اعداد: يوسف فوزي كنانه
ماجستير في العلوم السياسيه وتاريخ الشرق الاوسط
اروع نماذج العمارة الاسلامية وشاهدا على تاريخ الحضارة الاسلامية الاموية العربية في فلسطين
تشير الوثائق التاريخية المعتمدة انه في سنة 41 للهجرة النبوية , الموافقة سنة 661 من ميلاد السيد المسيح عليه السلام ,
وفي اعقاب تنازل الحسن بن علي بن ابي طالب عن خلافة الدولة الاسلامية لصالح معاوية بن ابي سفيان , فان بلاد الشام ومن جعبتها فلسطين قد دحلت في مرحلة جديدة من مراحل حياتها , وهي مرحلة انضوائها تحت راية حكم دولة الخلافة الاسلامية الاموية .
فالناظر المتامل والدارس الباحث المتعمق في تاريخ فلسطين في هذه الحقبة التاريخية والتي كانت قد عمرت لمدة زمنية مداها تسعة عقود من الزمن [ من 661 – 752 م ] فانها تميزت بولادة ونشوء حضارة تعتبر واحدة من اكمل واسمى الحضارات التي عرفتها ارض الرباط , حضارة تشع النور , وتبعث الحياة وتؤتي اكلها كل حين باذن ربها , سواء كان ذلك على مستوى الفكر والقيم او على مستوى البناء والعمران .
حيث تطورت الحصون والقلاع والمدن والاسوار والقصور والمساجد بما فيها من ماذن وقباب ومحاريب واعمدة ومنابر وابراج , فشارك البناؤون المهرة في بناء المساجد الواسعة بشكل يلفت الانظار كما هو الحال بناء المسجد الابيض في مدينة الرملة , والذي يقع في وسط البلدة القديمة في مدينة الرملة, تلك المدينة الفلسطينية التي كانت قد بنيت وشيدت في سنة 715 م , ايام حكم الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك , وباشراف وتمويل اخيه سليمان الذي كان يومها واليا على فلسطين , وقد حظيت الرملة بموقع جغرافي استراتيجي هام , لكونها تقع في منتصف السهل الساحلي الفلسطيني جنوبي شرق مدينة يافا وجنوبي غرب اللد . وتعد الرملة عقدة مواصلات رئيسية عبر العهود التي مرت عليها , حيث تمر بها الطريق التي تصل شمال فلسطين بجنوبها , وشرق فلسطين بغربها , كما انها تقع عند نقطة انقطاع بين البيئة الساحلية والجبلية والغور , كما كانت تربط بلاد الشام بالبلاد المصرية وبلاد ما بين النهرين .
يعتبر المسجد الابيض في الرملة والذي كان قد بدا العمل فيه سنة 715 م في فترة الخليفة سليمان بن عبد الملك , واتم الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز تشييد هذا الصرح الديني العظيم , وكان ذلك في سنة 720 م .
نبذة عن المسجد
فكما وصفه المؤرخ الاسلامي , الاصطخري في كتابه المسالك والممالك قائلا " فلسطين ازكى بلاد الشام ومدينتها العظمى الرملة , وما يدل على عظمتها مسجدها , المسجد الابيض ,الذي شيد من الرخام والحجر المحلي , وحرابه من اكبر محاريب مساجد الشام وحتى اجملها , كما ويضم المسجد قاعة صلاة واسعة مزينةبنقوش وعبارات دينية , علاوة عن منبره الذي يعتبر من اروع مساجد الشام التاريخية القديمة , فضلا عن وجود مئذنة جميلة مربعة الشكل مقامة في الجانب الشمالي من المسجد , وهي مبنية من الحجر المنحوت باشكال مربعة , وتتكون المئذنة من خمس طوابق وترتفع عن سطح الارض 27 م , يوجد بداخلها 125 درجة , وفضلا انها تضم نوافذ ومحاريب تستخدم للتهوية.
يوجد في الطابق الاول والثاني والثالث نافذة واحدة , وفي الطابق الرابع والخامس ثلاث نوافذ .
يجب التنويه ان مئذنة المسجد الابيض بنيت وشيدت ثلاث مرات فالمة الاولى يوم ان بناها الخليفة الاموي سليمان بن عبد الملك والمرة الثانية شيدت في عهد الخليفة المملوكي الظاهر بيبرس في سنة 1190 م , وفي المرة الثالثة قام السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاون في سلطته الثانية ببناء المئذنة الحالية التي عدت من عجائب الدنيا في ذلك الوقت .
اما المسجد فقد تم ترميمه في فترة صلاح الدين الايوبي عام 1290 عندما استرد المدينة من الصليبيين في سنة 1187 م
فالمسجد مبني على 26 قنطرة من الجانبيين , وفي الوسط 13 اسطوانة مبنية بالحجر ويمثل محرابه الفخم القنطرة السابعة ,ويبلغ طول المسجد 75 م ومثلها عرضه , ويوجد في وسطه بقابا حوض ماء يستخدم للوضوء , كما ويضم المسجد ثلاثة خزانات للمياه , لتوفير الاحتياج المائي العذب للمدينة , وكانت تمتلا هذة الخزانات من مياه قناة البردى او ما تعرف ايضا باسم قناة بنت الكافر , هذه القناة النفقية حيث يبلغ عمقها 80 سم , اما عرضها فيبلغ بين 35 سم – 30 سم , اما طولها فهو 10 كم , تبدا من مصب عيون ابو شوشة وتسيل مياهها العذبة بانفاق تحت الارض وتتميز القناة بكونها ذات ميول مدروسة ومتقنة , وتصب مياهها في خزانات ضخمة اسفل بنيان المسجد الابيض ومنها تفرعت عدة قنوات لاتجاه المدينة وبيوتها واسبلتها , وتقدر كمية المياه التي كانت تستقبلها خزانات البردى ب 17 متر مكعب .
اجمالا فها انا استعرض هذه الاصرحة والتحف الاسلامية التي تذخر بها فلسطين , ليس لان نستذكر الماضي ونجلس على اطلال العز وننتحب , ولكن الهدف المنشود من ذلك هو ان ندرك انه عندما تمسكنا في مبادئ ديننا الحنيف وثابرنا في خوض غمار العلم والمعرفة كانت وتكون النتيجة اننا اصحاب حضارة مروم تتمثل بالمدن الحديثة والمتطورة والرقي والامن والمان والستقرار . والاهم هو ان هذه التحف تثبت وتشهد للقاصي وللداني اننا من جذور هذه الارض ونحن من عمرها وطورها
ويجب التنويه والتذكير ان عمارة مئذنة المسجد الابيض في الرملة والتي وبفضل الله تعالى مازالت تفرض وجودها وتبرز شموخها رغما عن انف الحاقدين , الذين حاولوا ان يسرقوا اسم المسجد وتيير تاريخه وتراثه . فاطلقوا عليه اسم البرج الابيض او ما يعرف في اللغة العبرية همجدال هلبان .