لطالما سمعنا أن لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيرٌ كبيرٌ في المجتمع ودورٌ فعالٌ في نشر الوعي لجميع طبقاته بمختلف توجهاتها ومشاربها الفكرية والثقافية، وفي ظل ما تعيشه البلاد من أوضاع وتغييرات سياسية صعبة ومتلاحقة كان لها دورٌ ايجابي في التطور الفكري لمجتمعنا، بحيث ساهمت هذه المنصات بشكل فعلي في خلق حراك عملي ومؤثر يصبُّ في مصلحة الوطن والنشء والشباب الذين بدورهم ساهموا ويساهمون بشكل مباشر في نشر الوعي الفكري اتجاه القضية الفلسطينية.
وعن تقييم مستوى الوعي الفكري العام لدى المجتمع من خلال ما يطرح في قنوات التواصل الاجتماعي كـ "توتي" " فيس بوك" و " انستغرام " وغيرها يتبيّن أن الكثير ممن يشاركون فيها يمتلكون ثقافته فكرية أولية وهذا يصعّب عليهم التعامل مع هذه القنوات، ونحن نتطلع دائماً أن تكون هناك نماذج عربية ملهمة تشارك في مثل هذه القنوات حتى تؤثّر بشكل إيجابي وعميق على المجتمع.
انّ للكلمة بالغ الأثر على السواد الأعظم من الناس ولابد من وضع الضوابط التي تضمن الالتزام بالحدود الأخلاقية والاحترام في التعاطي مع الآخرين مهما كان الاختلاف عميقاً، لان الغالبية ممن يُطلق عليهم "مشاهير سوشايل ميديا" حصلوا على تلك الشهرة فجأة وبدون أي مقدمات ولأسباب دون المستوى ولمحتويات فارغة والتي لاقت استحساناً من فئات متعدّدة ليتم نشرها وتداولها بالآلاف وربما بالملايين .
الجدير بالأمر ما رأيناه عقب الحالة السياسية التي تعيشها البلاد شهد عكس ذلك وخاصّةً مع ظهور أول بارقة أمل للشباب العربي اللذين قاموا باستغلال منصات التواصل الاجتماعي لمحاولة احداث التغيير، ورأينا كيف تحولت اهتمامات الشباب لتكون اكثر جدية وواقعيّة من خلال استغلال المنصات لإحداث هذا التغيير ولرفع الوعي المنشود.
انّ للمشاركة الشبابية بعمليّة مناقشة القضايا السياسية الساخنة تأثير كبير في بلورة اتجاهات فكرية واضحة اتجاه هذه القضايا ولعلّ ذلك يساهم في ترشيد القرارات التي يتخذها المسؤولون على المستوى السياسي بشكل خاص.
انّ الاحداث الأخيرة اظهرت ما كان للعديد من الشباب والشابات من المؤثرين على منصات شبكات التواصل من اثر كبير في نشر القضية واتاحة الفرصة لرفع الوعي الفكري في قضية الشيخ جَّراح والقدس بشكل خاص، ومن الملفت للنظر ان من قام بتلك المبادرة تحديداً أصوات نسائية ، افتخر لوجود امثالهنّ واخص بالذكر منى حوا مدونة وصحفيّة ، الاء حمدان مُخرجة ومصوّرة قصصيّة واللتان اشعلتا منصة المباشر عبر الانستغرام من خلال نقل الصورة بأدق تفاصيلها وساهمتا بمعرفة الحقائق من قلب الحدث بطريقة متقنة بفكر مستنير وبطريقة حوار فكري واعٍ حيث استقطبت منصتهن العديد من الشخصيات المؤثرة المحلية والعالمية ، ونجحتا بتغيير الفكر العام لدى العديد من الناس وبالأخص فئة الشباب وتعزيز ثقافة الحوار والمساهمة في السياسة العامة بما يتعلق بقضيتنا الفلسطينية.
انّ هذه المبادرات أعطت الثقة وكشفت ان الميدان مفتوح امام العديد من الشابات للتقدم نحو مسيرة جديدة تستطيع كل واحدة من خلالها اثبات نفسها لا سيما حينما تتزود بالفكر المستنير والمعرفة الواسعة فإنها ستكون عنصراً فاعلاً جداً لمجتمعها، ونحن على موعدٍ ان شاء الله بالارتقاء بالمجتمع بالفكر العام الواعي الى مراتب عليا.
من هنا نرى ان ثورة الوعي الفكري عبر منصات التواصل ساهمت في إيقاظ الوعي العربي والعالمي بحيث سمحت الشبكات الاجتماعية لملايين من الأفراد - ولاول مرة - بتنظيم تحركاتهم بسرعة ومهارة ومرونة تفوق بكثير من الأبنية والأنظمة السياسية والاجتماعية والإعلامية التقليدية وبالتالي نقل الصورة الحقيقية لواقع معاناة الشعب الفلسطيني وما يدور على أراضيه شمالاً، جنوباً شرقاً وغرباً وأدت لتوحيد القوى الفلسطينية الداخلية وفي الشتات , وأوضحت للعالم أجمع بأن القضية الفلسطينية هي قضية شعب ووطن وعقيدة بالدرجة الاولى .
المهم في المرحلة القادمة استثمار الشبكات الاجتماعية بشكل ايجابي لكونها فرصة ملائمة للتغيير ورفع الوعي بكل القضايا الوطنيّة ان كانت سياسية او ثقافية ، عبر هذه المواقع واستقطاب الشباب بوسائل واقعية وملائمة تحاكى حياتهم اليومية بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيد والتركيب وفتح المجال أمام المشتركين إبداء آرائهم والتعبير عنها والمشاركة بنقاشات حول كل ما يثار من قضايا، وان بإمكان أي مشترك أن يطلع على كل ما ينشره زملاؤه في المواقع الاجتماعية، وهذا بحد ذاته يعمق مفهوم المشاركة المجتمعية مع جيل الشباب الصاعد المثقف والواعي لما يدور حوله، ويزيد من حجم الاهتمام بالقضايا العامة والشائكة التي يواجهها .
* الكاتبة وجدان شتيوي اخصائية نفسية ومرشدة تربوية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com