يواجه الكاتب عادة، خاصة الشاب في بلادنا والعالم أيضا، عوائق كثيرة، تحول في كثير من الحالات بينه وبين أن يكتب، وينفذ بالتالي ما يهفو إلى تحقيقه من انجاز كتابي.
من هذه العوائق ما هو عام يتعلق بالمجتمع ومنها ما هو خاص. فيما يلي أحاول أن أتحدث عما هو خاص في المجال، لإيماني أننا لا يمكن أن نفصل بين الذاتي والعام من ناحية ولإيماني بان العلاقة بين هذين الطرفين من إطراف المعادلة متشابكان اشد التشابك وهو ما سنرى إليه فيما يلي.
أبدا من البداية. كيف يمكن للكاتب أن يبدأ كتابته؟ هل يبدأها بقرار يعتمد على أن كل أبناء جيله كتبوا ما أرادوا أن يكتبوه، كما فعل الكاتب الأمريكي ارنست همنجواي حين كتب روايته الأولى "الشمس ستشرق أيضا"، أم ينتظر أن تختمر لديه التجربة كما يتضح من كلام الكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، صاحب مائة عام من العزلة، فينتظر الكلمة الأولى لتتدفق إبداعا؟ هل يحمل ذاته حملًا على الكتابة، كما فعل الكاتب الايطالي البرتو مورافيا أثناء ممارسته للكتابة اليومية إبان أيام حياته في عالمنا؟ هل يستدعي شيطان الكتابة كما يرى استدعاء؟ أم ينتظر اللحظة الحاسمة؟
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });
أسئلة كثيرة، بإمكاننا أن نطرح المزيد المزيد منها، وربما كان بإمكان القارئ المهتم بموضوع الكتابة أن يضيف إليها، لوفرة الموجود والمثار منها في تلك الكتب والمقالات التي تتحدث عن الكتابة وممارسة الكتاب لها.
غير أن السؤال يبقى قائمًا، ما دامت العوائق قائمة، يساهم في طرح الأسئلة، وفيما يليها من رغبة في تلقي إجابات شافية أو شبه شافية، أن الكاتب خاصة الشاب، ينظر إلى انجازات آخرين في مجال إصدار الكتب فيصاب بالدوار، فمتى يمكنه أن ينجز مثلما أنجزوا من أعمال؟ وهل سيكون بإمكانه أن يسود الصفحات تلو الصفحات، حتى يتراكم لديه منها عدد كاف وربما المئات ليصدرها في كتاب سميك، يقراه البعض وينصرف عنه البعض لسماكته؟ فيما يرسل إليه بعض آخر نظرة لا مبالاة؟
قد يجد هذا الكاتب المتسائل، وهاأنذا أساعده في أن يجد الإجابة عن السؤال الأول المطروح، وهي انه ليس من حقه أن يصاب بالدوار حينما ينظر إلى ما أنجزه آخرون من أعمال، ذلك أن من يدور الحديث عنهم، باتت أعمالهم وراءهم، وان هذه الأعمال كثيرًا ما تكون خلاصة عمر وعطاء، في حين أن أعمال الكاتب المتسائل ما زالت أمامه، وان أمامه من الوقت ما قد يكفي، مهما كان قصيرًا لإنتاج أعمال يريد إنتاجها.
إلا أن هذا الكاتب، ولنطق عليه صفة المتسائل للتمييز بين وبين سواه ممن يرد ذكرهم من كتاب ومبدعين، قد يجد صعوبة في العثور على أسئلة أخرى، حول الصفحات الوفيرة التي يطلب منه أن يسودها ليحقق انجازًا إبداعيًا، فهل هو يشرع في الكتابة وليكن بعد ذلك ما يكون؟ أم يعد نفسه كما ينبغي لأي من الناس، بمن فيهم الكتّاب والمبدعون أن يفعلوا؟
اعتقد انه من نافل القول وخطله، أن يبدأ الكاتب المتسائل، دون أي إعداد، وإلا فانه سيصيبه ما يصيب ذاك الذي يحاول السباحة في بحر لجيّ، دون أن يعد نفسه إعدادًا جيدًا ودون أن يتعلّم فن العوم. لهذا أقول، انه على من يريد أن يكتب وان يبدع عملًا ذا قيمة وينظر إليه آخرون باهتمام، أن يعد نفسه تمام الإعداد، فإذا ما أراد أن يكتب رواية حدّد موضوعها أولًا بعد ذلك شرع في جمع المعلومات حوله وعنه، مثلما فعل الكتاب في شتى أصقاع العالم.
بعد هذا الإعداد للذات، قد ينشأ عائق أصعب من سابقه، هر كيف سيسود الكاتب المتسائل الكثير من الصفحات وربما المئات منها؟ وهل يُطلب منه أن يعرف ما يريد أن يقوله قبل قوله له؟ زكريا المرسنلي بطل رواية "الياطر" للكاتب العربي السوري حنا مينة، يجيب عن هذا السؤال الصعب، معتمدًا على رؤية خالقه بالطبع، قائلًا، انه لا يوجد هناك من يعرف كل ما يريد أن يقوله، المهم أن تكون له وجهة ينطلق صوبها، أن يحدّد نقطة يريد أن يصل إليها، بعد ذلك ينطلق، هنا أضيف، أنا كاتب هذه السطور، أن تسويد المئات أو العشرات من الصفحات في حال معرفتنا للاتجاه المحدد للكتابة، لا يعني الكثير، وذلك لسببين وجيهين، احدهما أن الطول والقصر لا يعنيان شيئًا في عالم الإبداع، بدليل أن هناك من الأعمال الإبداعية قصيرة جدًا، مثل قصة "الأمير الصغير" للكاتب الفرنسي أنطوان دي سانت اكزوبري، وكتاب "النبي" للكاتب العربي اللبناني المهجري جبران خليل جبران، وغني عن الذكر أن قصر هذه الأعمال لم يحل بينها وبين أن تحظى باهتمام القراء في شتى أنحاء العالم، والعكس صحيح. السبب الآخر هو أن الكتاب لا يتقصدون عادة التطويل في الكتابة، بالضبط مثلما لا يتعمدون التقصير، فهم يكتبون ما يريدون أن يكتبوه، فإما تمتد لديهم الكتابة وتتواصل، وإما تتوقف في لحظة ما غير راضية بإضافة أي كلمة أخرى، يدعم هذا السبب ويزيده وجاهة أن هناك العديد من الكتابات التي ابتدأ؟ أصحابها في كتابتها على أساس أنها قصة قصيرة، وتحولت أثناء كتابتهم لها إلى رواية كبيرة، وان هناك من شرع في كتابة رواية واكتشف فيما بعد أن ما أراد كتابته إنما يصلح لكتابة قصة قصيرة فحسب، فاكتفى.
للتأكد من هذا اذهبوا إلى تجارب كتاب آخرين، عودوا إليها، وسوف تجدون لدى هؤلاء، منهم حنا مينة ذاته، أن هناك العديد من القصص القصيرة تحولت إلى روايات، مثل روايتيه، "مأساة دمتريو"، و"حمامة زرقاء في السحب".
المهم بالنسبة لمن يريد أن يكتب وان يحقق انجازًا حقيقيًا إذًا، هو أن يضع مسالة عدد الصفحات جانبًا وان ينحيه مؤقتًا، مشددًا على جدية ما يريد أن يكتبه وعلى أهميته لما يريد أن ينقله من تجارب ومعارف، بهذا وبسواه من المشاعر الواثقة من ذاتها، يمكن للكاتب المتسائل أن يتغلب على عائقين، أعيد الإشارة إليهما لترسيخهما هما: كيفية ما يريد أن يقوله وعدد الصفحات.
بعد تغلب من يريد أن يكتب على هذين العائقين الرئيسيين، يأتي عائق اصعب والعن من هذين، هو: كيف سيشرع في الكتابة ذاتها؟ هنا كثيرًا ما يجد نفسه يعيش حالة من التخبط والقلق، فالكتابة بالنسبة إليه تعتبر أمرًا مقدسًا وهامًا جدًا في الآن ذاته، يزيد في هذا العائق حدة، أن الكاتب يريد أن يقدم إضافة حقيقية لما قدمه آخرون، ناهيك عن انه يريد أن يقدم أفضل ما عنده ليرضي نفسه أولًا، وليحقق فيه أقصى ما يرنو إلى تحقيقه من انجاز ثانيًا.
ما قد يعيشه الكاتب المتسائل، ويمر به، والحالة هذه، ربما يشله ويعطل حركته، وقد يدخله في حالة من الأسى تشعر آخرين من المحيطين، أن مرضًا الم به، مثلما حصل للكاتب البرازيلي بول كويليو حينما شعر والداه في بداياته في الإنتاج الإبداعي، بما حلّ به من أسى فادخلاه مصحة نفسية لتلقي العلاج، ومثلما حصل لي أنا ذاتي حينما أردت أن أنتج عملًا إبداعيًا يرضي روحي المتعبة، فانتظرت ثلاثين عامًا وربما أكثر قليلًا من العذاب، الألم والأسى دون أن أجد من يأخذ بيدي على نحو ما حصل لكويليو، فماذا بإمكان الكاتب أن يفعل حين يواجه مثل هكذا عائق؟
للتغلب على هذا العائق، على فداحته وأثره المدمر أحيانًا، اعتقد انه على الكاتب أن يقبل على الكتابة بالتخوف ذاته، لكن ليس يالسرسبة، فالتخوف يعني انه يتحمل مسؤولية الكتابة ولا يُقبل عليها مثلما يقبل إنسان مستهتر لا يريد أن يفعل شيئًا ذا قيمة في حياته، لتوضيح هذا فإنني لا اعرف كاتبًا مبدعًا قدم نتاجًا إبداعيًا له قيمته، إلا وانتابته مشاعر بالتخوف كلما اقبل على الكتابة، أما بالنسبة لما يريد أن يضيفه من يريد الكتابة إلى ما سبق وأنتجه آخرون، فاعتقد انه يتمثل في أمر واحد هو أن يكون الكاتب ذاته، مهما صغرت هذه الذات، لأنه لا يوجد في العالم ذات كبيرة وأخرى صغيرة، وإنما يوجد فيه ذات صادقة وتريد أن تكون وأخرى زائفة لا تمتلك القدرة على أن تكون، أما بالنسبة للتخوف من الكتابة ذاتها، فاعتقد أن تناسي كلب بول كيليو، لخياله أو تجاهله له، من اجل ارواء ما طاله من ظمأ، هو الحل، ذلك أن أفضل حالة لمواجهة الماء هي خوضه أو التخويض فيه.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio