الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 14:02

مجنون نجاة (4/3)

بقلم: سيمون عيلوطي

سيمون عيلوطي
نُشر: 28/04/21 18:34

مجنون نجاة (4/3) حول حكاية قصيدة "لا تكذبي" للشَّاعر كامل الشّناوي -  تعدُّد روايات الحكاية!!


حَاولتُ جاهدًا من خلال المراجع التي اعتمدتها في الحلقة السَّابقة أن أظْهِر من هو غريم الشَّاعر كامل الشِّناوي، كما أنني قرأت الكثير من المراجع الأخرى، لعلِّي أصل بالدَّليل القاطع إلى ذلك الغريم المزعوم، ولكنَّني لم أعثر على أكثر مِنْ: قال فلان عن فلان، وروى أكس عن زد، ويبدو أنَّنا لم نتخلَّص بعد في كتابة تاريخنا العربيّ من: "روى فلان عن فلان"، وكثيرًا ما يختلف التَّطابق حول الواقعة نفسها في رواية فلان، عن رواية فلان آخر، لذا، فإنَّ الحقيقة تظلُّ غائبة. وهذا ما حدث أيضًا في حكاية قصيدة "لا تكذبي" خاصَّة أنَّنا في هذه الحكاية نتحدَّث عن أشخاص رحلوا عن عالمنا منذ سنوات إلى دار الحق، ولا يحق لأحدٍ في دار الباطل، مهما كان، أن يتحدَّثَ باسمهِم، أو أن يُنسب إليهم عملًا ما، بدونِ دليلٍ ملموس، وحدها التي تعرف الحقيقة هي صاحبة الشَّأن، المطربة نجاة الصَّغيرة، أمدَّ الله في عمرها، وهي منذ اعتزالها الفن، في العام 2002، لم تطل على الجُّمهور سوى مرَّة واحدة، في 2017، عندما غنَّت "كل الكلام"، من كلمات الشَّاعر الرَّاحل عبد الرحمن الأبنودي، ألحان طلال، توزيع موسيقى، يحيى الموجي، ومن إخراج هاني لاشين. وأنا لا أظنُّها سَتُطِلُّ مرَّة أخرى لتفتح السِّتارة عن سرِّ حكايةِّ تلك القصيدة، فهي بطبعها كتومة، لا تحب أن تتكلَّم عن خصوصيَّاتها، حتى أنَّها في المقابلات الصحافيَّة التي أجريت معها حول فنّها، كانت إجاباتها عن الأسئلة مختصرة جدًا. لذا فقد رآها البعض امرأة غامضة، ما زاد تعلُّق كامل الشِّناوي في حبِّه لها أكثر، ولعلَّ غموضها هو ما أزكى لهيب الشَّائعات حول حكاية أبطال قصيدة "لا تكذبي" وبطلتها المطربة، لا سيَّما حين صدحت بها، فشغلت الرَّأي العام المصريّ، والعربيّ، وأطلقت خيال الكتاب والأدباء لكتابة التَّقارير الصحافيَّة حول حكاية هذه القصيدة، كما أنَّ القاص إحسان عبد القدُّوس نشر على حلقات في جريدة "الأهرام" رواية، عنوانها: "وعاشت بين أصابعه"، استوحاها من قصَّة "الشِّناوي ونجاة"، فغضبت نجاة، فلجأ عبد القدُّوس إلى تخفيف إشاراته في الفصول الأخيرة من الرِّواية.
أمَّا عن علاقة نزار قباني بنجاة الصَّغيرة، فقد بدأت منذ أن أرسل لها بالبريد المسجَّل سنة،1960، قصيدة "أيظن" طالبًا منها أن تغنيها. نجاة عرضت القصيدة على الملحِّنين: محمَّد الموجي، كمال الطَّويل، وبليغ حمدي الَّذين اعتذروا عن تلحينها، وأجمعوا على أنَّ بعض كلمات القصيدة لا تستسيغها الأذن. المطربة احترمت تقتير الشَّاعر لصوتها، فأرادت أن تشعره باهتمامها بقصيدته، فقامت بنشرها في إحدى الصَّحف المصريَّة، بعد أيام اتَّصل بها الموسيقار محمَّد عبد الوهَّاب يخبرها أنَّ لحن قصيدة "أيظن" أصبح جاهزًا، بإمكانها الحضور لسماعه، قالت: من أحضر لك القصيدة؟، أجاب: قرأتها في الجَّريدة، أعجبتني، فلحَّنتها.
القيثارة الحزينة
ثمَّ تطوَّرت علاقة نجاة بنزار الذي لم يخفِ أعجابه بها، حيث صرَّح في أكثر من مناسبة، أنَّ على الساحة الغنائيَّة العربيَّة وفرة في الأصوات النسائيَّة، ولكن نجاة هي وحدها الأنثى إذا غنَّت. وقد وجد قباني فرصة للإقامة إلى جانب نجاة في مصر مدة أطول، وذلك عندما عُرض عليه أن يقوم بأداء تمثيل دور في مسلسل إذاعي، بعنوان: "القيثارة الحزينة" بطولة، نجاة الصّغيرة، تأليف، يوسف السَّباعي.

 
بخصوص شقيقه صباح، فإنَّ المصادر التي بحوزتي لا تُفيد بأكثر من أنه كان يستقبلها باهتمام شديد عندما كانت تزور دمشق لتسجيل بعض أغنياتها في الإذاعة السوريَّة التي يترأس أدارتها ويضع الاستوديو تحت تصرُّفها، ثمَّ يحتفي بقدومها بصحبة مجموعة من الفنَّانين السُّوريين لتسمعهم آخر أغنياتها.
استنتاجاتي:
واضح أنَّ المصادر المدونَّة أعلاه تحتوي على الكثير من المبالغة غير المنطقيَّة في علاقات المطربة نجاة الصغيرة، فقد جاء تصويرها وكأنَّها "لا شغلة ولا عملة" لها سوى أن تنتقل من حضن هذا، إلى صدر ذلك، ففي حين تقول بعض المصادر أنَّ الشَّاعر العاشق رآها بالسيَّارة على الطَّريق الزِّراعي مع الرِّوائي يوسف السِّباعي وكان غارقًا في تقبيل شفتيها، فكتب قصيدة "لا تكذبي". نجد أنَّ بعض المصادر الأخرى تقول: إنَّ الشَّاعر رآها بالسيَّارة على كرنيش النِّيل مع القاص يوسف ادريس وهي ملقية برأسها على كتفه، فكتب قصيدة "لا تكذبي"، والغريب أنَّ ادريس ضحك ضحكة عالية عندما سئل عن علاقته بنجاة، ولم يجب عن السُّؤال، لكنَّه في مناسبة أخرى أجاب عن نفس السَّؤال الذي وجهه له النَّاقد الفنِّي طارق الشِّناوي، حيت قال: "قصيدة (لا تكذبي) كتبها الشَّاعر عنِّي... وأضاف: "أنت تعرف ما أقصد".
اليوسفان والمطربة...
اليوسفان، سباعي، وادريس، شخصيَّتان معروفتان جدًا، كما أن المطربة نجاة مشهورة إلى الحد الذي قلَّما تجد في مصر أو في الوطن العربيَّ من لا يعرفها، فهل يعقل أن يضحِّي هؤلاء بسمعتهم ورصيدهم الجماهيريَّ الواسع، في سبيل نزوة في السيَّارة على الطَّريق الزِّراعي، أو كرنيش النِّيل، في حين أنَّ الشُّقق المفروشة في القاهرة كثيرة، "على ظهر من يشيل " ولهم أن يأخذوا راحتهم بداخلها، لو أرادوا، بعيدًا عن الأعين، والألسن أيضًا.
(حكي بِخِسِّ النُّص)
بالنسبة لعلاقة نجاة بالمخرج ذو الفقار، فإن ما ورد أعلاه لا يمكن أن يُأخذ على محمل الجد، إذ كيف لها أن تغامر معه في بيتها بعلاقة عاطفيَّة بوجود خادمتها التي تسمح أيضًا للشَّاعر كامل الشِّناوي بالدخول ليجدها في مشهد عاطفيّ مع المخرج عز الدِّين ذوالفقَّار؟!!.
جميع المراجع التي تطرَّقت لهذه المسألةـ، لم تقنع "صوص ابن يومين" في أنَّ نجاة كانت تتنقَّل من يد رجل إلى يد رجل آخر بمثل هذه السُّهولة، كما صوَّرها أُولَئِكَ الرُّواة الذين مررتُ على شهادهم. ثمَّ أنَّ نجاة لم تكن تملك وقتًا لتضيعه على مثل تلك المغامرات الغراميِّة، وقد تجاوز عدد أغنياتها أكثر من مائتي وخمسين أغنية مسجَّلة، إضافة إلى عشرات الأغاني التي سجَّلتها بصوتها لعبد الوهَّاب، وأم كلثوم، عدا عن انشغالها بالحفلات. ولنجاة 13 فيلمًا سينمائيًا على مدى ثلاثين سنة. انشغالها في تصوير تلك الأفلام جاء على حساب عملها على تطوير أغنياتها كما يُلاحَظ، فاعتزلت العمل في السِّينما في العام 1976، لتتفرَّغ للغناء.

أفلامها:
الكل يغني"، و "هديَّة"، 1947، "محسوب العائلة"،1950، "بنت البلد"، 1954، "غريبة"، 1958، "الشموع السوداء"، 1962، "القاهرة في الليل"، 1963، "شاطئ المرح"،1667،"7 أيام في الجنة"، 1969، "ابنتي العزيزة"، 1971، و "جفت الدموع"، 1975.
مشكلة المرأة المتحررة في المجتمعات المحافظة
وبما أنَّ الشيء بالشيء يذكر، فإنَّ إحاطة الأدباء بالمطربة نجاة الصغيرة، بهدف التقرُّب منها، ونيل حبَّها، يذكرني بالأديبة مي زيادة التي أحبها معظم الأدباء الذين واظبوا على المشاركة في صالونها الأدبيِّ الذي أقامته في بيتها سنة 1930، وكان يجمع بالإضافة إلى الأدباء رجال الفن والسِّياسة، والطِّريف أنَّ صاحب قصيدة "لا تكذبي" الشَّاعر كامل الشِّناوي نفسه، أصدر كتابًا خصَّصه حول صاحبة الصَّالون الأدبيّ، مي زيارة، بعنوان: "الّذين أحبُّوا مي". بَيّن فيه أن معظم الأدباء الّذين شاركوا في ندوات "الصًّالون الأدبيّ"، من "أمير الشعراء"، أحمد شوقي، والكاتب "السَّاخر "، إبراهيم عبد القادر المازني، إلى "الأديب الرَّصين"، صاحب "العبقريَّات"، عباس محمود العقاد، جميعهم وقعوا في غرام مي، وكتبوا القصائد الطوال تغزلًا بجمالها، ورقَّتها. غير أنَّ قلبها لم يخفق إلَّا بحب الأديب جبران خليل جبران الذي هو أيضًا بادلها حبًا بحبٍ ملكهما عبر الرسائل المتبادلة بينهما لمدَّة عقدين من الزَّمن، دون أن يلتقيا ولا لمرَّة واحدة.
أمَّا حبيب نجاة، أو غريم كامل الشَّناوي، فبقيَ مجهولًا، حيث أنَّ الشَّاعر العاشق نفسه أكَّد ذلك حين قال في قصيدته "حبيبها"، غناء عبد الحليم حافظ، ما يلي:
(حبيبها وروت لي ...
ما كان منك ومنهـم
فهم كثيرٌ ولكن ...
لا شيء نعرف عنهـم)
يتبع ... 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.com

مقالات متعلقة