب من (نظرة فابتسامة فسلام إلى حب فزواج). ولكن كيف؟ هذا أمر لا مجال للخوض في تفاصيله رغم معرفتي التامة بذلك. ألمهم أن السكرتيرة سهى أصبحت بقدرة قادر السيدة الأولى.
قلنا أن هذا من شأن الراحل وهو خياره. لكن بعد عملية اغتياله يجب على هذه السكرتيرة أن تحترم مواقف زوجها وأن لا تتفوه بأي كلمة تجعله يصرخ في قبره من ألمها له. تقول هذه لسكرتيرة السابقة التي فضلت العيش في باريس، أن الراحل عرفات أخطأ في دعمه وموافقته على الإنتفاضة الثانية عام ألفين. هذا التصريح أدلت به لصحيفة إسرائيلية عبرية الكلمة وصهيونية المبد أإسمها يديعوت أحرونوت. ولو يستفيق الراحل عرفات من قبره ويسمع ما تقوله أرملته لصفعها بالحذاء على وجهها ولقال لها جملته المشهور بها:" غوري من وشي". وكان الراحل إذا بلغ السيل الزبى عنده من شخص ما يقول له غاضباً: "إيه ده يا خول" لكن ماذا كان سيقول لـ (سهاه) لو واجهها بعد تصريحاتها المسيئة لحياة قائد فلسطيني حمل هموم القضية حتى وفاته،وإن اختلفنا معه في بعض المواقف. أعتقد كان سيقول لها نفس الجملةى مع تغيير الكلمة الأخيرة بأقسى منها: "إيه ده يا ..."
المصيبة أن سهى تختار دائماً الإعلام العبري لبث سمومها. وهذه ليست المرة الأولى التي تدلي بها بتصريحات للصحافة العبرية. في تصريحات مثيرة نقلتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أكّدت سهى الطويل (عرفات)، أنّ "أبو عمّار" مات مسمومًا لكنها برّأت إسرائيل من التهمة، معتبرة أنّ "مقربين فلسطينيين من عرفات هم وراء هذه الفعلة""،. وتطرقت سهى في تصريحاتها إلى الانتفاضة الثانية، معتبرة أنّها "الخطأ الكبير لياسر عرفات، لكن هذه غلطة آخرين ممن حول زوجي ولا أعرف من أقنعه بالدخول بانتفاضة جديدة، وطلبت من أبو عمار إيقاف الانتفاضة ولكنه رفض".
الغريب في الأمر، أنه في هذا الوقت بالذات وبعد 16 عامًا على رحيل القائد الفلسطيني الكبير تخرج سهى الطويل من جحرها وتبريء إسرائيل من اغتيال عرفات في تصريحاتها مع الصحيفة العبرية. الكل يعرف أن الراحل مات مسموما ولسنا بحاجة لسهى لتقول لنا ذلك، خصوصاً أن نتائج تحاليل الطب الشرعي في سويسرا، أشارت إلى أن الزعيم الفلسطيني مات مسمومًا بالبولونيوم المشع في عام 2004. والسؤال المطروح: من الذي دس إليه السم وكيف؟
والحقيقة واضحة وضوح الشمس، فإسرائيل لديها تجربة كبيرة في عمليات الاغتيال عن طريق السم ، وقد أوضح ذلك الصديق بسام أبو شريف، المستشار السياسي الخاص للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حينما اتهم إسرائيل بقتل عرفات عمدا عن طريق إدخال السم إلى جسده بنفس الطريقة التي قتلت بها د. وديع حداد في ألمانيا الشرقية عام 1978. حتما لم يكن الذي دس السم اسرائيليا ، لكن الاغتيال هو تخطيط ، وتنفيذ اسرائيلي.
وهناك الكثير جداً من المعلومات الإسرائيلية التي نشرت في كتب وفي دراسات تؤكد بما لا يقبل الشك أن إسرائيل وراء عملية الإغتيال. لكن سهى مصرة على تبرئة إسرائيل من دم زوجها. ومن المؤكد هناك أسباب وراء ذلك.
يقول المثل: "مجنون يحكي وعاقل يسمع". فالرئيس الراحل معروف عنه تمسكه بمواقفه والتي لا ينحاز عنها، فما ىبالك إذا كان الأمر يتعلق بالإنتفاضة. فإذا كان الراحل "أبوجهاد" يطلق عليه "أب الإنتفاضة الأولى عام 87" فإن الراحل عرفات كان أب الإنتفاضة الثانية التي كانت أسبابها معروفة وكان حدوثها متوقعاً لأسباب عديدة أهمها تدنيس شارون للأقصى الشريف. ثم تأتي السكرتيرة السابقة وتقول ان الإنتفاضة الثانية خطأً وهي انتفاضة شعب تار على الظلم والقهر ودافع عن المقدسات. وهل أصبحت الانتفاضة من أجل الأقصى خطأ بنظر سهى الطويل. فبأي مدرسة تعلمت هذا؟
رحمك الله أبا عمار، باعوك في حياتك ويهينوك في مماتك.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com