الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 24 / نوفمبر 12:02

حظر الحركة الاسلامية وصعود شأن خطاب البراغماتية المفرطة - بقلم: أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 30/01/21 18:14,  حُتلن: 23:00

في الكثير من الحالات يكون السبب المباشر او الذي يبدو كذلك، هو الاقل اهمية. واحيانا لا يكون سببا بالمرة بل نتاج مسارات طويلة المدى ننسى اننا في خضمها، وبالذات حين يجري تسليط الاضواء على جانب واحد من تجلياتها. وهذا جزء من العقيدة الاستخباراتية الاسرائيلية منذ 1948.

في العام 2015 حظرت اسرائيل الحركة الاسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، ومعها حظرت سبع عشرة مؤسسة واقتُحمت مقارّها وصودرت ممتلكاتها بالاستناد الى انظمة الطواريء. وتواصلت الملاحقات في مسعى منهجي لابعاد الشيخ رائد صلاح عن المشهد من خلال سجنه المتكرر. إن اسقاطات خطوة من هذا القبيل لا تتبدى على المدى القصير، بل تحتاج الى بعض الوقت لتكون معالم اثرها واضحة.

كما ان المساعي الاسرائيلية لحظر الحركات والاحزاب ليسا بالامر الجديد، فقد سعت الدولة بشكل حثيث الى حظر كل من رأت بهم يعوّقون مشاريعها واحيانا نفذتها واحيانا تداولتها - الحزب الشيوعي في سنوات الخمسين وبداية الستينيات، ومن ثم حظرت فعليا حركة الارض، وتبعها بعد عقدين حظر فعلي لمؤتمر الجماهير العربية 1980، وتبعها ملاحقات حركة ابناء البلد والجمعيات ذات الصلة، ثم السعي لمنع الحركة التقدمية من خوض انتخابات الكنيست، ثم اغلاق جمعية انصار السجين، وفي العقدين الاخيرين تكثفت المساعي والدعوات لمنع حزب التجمع الوطني الدمقراطي من خوض الانتخابات وحنى حظره.


أن حظر الحركة الاسلامية (الشمالية)(17/11/2015) هو من الاحداث الداخلية الاكثر أثرا على السوك السياسي في المرحلة الراهنة، وقد يجاريه أو يكمّله اطلاق العنان لمنظومة الجريمة في السعي لاستنزاف جماهير شعبنا والنيل من قدراتها الكفاحية. لم ولن تُكشف التقديرات والتقارير والمسوّغات السرية التي قدمتها أجهزة الأمن القومي لتشكل اساسا للقرار الحكومي. لكن من الواضح أنه لم يكن قرارا عاديا عابرا ووليد لحظته، بل كان قرارا استراتيجيا بعيد الأمد. ورغم رفض جماهير شعبنا وهيئاتها لشرعية القرار الحكومي بل استندت الى شرعيتها في وطنها،


لقد أحدث الحظر خللا في مجمل التنظيم السياسي في الداخل والتوازنات فيه بغض النظر عمن يخوض الانتخابات او يقاطعها. كما انه أحدث فراغا رغم المساعي لتداركه، لينعكس اليوم في اعطاء دفعة قوية للنهج البراغماتي المتأصّل في الحركة الاسلامية (الجنوبية) الساعي لاعلان نفسه بديلا للنهج المتأصل الذي يرى بالنضال اساسا للحصول على الحقوق، والمؤكد على الارتباط بين الجماهير العربية في الداخل ومجمل الشعب الفسطيني وقضيته العادلة. وليسعى لضم اوساط وشخصيات لا تنتمي للتيار لكنها تنتمي لقواعد لعبته.


لقد عبرت وزيرة القضاء اييلت شكيد في يوم صدور قرار الحظر عن قواعد اللعبة الاسرائيلية وراء قرار الحظر، "لا توجد اية مشكلة لدى حكومة اسرائيل مع تنظيم اجتماعي او ديني (...) بينما الشق الشمالي (الحركة الاسلامية) يعارض وجود دولة اسرائيل كدولة يهودية دمراطية، ويقوم بتربية الاولاد بهذه الروح وذلك من خلال تمويل برامج تعليم وتقديم منح دراسية" (واينت)،


لم تكن الحركة المحظورة حزبا برلمانيا، بل قاطعت الانتخابات كموقف ثابت. في المقابل سعت بشكل ثابت الى عدم حصر موضوع المقاطعة في يوم الاقتراع الذي يعني احزابا وحركات وطنية أخرى. لذلك كان نهجها السعي لمشاريعها الكبرى وبالاساس المجتمع العصامي المتكافل ولحماية الاقصى والمقدسات الى جانب مشروعها الدعوي. راجعت مواقفها من العمل البلدي وتراجع منسوب اهتمامها به ومن مستحقاته سواء المجتمعية ام في محور العلاقة مع الدولة. وهناك من يسعى الى استغلال الفراغ الذي احدثه حظر الحركة ومؤسساتها، لتغيير مجمل نهج الجماهير العربية الفلسطينية.


هناك مساع دولية وراءها قوى عظمى، لتغيير الحركات الاسلامية على تنوعها في العالم تحت مسمّى "تشجيع الاعتدال" و"محاربة التطرّف"، ودخلت انظمة عربية وبالذات خليجية وأنظمة في بلدان اسلامية ومؤسسات دينية الى هذا الجهد والاصطفاف الدولي الناتج عنه. ووجدت هذه الانظمة العربية باسرائيل حليفة لها في هذه "الحرب العالمية"، وكما تدخلت دائما للتأثير على القضية الفلسطينية وتغيير نمط قياداتها وخطابها وهندسة ولاءات اوساط ملموسة من المجتمع الفلسطيني، فإنها ولتحقيق هدفها لن تألُ جهدا في السعي لترسيخ قواعد تأثيرها بين جماهير شعبنا في الداخل، معتقدة أنه العصر الذهبي لنفوذها - شكلا ومضمونا.


ان النهج البراغماتي هو قائم وبشكل صريح في صميم الحركة الاسلامية (الجنوبية) منذ نشأتها وطوال مسيرتها، وما نشهده اليوم من خطاب يعبر عنه النائب منصور عباس هو إيغال في الافراط بهذا الاتجاه، لدرجة إحداث تحوّل إضافي فيه، فيه كسر لقواعد العمل السياسي الفلسطيني في الداخل. وقد شكلت القائمة المشتركة رغم صعوبة جمع اطرافها نموذجا ايجابيا للتوافق ولاحتواء هذا التوجه والتعويض عنه بقوة الحضور السياسي من خارج مواقع التأثير الحاكمة بل في مواجهتها. واذا لم تحصل مفاجأة اللحظة الاخيرة وتعود القائمة الى الالتئام، فإن سؤال النهج والوطني والخطاب السياسي هما موضوع اساسي على جدول اعمالنا الجماهيري سواء في سياق الانتخابات ام في السياق الاوسع.


(ملاحظة: ان ملامح ما يحصل ليست محصورة بما يجري في الحركات الاسلامية بل تجاه مجمل القوى والتيارات، وهذا ما سيجد تعبيرا عنه لاحقا)

مقالات متعلقة