مقالات

صفقة أم لا صفقة؟

خالد خليفة 08:59 21/08 |
حمَل تطبيق كل العرب

في الوقت الذي ترسل فيه إسرائيل وفدًا للتفاوض مع قطر ومصر والولايات المتحدة إلى الدوحة للتوقيع على صفقة وقف إطلاق النار مع حركة حماس، هناك مؤشرات على أنه لا يوجد إجماع حقيقي في إسرائيل بين الجهاز السياسي بقيادة بنيامين نتنياهو والأجهزة الأمنية المختلفة، وعلى رأسها جهاز الموساد والشاباك والجيش الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تدعم بشكل كامل وسافر الموقف الإسرائيلي دون أن تتدخل في حيثيات قرار الرفض الإسرائيلي المتعلق بوضع العديد من البنود والعقبات الإسرائيلية التي تهدف إلى إفشال الصفقة.

على النقيض من ذلك، فإن الموقف المصري هو موقف مخزٍ وعديم الفائدة، ولا يتلاءم مع صعوبة الموقف. ولا أعلم ما هو السبب الحقيقي للمشاركة المصرية في هذه المفاوضات سوى إبداء رأيها في مكان تواجد قوات إسرائيلية على حدودها مع غزة، في معبر رفح ومحور فيلادلفي. ويجدر بالذكر أن اتفاقية كامب ديفيد نصت على تواجد قوة فلسطينية في هذا المحور.

أما الموقف القطري فقد أصبح لا يسمن ولا يغني من جوع، وكانت واشنطن قد غيرت مكان التفاوض إلى روما بدلاً من الدوحة قبل شهر، ولم تستنكر قطر هذا التغيير كمكان للتفاوض، وفي نفس الوقت لم تطالب الطرف الأمريكي بالاستنكار على عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس الطرف الفلسطيني المفاوض في طهران، بل استمروا في التفاوض وكأن شيئًا لم يكن.

أما إسرائيل، وعلى الرغم من مشاركتها في مفاوضات الدوحة التي تجددت في 15 من أغسطس 2024، فإنها تستمر في نفس الوقت في قصف المدنيين بالمدفعية والطيران العسكري، مما يؤدي إلى قتل العشرات بل المئات من الغزيين يوميًا، ولا تطالب الأطراف المفاوضة مصر وقطر والولايات المتحدة الطرف الإسرائيلي بوقف عمليات قتل المدنيين اليومية.

document.BridIframeBurst=true;

var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });

وتحاول الولايات المتحدة وإدارة بايدن إعطاء الانطباع بأن هناك تقدمًا ما في نية إسرائيل لتوقيع الصفقة. ففي الوقت الذي تحشد فيه القوات الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط وخليج عمان، يعطي هذا الانطباع نفسه من خلال تصريحات الحكومة الإسرائيلية في واشنطن. يدعي جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بأن هناك تقدمًا ما في قبول الصفقة من قبل إسرائيل. وفي نفس الوقت، زار في ال 18 من هذا الشهر أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إسرائيل لترتيب التحالف الإسرائيلي والعربي ضد إيران من أجل الدفاع عن إسرائيل، ولا يهمه في نفس الوقت كثيرًا ثني إسرائيل عن وقف عمليات القتل والمجازر في غزة وكان قد صرح تصريحا مثيرا وفاضحا طالب فيه الطرف الفلسطيني ان يقبل التوقيع على الصفقة مقابل تزويد غزة بالإمدادات الإنسانية.

وكشف هذا نواياه الحقيقية المعادية للفلسطينيين في هذه الجولة. وإذا حاولنا فحص ما إذا كان هناك تحول في سياسة نتنياهو بكل ما يتعلق بالإمكانيات الآنية لقبول الصفقة، وأخذنا بالحسبان أن الوفد الإسرائيلي غادر الدوحة بعد يومين من المحادثات وسيزور القاهرة حتى نهاية هذا الأسبوع، يمكننا القول إن هناك 4 أسباب جوهرية لموافقة نتانياهو على الصفقة، وهي كالتالي:

أولاً: عقد مفاوضات مع الجانب الفلسطيني بشكل غير مباشر ومع الوسطاء والولايات المتحدة بشكل مباشر تحت تهديد شن حملة عسكرية إيرانية لبنانية واسعة النطاق ضد إسرائيل، كانتقام عن عمليات الاغتيال الأخيرة التي طالت إسماعيل هنية وفؤاد شقر. حيث قالت إيران وحزب الله إنهما يقدمان للوسطاء وقتًا كافيًا لتوقيع الصفقة، وهذا الأمر يمكن أن يؤخذ بالحسبان في حسابات نتنياهو وسياسة الأمن القومي الإسرائيلي.

ثانيًا: تحاول الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بايدن حث الطرف الإسرائيلي، وخاصة بنيامين نتنياهو، على التوقيع على صفقة تنهي مسألة التورط الإسرائيلي في قطاع غزة. حيث إن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، المتواجد في المنطقة في زيارته لإسرائيل والقاهرة والدوحة والرياض، يسوق هذه الصفقة كأنجاز إقليمي للحلف الأمريكي في المنطقة، ويحاول إقناع نتنياهو بأن التوقيع على مثل هذه الصفقة سيجلب له دعم هذا المحور الأمريكي وعلاقات دبلوماسية وتطبيع مع الرياض، وهذا ما استطاع يحيى السنوار تدميره في السابع من أكتوبر، ولا نعلم ما إذا كانت زيارات بلينكن المكوكية في المنطقة ستتحقق أهدافها المتعلقة بإقناع نتنياهو بقبول الصفقة أو رفضها. وفي حال عدم قبولها، فإن الجانب الأمريكي سيدعمه في مواجهة أي هجوم إيراني، لكنه لا يتخلى عن إسرائيل.

ثالثًا: لقد أثبت الجهاز العسكري في إسرائيل، الذي يحارب بشراسة ووحشية القطاع المدني والسكاني في قطاع غزة، أنه من الصعب عليه الاستمرار بنفس وتيرة ووسائل القتل بتدمير وقصف، وفي نفس الوقت تحقيق الأهداف المرجوة من سياسة الأمن القومي الإسرائيلي. لقد دمرت غزة بنسيجها الاجتماعي الاقتصادي والديموغرافي على مدى الأشهر الـ11 الأخيرة، ولكن هذا الجهاز العسكري لم يحقق أهدافه الاستراتيجية التي رسمت له من حكومة نتنياهو.

وقد بات واضحًا أن مدة هذه الحرب ستطول دون أن تحقق الأهداف المرسومة لها في غزة من قبل الجهاز السياسي غير المعروف وغير المفهوم. ويجمع العديد من المحللين والقادة العسكريين الإسرائيليين، وعلى رأسهم الجنرالات: إسرائيلي زيف، ويئير غولان، ونوعم تيبون، وعاموس غلعاد، ودان هرئيل، وغيوره إيلاند، ويتسحاق أبريك، بأن على إسرائيل أن توقع صفقة مع حماس لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لأنه لا يمكن لإسرائيل أن تستمر في مسار الحرب في عدة جبهات والحسم العسكري في قطاع غزة، واستمرار المواجهة مع حزب الله في الشمال في نفس الوقت.

حيث أصبح الجيش الإسرائيلي مرهقًا، ومن الصعب عليه استمرار الحرب في عدة جبهات، ولذا فعليه التوقيع على صفقة تبادل الأسرى والانسحاب من غزة ووقف إطلاق النار المتبادل بين الطرفين. ويضيف عاموس يدلين، رئيس المخابرات العسكرية السابق، أنه من الأفضل لإسرائيل أن توقع على الصفقة بحيث يمكنها أن تهاجم حماس لاحقًا، وبعدها يمكن أن تقتل وتسجن الأسرى المحررين لاحقًا بعد أن تحرر هي رهائنها.

رابعًا: يسود الشارع الإسرائيلي حركة مناوئة لسياسة نتنياهو. فهنالك تذمر واستنكار واسع النطاق لسياسته، ويتهمه أهالي الرهائن بأنه غير معني بصفقة تبادل مع حماس. وعلى الرغم من أنه استطاع تخليص عشرات الجثث من الرهائن عسكريًا، إلا أن منتدى عائلات الرهائن يقولون إن نتنياهو غير معني بعملية تبادل، وأنه يماطل من أجل حسم عسكري بعيد المنال. وقد اتهم من قبل هذا المنتدى وعائلاته أن سياسة القصف بالطائرات هي التي أدت إلى قتل هؤلاء الرهائن، وإذا استمر هذا الوضع على حاله، فإنهم سيتسلمون أقاربهم جثثًا بدلاً من الرهائن الأحياء.

أما على الصعيد الآخر، وهو صعيد الجهاز السياسي المتمثل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، غير المعني بتوقيع الصفقة، فإنه يقود هذا المسار الرافض والمتشدد لتوقيع أي صفقة مع حركة حماس، حتى لو كلفه ذلك مواجهة إقليمية مع إيران واستمرار الحرب مع حزب الله في الجبهة الشمالية. ويسود المحللون القناعة المطلقة بأن نتنياهو يؤمن بأنه لم يحقق حتى الآن أهدافه العسكرية ضد حركة حماس، وأنه يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن للسيطرة على قطاع غزة. ومن هنا، فإن أطماعه للتواجد على معبر رفح ومحيط فيلادلفي ومعبر وادي غزة، والذي يسمى بنتسريم، يهدف إلى منع 1.5 مليون فلسطيني من الانتقال من الجنوب إلى شمال قطاع غزة.

لذا، يمكننا الجزم والقول إن هدفه الحقيقي هو منع قيام أي كيان فلسطيني مستقل والاستمرار في السيطرة المطلقة على غزة والضفة الغربية أيضًا لمنع أي تفكير في إقامة دولة وكيان فلسطيني مستقبلاً. وهذه هي أهدافه، وسوف نرى إذا استطاع تحقيقها قريبًا، وأشك في ذلك، لأن نتنياهو سيكون ظاهرة عابرة في التاريخ.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة المستخدم. هل تسمح؟

عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا

الخامس +1 234 56 78

فاكس: +1 876 54 32

البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio