مناظر تقشعر لها الأبدان ، وتتفتّت لها الأكباد ، حيث مئات الجرحى من المصلين في باحات الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العواشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك ، هذه الدماء التي أبت إلا أن تمتزج بتراب الأقصى لتسطّر ملحمة وضاءة في تاريخ الدفاع عن المقدسات الإسلامية من قطعان العنصريين تحت مظلة جنود الاحتلال الذين يواجهون بالرصاص الحي والمطاطي صدورًا عارية من المصلين العزل رجالًا ، نساء ، شيوخًا وأطفالًا.
ولعل اللافت للنظر والمثير للعجب أن ممارسات الاحتلال الدموية في باحات الاقصى ضد المصلين العزل على مرأًى ومسمع من هذا العالم الذي يكيل بمكيالين ، والذي يدعي كذبًا التنوّر والديمقراطية وحرية العبادة والحفاظ على المقدسات، والأغرب من كل ذلك الصمت المطبق ، وكأنه صمت أهل القبور من قبل العالمين العربي والاسلامي لما يجري ، وكأنهم في حلّ من أمر الأقصى والقدس الشريف مسرى الرسول الكريم.
يبدو لي - والقلب يعتصر ألمًا وحرقة - أنّ جذوة المروءة والنخوة والأخوة العربية والاسلامية قد خبت نارها وإلى الأبد، كما يبدو أنّ " وامعتصماه" يوم عمورية وحطين صلاح الدين أصبح مجرد تاريخ نمر عليه مرّ الكرام دون أن يحرّك فينا ساكنًا. التاريخ العربي والاسلامي الناصع ، سيبقى وضاء مشرقًا وسيعود ناصعًا بإذن الله ، وسيبقى شعبنا الفلسطيني صامدًا مرابطًا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس شاء من شاء وأبى من أبى، حتّى وإن تخلت عنه كل الأمم في مشارق الارض ومغاربها ، وسيبقى الشعب الفلسطيني يسطّر أروع ملاحم البطولة والإرادة الفولاذية دفاعا عن المقدسات ، وعن تراب هذا الوطن الذي لا وطن غيره.
ستبقى القدس عربية إسلامية ، ومن البداية حتى النهاية سيبقى الشعب الفلسطيني يحمل الراية، حتىً بصدور عارية واياد فارغة . في هذه الايام الفضيلة المباركة تقول للزعماء العرب وغيرهم : هنيئًا لكم صمتكم المطبق وسباتكم الحلزوني ، ونشد على ايادي هذا الشعب الصامد قائلين مهما طالت سنون الاحتلال فمصيره الى الزوال ، ولنتذكر ما قاله الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي متحديا الاحتلال الفرنسي الذي كان جاثما على صدر تونس :
" اذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر "
" فلا بدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر ".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com